مركز وطني للترجمة

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

«الترجمة الجيدة هي التي تقرأ وكأنها لم تترجم» اقتبست هذه العبارة وهي لأنيس منصور من موقع مركز الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية التابع للأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي ويتخذ من مسقط مقرا له، ويهدف هذا المركز إلى المساهمة فـي تعزيز مكانة اللغة العربية، والتعاون مع الجهات بأعمال الترجمة والتعريب فـي الدول الأعضاء. وقام المركز بتدشين أول إصداراته المترجمة من الإنجليزية إلى العربية كتاب «تاريخ لساني للعربية» وهو من تأليف البريطاني جوناثان أونز وترجمة الدكتور محمد ظافر الحازمي.

الحديث عن وجود مراكز للترجمة ليس بالجديد فالحضارات القديمة شهدت ترجمات لبعض كتب الأديان المرجعية كما حدث فـي ترجمات الكتاب المقدس من العبرية إلى اليونانية حيث يؤرخ لهذه الترجمة بأنها أول نص تمت ترجمته من لغة إلى أخرى وقام بتلك الترجمة 70 مترجما لذلك سميت تلك النسخة السبعينية أو الترجمة السبعينية، وفـي العصور الوسطى بدأ المترجمون فـي نقل التراث العلمي والديني والطبي من اللغات العبرية واليونانية إلى عدد من اللغات منها العربية، حتى وصل علم الترجمة إلى عصرنا الحاضر كعلم تخصصي يدرس فـي الجامعات والمعاهد ويبحث فـي كافة العلوم إلى أن وصل الأمر بالترجمة إلى أن تقوم التقنية الحديثة بدور المترجم البشري ما سهل الأمر على المترجمين أنفسهم فـي الاستعانة بتطبيقات الترجمة وأدوات الذكاء الاصطناعي فـي السعي للحصول على ترجمات تتوافق مع الترجمات البشرية.

من المهم وجود مركز خليجي للترجمة والتعريب يخدم أهداف دول الخليج مجتمعة فـي مجال نشر الثقافة والمعرفة والاهتمام باللغة العربية وترجمة بعض الكتب من مختلف اللغات إلى اللغة العربية وتعريف القارئ العربي على المؤلفات العالمية حتى مع وجود مراكز وطنية فـي بعض دول المجلس تعنى بموضوع الترجمة ونقل علوم الآخر فـي مختلف المجالات فـي الآداب والسياسة والاقتصاد والمعارف الحديثة مثلما هو الحال فـي مشروع كلمة التابع لمركز أبوظبي للغة العربية ويهدف إلى إحياء حركة الترجمة فـي العالم العربي ودعم الحراك الثقافـي وفـي المملكة العربية السعودية هنالك أيضا مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية وفـي دولة الكويت يقوم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدور كبير فـي ترجمة بعض الإصدارات العالمية فـي مختلف المجالات لعل أشهرها سلسلة عالم المعرفة وسلسلة إبداعات عالمية والثقافة العالمية، ولو عرجنا على موضوع نشر المعرفة والثقافة لوجدنا أن معهد العالم العربي فـي باريس هو خير مثال على موضوع التقارب بين الحضارات والثقافات من خلال تعريف الآخرين بالإنتاجات الأدبية العربية ومحاولة ترجمتها ونشرها باللغات الأوروبية الحية وأيضا هنالك بعض معاهد الاستشراق التي تعنى بنقل التراث العربي إلى العالم الآخر مثل كلية الدراسات الشرقية والإفريقية فـي جامعة لندن وغيرها من مراكز الترجمة فـي مختلف بقاع العالم.

مركز وطني للترجمة فـي سلطنة عمان لن يكون مجرد إضافة ثقافـية فحسب، بل سيمثل دعامة استراتيجية للنهوض بالمعرفة فـي مختلف القطاعات. يمكن لهذا المركز أن يكون نافذة مفتوحة أمام القارئ العماني لاستكشاف العالم بلغته الأم، ما يعزز وعيه بالقضايا الدولية، وسيعمل المركز على إثراء المكتبة العمانية بمصادر علمية وأدبية مترجمة تسهم بتعزيز البحث العلمي وتوفر للباحثين قاعدة معرفـية متنوعة من خلال ترجمة الكتب والأبحاث والتقارير العالمية والكتب الرائدة فـي مجالات العلوم المختلفة، وسيكون بإمكان متخذي القرار فـي سلطنة عمان الاطلاع على رؤى جديدة تسهم بتطوير السياسات الوطنية فـي مختلف المجالات.

كما يمكن للمركز أن يكون أداة لتعزيز الحوار الثقافـي من خلال ترجمة الأدب العماني إلى لغات أخرى، ما يساهم بتعريف العالم بتراثنا الثقافـي والحضاري، وفـي الوقت نفسه سيعمل المركز على نقل الفنون والفكر العالمي إلى الداخل العماني، ما يخلق حالة من التبادل الثقافـي المثمر.

إن إنشاء مركز وطني للترجمة فـي عمان سيكون استثمارًا طويل الأمد فـي التعليم والتنمية البشرية وتعزيز الهوية الثقافـية ووسيلة لتفعيل دور سلطنة عمان فـي المشهد الثقافـي العالمي، فالترجمة ليست مجرد أداة لنقل الكلمات بل هي وسيلة لنقل الحضارات وتوسيع الآفاق وهو ما يجعل هذا المشروع استثمارًا استراتيجيًا لا غنى عنه فـي عصر يتسارع فـيه الإبداع والابتكار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق