مكافحة صوت الإرهاب عبر المنصات الرقمية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عشية الهروب الصادم للرئيس السوري المخلوع «بشار الأسد»، تخوف العالم من أن تكون سورية قد وقعت في أيدي «إرهابيين» على ما كان قد روج له النظام السابق، وتساءل الكثيرون من خلال المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي عن القدرات التي طورتها دول العالم المختلفة التي عملت في سورية من أجل منع أي تمدد للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، فيما سارعت القوى التي سيطرت على السلطة هناك في إرسال تطمينات للعالم والدول العربية بأن «سورية الجديدة» ستكون جديدة في كل شيء، وأنها سوف تفتح أبوابها للعالم.. لا سيما تلك التي جاءت على لسان القائد «أحمد الشرع» الذي عمل كقائد عسكري وتطور دوره اليوم إلى دور سياسي فاعل حتى باتت سورية، محجاً للعديد من الوفود العربية والعالمية التي قدمت الدعم للبلاد، وأكدت أنها على استعداد للعمل مع الدولة الجديدة من أجل مستقبل أفضل للسوريين.اضافة اعلان
يقول الشرع: «سورية لن تكون مصدر إزعاج لأحد».. والواقع أن «بلاد الياسمين» لم تكن يوماً مصدر إزعاج، لا بل كان مصدر الإزعاج هو النظام الذي جثم على صدرها لنحو نصف قرن، وصدر كل أنواع الإجرام للدول القريبة منه، لا سيما إلى الأردن الذي عانى من ويلات اللجوء من جهة، وعدم أمان الجبهة الشمالية الشرقية من جهة أخرى وتزايد انتشار جرائم الإرهابيين بمحاولة تهريب المواد المخدرة، مما وضع قواتنا المسلحة في حالة استنفار منذ العام 2011 وحتى اليوم، لا بل ذهب ضحية الحوادث الإرهابية خيرة شبابنا في القوات المسلحة الأردنية الباسلة، والذين نحتسبهم شهداء عند الله.
اللافت اليوم، وجود بعض الأصوات الداعمة للنظام المخلوع بعد كل الإرهاب والقمع الذي ارتكبه والتي تنتشر من خلال المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي تشكل دعماً مباشراً لنظام قمعي قتل ودمر مقدرات البلاد السورية، لا بل اعتقل وقتل من خيرة أبنائنا الأردنيين الذين تواجدوا في بعض الأوقات في سورية لغايات الدراسة أو العلاج.. ليس لشيء، بل لمجرد شكوكه أو عدم ثقته سوى بمن كانوا يديرونه ويدعمونه، والذين انهاروا اليوم أمام ثورة الشعب السوري، ومع ذلك، ما تزال المنصات الرقمية تشكل ساحة معركة فكرية بين رواية الحقيقة ورواية التضليل التي تسعى بعض الأطراف إلى تعزيزها لتبرير جرائم النظام المخلوع.
في عصر التحولات الرقمية، أصبحت المنصات الرقمية بيئة خصبة لتنامي الأصوات المتطرفة ونشر الأفكار الإرهابية؛ حيث يتم استغلال هذه المنصات لبث الكراهية، والتجنيد، وتبرير العنف، أما التحدي الأبرز فيكمن هنا في التوازن بين ضمان حرية التعبير ومنع استغلال هذه المساحات لترويج الإرهاب، ودول العالم بدأت تدرك خطورة هذا النوع الجديد من الإرهاب الذي لا يحتاج إلى جيوش على الأرض، بل كلمات ومقاطع فيديو تنتشر في ثوانٍ لتؤجج الفتن وتحرض على القتل، وقد أطلقت العديد من الدول برامج لمراقبة المحتوى الرقمي وإزالة المنشورات التي تدعو للعنف، مع التركيز على تعزيز الوعي الرقمي لدى المجتمعات، وخصوصاً الشباب.
في سورية تحديداً، شهد المجتمع تدخلات دولية متعددة لمكافحة الإرهاب، لكنها ركزت بشكل أساسي على العمليات العسكرية دون معالجة الجذور الفكرية للإرهاب، واليوم، يحتاج المجتمع الدولي إلى شراكات فاعلة مع الدول التي تعاني من آثار الإرهاب، بما فيها الأردن، لتطوير استراتيجيات مشتركة لمكافحة الإرهاب الرقمي، وتلك الاستراتيجيات يجب أن تتضمن تعزيز التعاون بين شركات التكنولوجيا والحكومات لمراقبة المحتوى، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات توعوية تسلط الضوء على خطورة الخطاب المتطرف، وتوفر بدائل فكرية تستند إلى التسامح والحوار.
أما فيما يتعلق بالأردن، فقد كان وطننا وما يزال على الخطوط الأمامية في مواجهة الإرهاب، ورغم الأعباء الاقتصادية والأمنية التي تحملها جراء الأزمات الإقليمية، إلا أن المملكة نجحت في الحفاظ على استقرارها ومحاربة الإرهاب بجميع أشكاله، واليوم نقف الأردن أمام تحدٍ جديد يتمثل في تعزيز جهودنا في مواجهة الإرهاب عبر المنصات الرقمية، وذلك من خلال تطوير سياسات شاملة تجمع بين التكنولوجيا، القانون، والتعليم، ومن المهم تذكر أن مكافحة الإرهاب ليست مسؤولية الحكومات وحدها، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تعاوناً بين جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك الأكاديميون، والإعلاميون، ومؤسسات المجتمع المدني.
ختاماً، سورية اليوم تقف على أعتاب مرحلة جديدة، والأردن يواصل دعمها في هذه المسيرة نحو الاستقرار والنهوض. لكن مكافحة الإرهاب الرقمي تبقى مهمة لا تقل أهمية عن إزالة آثار الحروب والدمار، ومن خلال التضامن الإقليمي والدولي، نستطيع تحويل المنصات الرقمية إلى أدوات للسلام والتنمية بدلاً من أن تكون ساحات للصراعات ونشر الكراهية.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق