حافظ الأسد وحرب أكتوبر 73 «1»

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الأحد 29/ديسمبر/2024 - 10:31 ص 12/29/2024 10:31:23 AM

سنحاول فى سلسلة مقالات إظهار الدور الذى قام به حافظ الأسد والد بشار الأسد فى الحروب التى خاضتها سوريا وأهمها حرب أكتوبر 1973.
خلال حرب 1967، كان حافظ الأسد وزيرًا للدفاع، لا عن كفاءة، ولكنْ لأنه كان رجل الحزبِ القوى، ويقال إنَ حزب البعث فكَّر فى الاستغناءِ عنه فى منتصفِ عامِ 1970. ولكنه سعى نحو تكريسِ سلطته بتعيينِ القريبين منه فى مراكز حساسة بالجيش، وبسط سيطرته على الحزبِ، وقام بانقلاب مضاد فرض فيهِ هيمنته على كلِ شىء. 
مِن ناحيتى، أستعير ما قاله صدام حسين فى اجتماعٍ معَ ضباط عسكريين خلال الحرب العراقيةِ الإيرانيةِ، يحلل مصادرَ الشجاعةِ العسكريةِ الإسرائيليةِ. 
حافظ الأسد هوَ الذى أخبرَ المصريين بأن ثمةَ حشودًا إسرائيلية، على الحدود معَ إسرائيل. وسافر قائد الأركانِ المصريِ إلى سوريا، وعادَ ليؤكدَ أنه لا توجد حشودٌ. وتبينَ أنَ الأمر خدعة من السوفيت، ليسَ لها أى مبررٍ أو سببٍ. 
بعد أنْ تمكنَ حافظ الأسد منْ مفاصلِ الدولةِ، حاولَ إبعاد سوريا عنْ القوى الإقليميةِ والمعتدلةِ فى منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، مصر والعراقِ والسعوديةِ، وأعادَ تسويةَ الأوضاعِ معَ كلِ القوى البرجوازيةِ المؤثرةِ فى سوريا، منْ خلالِ مصالحها الاقتصاديةِ التى تضررت من سياساتِ حزبِ البعثِ السابقةِ. 
كما سعى إلى تشكيلِ جبهةٍ وطنيةٍ تقدميةٍ تضم أحزابًا أخرى إلى جانبِ حزبِ البعثِ، وأعادَ برلمانًا ليسَ لهُ أى دورٍ رقابيٍ. 
فى ربيع 1967 كانت سوريا قد مرت بأوضاع قلقة فيما يتعلق بنظامِ الحكم، وتداول السلطةِ عبرَ الانقلاباتِ، والسيطرة على مقدراتِ الأمورِ فيها بعدَ حدوثِ انقلابِ 1961، ولمْ تعدْ - كما كانت طيلة ثلاث سنوات ونصف السنة - جزءًا من الجمهوريةِ العربيةِ المتحدةِ، فى وحدة اندماجية، وتحول الحماسُ إليها إلى عداء صريح واتهامات علنية لنظام الحكم السوري، بل أصبح الأمرُ شبيهًا بالتعامل معَ العدوِ. 
وتطوعت أقلامُ الكتابِ والمفكرين بإسباغ اتهامات الخيانة والعمالة على القيادات، وبث روح الهزيمة. ومعَ هذا فقد كانت هناكَ ومضةُ ضوءٍ خافتةٍ تنبثّ وسط ظلامِ الكراهيةِ، كان هذا الضوء هو التوحد على عدوٍ واحدٍ، يتربصَ بهم جميعًا من أجلِ زيادة رقعةِ بلاده، وتوسيع أرضهِ الضيقةِ. وتوحدوا على فكرةِ العداءِ لإسرائيل، وهى الفكرةُ التى لم تنطفئ، وما زالت متأججةً فى النفوس ومسيطرة على المشاعر وحاكمة للتصرفات فى ذلك الوقت. 
