ما بين حاكمية الإخوان وديمقراطية الحروب

صدى العرب 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حظى مفهوم الحاكمية الذى صكه الإخوانى سيد قطب بإنتشار واسع لدى أوساط الإسلام السياسي و الجماعات الدائرة فى فلكه، و التى رأى فيها إنها مرجعية و شرعية و إنه لا حكم إلا لله ، رافضين بذلك التحكيم البشرى فى أى قضية سياسية ، بعدها و بدون سابق إنظار أمن تيار الإسلام السياسي بكل مبادئ العولمة الإمريكية و فى القلب منها الديمقراطية ، و بصرف النظر عن تعريف الديمقراطية و الذى يعنى فى أبسط صوره حكم الشعب ، نرى ضرورة تمعين النظر فى الديمقراطية ليس فقط  كآداة من أدوات العولمة التى تقصف بها الولايات المتحدة الإمريكية العالم منذ سقوط الإتحاد السوفيتى و بداية عصر الهيمنة الإمريكية ونظام القطب الأوحد الحاكم للنظام الدولى ، بل كونها الدابة التى تمتطيها الجماعات الإرهابية فى المنطقة العربية لإغتصاب السلطة بعد الدعم الغربى إعلامياً و مادياً و إستخباراتياً ، و عسكرياً لإسقاط الأنظمة العربية وتنفيذ ما بات واضح للعيان خرائط  "برنارد لويس" و غيرها من مخططات تقسيم المنطقة العربية لنهب ثرواتها .

 

وبالرجوع إلى فترة ما قبل حكم الإخوان ، بعد إبتلاع ما سُمى بثورة 25 يناير ، سنجد إنها إعتمدت على ديمقراطية الصندوق فى جميع الإستحققات الإنتخابية التى تمت فى فترة حكم المجلس العسكرى وفترة حكم الإخوان ، فلم تخلوا جميع هذه الإستحقاقات من الإستقطاب الدينى الذى كاد أن يشعل حرب أهلية داخل مصر أكثر من مرة ، ورفض الإخوان ومن عاونهم الدعوات إلى حوار مجتمعى  يشارك فيه أصحاب الفكر والرأى ، ولعل أكبر شاهد على ذلك رفض دعوة القوات المسلحة إلى حوار وطنى والدعوة إلى إنتخابات رئاسية مبكرة للخروج بحل سياسي يحقق طموحات الشعب المصرى الذى خرج فى 30 يوينو لإسترداد دولته ، و هو رفض صريح لديمقراطية الصندوق التى أمنوا بها من قبل .

  

وبإستعراض بعض من الأحداث من تاريخنا الإسلامى سنجد بما لا يدع مجال للشك أن الدين الإسلامى فى نظام الحكم لم يعتمد على مشاركة الجميع فى قرار الحكم بل إقتصر على من لديهم الوعى و الفكر ومن أمثلة ذلك ، ما يروى عن الفاروق عمر رضى الله عنه أنه حين أراد أن يعرض أمر الشورى على جماهير الحجاج ، فذكره بعض الصحابه بأن موسم الحج يجمع أخلاط الناس ، و أن عليه أن يرجئ هذا إلى أن يعود إلى المدينة ، فيلقية على أهل العلم و الرأى ففعل ، نقلاً عن  "كتاب مسيرة الديمقراطية ... رؤية فلسفية للدكتور إمام عبد الفتاح  ص 14 .

   

ومن الأمثلة الأخرى حين إندفعت الجماهير لمبايعة سيدنا على كرم الله وجهه بعد مقتل سيدنا عثمان رضى الله عنه قال لهم " إن الأمر ليس لكم ، إنه لأهل بدر ... أين طلحة و الزبير و سعد ؟ ".

 

ويضاف إلى ذلك فتوة الأمام مالك بعدم صحة بايعة الخليفة التى شارك فيها من لا وعى له ، و التى جٌلد بسببها سبعون جلدة .

   

ويتضح مما سبق أن الإسلام حرص على الديمقراطية لكن ليس بمعناها التقليدى ، بل بمعناها التشاركى الذى يعتمد على أصحاب العقول و الفكر و الخبرات ، ويتضح أيضاً أن الديمقراطية التى يغازل بها الإسلام السياسي الغرب لإستجلاب المزيد من الدعم المادى والسياسي بعيدة كل البعد عن صحيح الدين الذى يتجمل به هؤلاء راغبى السلطة ، بل أن الديمقراطية الغربية و التى تعود جذورها الأولى إلى ما قبل الميلاد فى أثينا قد شهدت بدايتها عنصرية مفرطة حيث حرمت كلاً من العبيد والسيدات والدرجات الدنيا من المواطنيين من المشاركة ، والديمقراطية الغربية الحالية هى من تقف حائل لمنع وقف الإبادة الجماعية التى تشهدها غزة لأكثر من عام.

      

وبناء على ما تقدم ، و بناء على ما تشهده المنطقة من حروب منزوعة السلاح تعتمد على تفكيك الجبهة الداخلية للدول ، بإستخدام عناصر الإخوان و بعض الجماعات الأخرى ، نجد إننا فى أمس الحاجة إلى تبنى مصطلح " ديمقراطية الحرب " والتى تعنى مشاركة أصحاب الرأى و الخبراء و كل مواطن يحظى بالحد الأدنى من الوعى السياسي لضمان إستقرار الأوطان فى زمن أصبح فيه الوعى درع الوطن و عمقه الإستراتيجي .

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق