عندما أطلقت هيئة السياحة فعالية "ليالي المحرق"، أثارت في داخلي حنيناً للمنامة؛ فتساءلت في خاطري: لماذا لا تكون هناك فعالية تحتفي بليالي المنامة، وهي العاصمة التي نشأت فيها، وفيها ذكرياتي وطفولتي، وحياة أبي وأمي وأجدادي؟ لم يمضِ وقت طويل وبينما كنت أتصفح الإنستغرام، لفت انتباهي منشور جميل يعلن عن عد تنازلي لفعالية منامية تحت اسم "ريترو المنامة" التي تيقنت بأنها ستلعب بذكريات أجيال كثيرة من أهل العاصمة.
وبعدها بأيام أعلنت هيئة السياحة عن فعالية "ريترو المنامة"، الفعالية التي تعيد للأذهان سحر الماضي ورونقه، وتجدّد الروابط بين الأجيال بأسلوب يعكس عمق التراث والتاريخ البحريني.
ومنذ اليوم الأول بدأ الناس بطبيعتهم في عمليات المقارنة بين "ليالي المحرق" و"ريترو المنامة"، وكان ذلك متوقعاً بعض الشيء، وطبيعي لأن "ليالي المحرق" رفعت المستوى ويجب أن تكون فعالية المنامة على نفس المستوى، ناهيك أن "ليالي المحرق" مُقامة على مسار اللؤلؤ الذي أُنشئ ليكون مَعْلماً سياحياً بطبيعة الحال، بينما تحويل سوق المنامة القديم إلى فعالية كان فيه تحدٍّ كبير، إلا أن العقول البحرينية استطاعت تكييف المكان حسب رؤيتها الإبداعية وإقامة فعالية استثنائية لتكون ليالي المنامة ما مثلها ليالٍ.
"ريترو المنامة" ليست مجرد فعالية ترفيهية، بل هي رحلة عبر الزمن تُعيد لنا روح الماضي العريق في سوق المنامة، تلك البقعة التاريخية التي شهدت تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة على مَرّ السنين، ففيها اجتمع كبار الطواويش والتجار، وفيها سوق للّؤلؤ أشبه ما يكون ببورصة خاصة باللؤلؤ لو كان على مسمياتنا الحديثة، وهي الوجهة الأولى لمن يصل للفرضة في هذه الجزيرة الرائعة.
فهي تلعب على وتر إحياء ذكريات الأجيال السابقة من خلال سلسلة من الأنشطة والتجارب التي تنشط المتاجر التقليدية في السوق، وتقدّم برامج مبتكرة تحاكي الذاكرة البحرينية بأسلوب حديث يدمج بين الأصالة والمعاصرة، ففيها رحلة آسرة تنقل الزائرين بسلاسة عبر أروقة الماضي الجميل، حيث تتجلى تفاصيل الحياة التقليدية في الأسواق البحرينية القديمة من خلال عروض فنية وثقافية تعكس تراثاً غنياً يعزّز الهوية الوطنية.
وبدت "النوستالجيا" لاعباً محورياً في "ريترو المنامة"، إذ يقوم هذا المفهوم على صنع واقع يساعد الأفراد على تحسين حالتهم النفسية من خلال استعادة ذكريات الماضي الجميلة، فالفعالية تعتمد على هذا المفهوم لإعادة إحياء اللحظات السعيدة التي عاشها أهل المنامة، مما يعزّز من شعور الانتماء والراحة النفسية لدى الزوّار. إن عملية استحضار الماضي ليست مجرّد ترفيه، بل هي نوع من عملية علاجية تُساهم في محاربة الملل والروتين والحياة المادية التي نعيشها والقائمة على مزاجية الخوارزميات، الخالية من الأبعاد الإنسانية والتواصل الحي.
وتحية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض بقيادة سارة بوحجي، الرئيس التنفيذي للهيئة، التي استطاعت ومنذ اليوم الأول لها في القيادة إثبات أن فريق البحرين قادر على صناعة الترفيه بسواعد أبنائه، فالمنظمون في الفعالية من "الفاليه باركنق" وحتى الوداع هم بحرينيون 100%.
كان هناك عتب بسيط أوصاني بعض رجالات سوق المنامة القدماء ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالثقافة والتاريخ والمنامة بشكل كبير لإيصاله للمعنيين بالهيئة، بأنهم لم يتلقوا الدعوات لحضور الافتتاح والفعالية كما تلقوها "المؤثرون"، فبالرغم من أن أصحاب السوق وأهله لا يملكون المتابعين وحسابات مؤثرة على التواصل الاجتماعي، إلا أنهم أحد المساهمين في استمرارية العبق البحريني والروح البحرينية في السوق وهم من حافظ على الكثير من مكتسبات هذا السوق على مر السنين.
في هذا السياق، وبما أن الحديث عن سوق المنامة، نُعيد طرح هذه الفكرة على مجلس سمو رئيس الوزراء وهيئة الثقافة والآثار، للقيام بعملية إغلاق شارع الشيخ عبدالله من حدود سوق الذهب على الأقل وشارع باب البحرين عن السيارات، ورصفه وجعله خاصاً بالمارة والمتسوقين فقط.
إن تحويل هذه الشوارع إلى ممرات للمشاة سيساهم في تعزيز أمان الزوّار وجمالية السوق، كما سيسهل عمليات التحميل والنقل ليلاً وحتى الفجر، مما يعزّز من توسعة السوق وحماية السياح والمتسوقين. إن العديد من حوادث الاصطدام الناتجة عن ضيق الشوارع تؤكد الحاجة الماسة لهذه الخطوة، وهي خطوة مطبقة في العديد من الأسواق التاريخية والتراثية حول العالم لتعزيز تجربة الزائرين والتجار على حدّ سواء.
0 تعليق