لأجل هذا، كان لابد للدولتين المصرية والسورية أنْ تقتربا لدرء هذا الخطر على حدودهما. ربما لإحساس سوريا، ومعها باقى الدولِ العربيةِ، أن مصر هى الأخُ الأكبرُ والأقوى والأسبقُ خبرةً فى التعاملِ العسكريِ، وجيشها جيشٌ عريقٌ، هدد حدود الدولة العثمانية، وساحت قواته على شاطئِ البحرِ المتوسطِ حتى اقتربت من الأستانة، لولا تدخل الدول الغربية وخوفوهم من تنامى هذا الجيشِ المرعبِ. 
سارعت أحداثُ الحرب على النحو التالي:
- فى نوفمبر 1966، وقعت مصر وسوريا اتفاقية للدفاعِ المشتركِ بعد أن زادت التهديداتُ الإسرائيليةُ المعلنةُ لسورية. 
- وفى 30 مايو 1967، وصلَ الملك حسين إلى القاهرةِ بملابسه العسكريةِ وقامَ بتوقيعِ اتفاقيةِ دفاعٍ مشتركٍ معَ مصر. 
على إثرِ هذهِ الاتفاقيةِ سافرَ الفريق عبدالمنعم رياض إلى العاصمةِ الأردنيةِ عمان، ومعهُ كتيبتان من كتائب قوات الصاعقة المصرية، وفرقة عمليات، ومعدات دفاعٍ جويٍ. وفى ربيعْ 1967 أبلغَ الاتحاد السوفيتى والمخابرات السورية الرئيس جمال عبدالناصر بوجودِ حشودٍ عسكريةٍ على الحدودِ السوريةِ، وعلى الرغم من أنَ مبعوثى الرئيس جمال عبدالناصر للتأكدِ من وجودِ هذهِ الحشودِ قد نفوا وجودها، إلا أنَ صوتهم ضاعَ فى خضمِ الضجيجِ الذى كانت قد أحدثتهُ السياساتُ التى استهدفت إعلانَ نذرِ الحربِ، ووجد هذا الجو الحماسى قبولًا وترحيبًا من الرئيس جمال عبدالناصرْ، الذى سرعانَ ما أصدرَ أوامره بالتعبئة العامة وحشد القوات المصرية فى سيناء فى 14 مايو 1967، بهدف تخفيفِ الضغطِ على الجبهةِ الشماليةِ فى سوريا. 
وفى 17 مايو خطا الرئيس جمال عبدالناصر خطوته التالية الشهيرة بأن أمر بإغلاقِ مضايق تيران فى وجهِ الملاحةِ الإسرائيليةِ، ما فجر حرب يونيو 1967. فى ذلكَ الوقتِ كانَ المشير عبدالحكيم عامر هو النائب الأول لرئيسِ الجمهوريةِ، وهوَ نائب القائدِ الأعلى للقواتِ المسلحةِ، فضلًا عنْ أنهُ كانَ قائدًا عامًا للقواتِ المسلحةِ المصريةِ آنذاكَ. 
قبلَ اندلاعِ حربِ 1967 بعدةِ أشهرٍ، زار القاهرة المارشال جريتشكو، قائد قوات حلف وارسو. وبعد لقائه بالخبراءِ العسكريين السوفيت، دعاهُ الرئيس جمال عبدالناصر لمقابلتهِ، وسأله عبدالناصر عن انطباعهِ عن حالةِ الجيشِ المصريِ، حاول المارشال جريتشكو أن يرفعَ من شأنِ المستشارين العسكريين السوفيت الذينَ يعملون فى مصرَ منذُ فترةٍ، فقال جريتشكو: إنَ جيشكم قادر على تنفيذِ أى مهمةٍ على مسرحِ العملياتِ. ربما تكونُ تلكَ الكلمات التى قالها قائد حلفِ وارسو، هى التى دفعت عبدالناصر إلى القيام بالتصعيد ومظاهر استعراض القوة، على أى حال هو وثق فى تنامى القدراتِ القتاليةِ للقواتِ المسلحةِ، وقررَ أن يستخدمَ هذا الزخم، ولكن رغمَ ذلكَ لم يكن عبدالناصر راغبًا فى نشوبِ الحربِ.
«يتبع».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق