سلطان أهل الهوى

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عدوية وحده هو الذى يعرف سره.. فهو ليس مجرد فنان مشهور أو رجل ناجح.. بل إنه كان يمتلك قوة وصلابة ليس لها مثيل.. شاهدته قريبًا بالصدفة منذ عدة أشهر.. وكان يجلس فى سيارة أمام مسجد حسين صدقى.. وعلمت وقتها أنه كان قد خرج لتوه من عزاء فى المسجد.. والمفارقة أنه نفس المسجد الذى صلى عليه فيه أهله وأصدقاؤه وزملاؤه صلاة الجنازة بعد وفاته.. فقد عاد للمسجد مرة أخرى بعد بضعة أشهر ولكنه المتوفى هذه المرة.

أعتقد أن حياة عدوية كلها مفارقات شبيهة بهذه المفارقة.. أسرار وغموض لم يكشف عنها إلا القليل فقط.. الذى سمح هو به، وذلك كان دليلًا على كبريائه، فهو لم يرغب فى جعل مأساته ومرضه وأموره الشخصية تسالى حلقات النميمة. 

الحادث الذى وقع له.. أعتقد لو كان حدث لشخص آخر غير أحمد عدوية كان انتهى تمامًا.. انتهى نفسيًا وجسمانيًا، لم يكن مجرد حادث بل كان شروعًا فى قتل بمنتهى الخسة والغدر، وباغته وهو فى عز نجوميته وفى أوج شهرته وصحته وشبابه، قضى على مستقبله تمامًا، وهو الذى كان ينتظره الكثير.. شخص آخر غيره كان كفيلًا هذا الحادث بكسره وقتله معنويًا.. كان يمكن أن يستسلم تمامًا لقدره ولم يكن أحد يستطيع لومه، فقد انقسمت حياة هذا الرجل لمرحلتين، واحدة كان فيها يحلق فى السماء السابعة والثانية هبط فيها لسابع أرض بحادث أبعده عن فنه ومهنته وجمهوره سنوات.

لكنه أحمد عدوية الصعيدى العنيد، فقد كان مثالًا حقيقيًا لقوة وكبرياء وصلابة أبناء الصعيد.. فهو لم يبدأ مشواره ليتراجع أبدًا، ولم يهزمه القدر، حتى الذى حاول قتله هو الذى فر هاربًا، أما هو فلم يهرب وواجه المحنة التى كانت مصيبة حياته ولم يكسره شىء. أتساءل دائمًا كيف استطاع عدوية أن يتحمل كل هذا الوجع والألم وهذه المعاناة؟! كيف أكمل حياته بهذا الشكل بعد ما جرى؟!

الحادث الذى دمر مستقبله المهنى حرفيًا، وحرمنا منه سنوات طويلة، لم يعطله فى باقى نواحى الحياة، لم يدمر شخصيته القوية مهما كان قاسيًا، كان متمسكًا بالحياة متشبثًا بالأمل.. ظل زوجًا وأبًا لأسرة كان الجميع يتحاكى عن ترابطها، أبناؤه كبروا ونجحوا ويفتخرون به وكان يتباهى بهم.. زوجته لم تتركه لحظة بل كان هو حياتها.. وهو دليل على ذكاء عدوية وحسن اختياراته.. فرغم الصخب الذى كان يعيش فيه والنجاح والنجومية والمال، وبالتأكيد تهافت فتيات وسيدات للزواج أو الارتباط به، فقد عرف كيف يختار زوجة صالحة، رفيقة عمر حقيقية، أمًا عظيمة لأولاده، كانت وحدها سرًا من أسرار أحمد عدوية، ساعده على تخطى ما عاناه.

كان عدوية يريد العزوة ويرغب فى إنجاب الأبناء.. لذلك عندما قرر الزواج كان يختار أمًا لأولاده، دون أن ينبهر بأى شىء غير الخلق وحُسن الطباع والأصل الطيب، وهذه الزوجة تحديدًا السيدة ونيسة أو «نوسة» كما كان يناديها الجميع، كانت نجاحًا آخر مبهرًا حققه عدوية فى حياته بجانب مشواره الفنى البديع، وذلك يدل على حكمته ورجاحة عقله رغم سنه الصغيرة فى هذا الوقت.

لم يكن نجاحه سهلًا أبدًا، فقد ظهر فى وقت العتاولة، حتى من سبقوه فى الغناء الشعبى كانوا من الأكابر، مثل محمد عبدالمطلب، صالح عبدالحى، محمد رشدى، محمد العزبى.

أسماء ضخمة ضايقت كثيرًا من المطربين والفنانين بقوة عبدالحليم حافظ، ولكن هذا كله لم يرهبه أو يجعله يخشى من النزول للملعب، وربما كان هو الدافع الذى جعله يختار لونًا مختلفًا تمامًا عما قدموه فى الغناء الشعبى، كلمات ومفردات ومزيكا مختلفة، وأصر عليه بثبات رغم الرفض، رفض المثقفين وقد يكون رفض الجمهور نفسه فى البداية الذى اعتاد على شكل وسماع شىء آخر، حتى الإذاعة رفضت اعتماده، وفى هذا الوقت كان اعتماد الإذاعة شيئًا مهمًا جدًا وبوصلة لقبول الجمهور للمطرب، ولكن بنفس الذكاء والقوة وحسن الاختيار، لم يوقفه شىء و«عافر» وأكمل حتى فرض فنه ولونه وأصبح أحمد عدوية الذى يغنى معه عبدالحليم حافظ أغنيته المدهشة حتى الآن «قرقشندى دبح كبشه».. وعدوية الذى يشيد به أديب نوبل نجيب محفوظ.. ويتعاون معه مبدعون كبار مثل بليغ حمدى وصلاح جاهين وهانى شنودة وعمار الشريعى.. ولأنه مبدع فقد اكتشف شعراء وملحنين آخرين منهم حسن أبوعتمان الذى كتب أروع أغانيه ويقال إنه كان حلاقه الخاص.. حتى استطاع أن يخلق مدرسة جديدة فى الغناء لم ينافسه فيها أحد حتى يومنا هذا.

كل شىء فى حياة أحمد عدوية يشير إلى قوته وصلابته وعناده، من بدايته فى الغناء ومرورًا بالحادث، وحتى اللحظة الأخيرة فى حياته.. كان شخصًا استثنائيًا وحالة خاصة ونادرة ومتميزة صنعها هو بنفسه.. له مريدون وعشاق وتلاميذ.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق