الموظف البسة لا يقدر ذاته وليس له تاريخ مشرف على المستوى العملي والاجتماعي، فقد ينحدر من سلالة جينية بغيضة، فأسلافه الأباعد كانوا بساسا يسوسهم قط منتفخ الأوداج، يدور على الولائم بحثا عن طعام يسد به رمق جوعه وعوزه، ما أن يدخل هذا البسة المكاتب، حتى يتعوذ الموظفون الذين تشاطره الزمان والمكان من شره وشرهه، مرددين وبصوت داخلي واحد: يا قوم جاءكم البسة جاءكم البسة، خذوا حذركم واربطوا أحزمتكم والبسوا أقنعتكم.
المدير الهر منتفخ الأوداج، والذي كان في ماضيه الوظيفي بسة أنيسة ومستأنسة؛ يعتمد على بسة نشطة تأتيه بالأخبار المتواترة والمستحدثة، والتواتر عند هؤلاء البساس يتمثل في قال بس عن بس بسند محكم في الترتيب والتراتبية، لكنه موضوع في متنه وخاصة عندما يتدثر بضغينة ضد أحد الموظفين، هذا النقل يستخدمه المدير الهر منطلقا لتصنيف من حوله من الموظفين، فمنهم البساس المؤتمتة ومنهم البساس المستأنسة وآخر إصداراتهم تلك البساس التي تكون مكتبية لتضفي على المكاتب شيئا من الارستوقراطية الإدارية التي تعين المدير الهر على رسم صورة برجوازية له ولحاشيته الإدارية المباركة والمتبركة.
الموظف البسة أنيق في هندامه صاحب ابتسامة عريضة ولديه أذنان تعتمدان على تقنية البلوتوث في ترصد الأخبار وحصرها وإعادة تحريرها حسب نوع الضرر الذي يراد للمنقول عنه، وبعد التحرير يتجه صوب المدير في مكتبه إذا كان الأمر عاجلا، أو من خلال رسالة صوتية تجعل المدير في صورة الحدث وما سيتلوه من أحداث.
دعونا نعود إلى المدير الهر الذي كان بسة في سابق عهده الوظيفي، شق هذا المدير طريقه بسرعة الصاروخ نحو النجومية الإدارية ومراتبها العليا، فقد بدأ حياته كبسة كاملة التقاسيم الحيوانية، أليف في معشره وعشرته، طيب ودود له أذنان تسترقان السمع بكل هدوء وروية، هذا الهر له عين ساقطة وأذن مثقوبة تستقبل كل الإشاعات المغرضة والعريضة والتي تجعله دائما محكوما بحالة الطوارئ القصوى التي شكلته هرا يبحث عن الخطأ والزلل وما استكرهت المنظومة عليه.
المنظومة العملية التي تحتكم إلى هر بغيض وقطيع بساس أبغض في صنع قراراتها، لا تعمل ولا تنتج ولا يمكن لها أن تصبح رقما ذا قيمة في عالم الإنتاجية والعمل، مصيرها الفشل، أما الطوافون على المكاتب فيستمرون على نهجهم حتى تأخذهم الحياة وتقلباتها إلى مآلاتهم الأخيرة، والمتمثلة في صناديق النفايات لتأكل وتشرب وتتكاثر في جوها المعتاد الذي نشأت فيه وتربت عليه وستموت فيه.
0 تعليق