جدل كبير ومناقشات واسعة وآراء محتدمة أثيرت حول مشروع قانون تنظيم المسئولية الطبية وسلامة المريض، الذى يُعد نقلة نوعية نحو تعزيز المنظومة الصحية، وخطوة جادة لتحقيق التوازن الدقيق بين حقوق الأطباء وضمان سلامة المرضى.
وبعد أيام من الحوارات المستفيضة والجدل البناء، داخل لجنة «الشئون الصحية» بمجلس النواب، توصلت إلى الموافقة النهائية على المشروع، فاتحةً بذلك آفاقًا جديدة لإصلاح القطاع الصحى، وتحقيق العدالة للجميع.
ويرسى القانون قواعد واضحة ومحددة تنظم التعامل مع الأخطاء الطبية، وأهمها التفريق بين «الخطأ الطبى العادى» و«الخطأ الطبى الجسيم»، مع إلغاء الحبس الاحتياطى للأطباء واستبداله بغرامات مالية فى حالات الأخطاء العادية، وفى المقابل، يفرض عقوبات أشد على الأخطاء الجسيمة الناتجة عن الإهمال أو سوء الممارسة من مقدم خدمة غير مؤهل أو تحت تأثير مُسكر.
وينص القانون على توفير حماية قانونية للأطباء، وضمان بيئة عمل آمنة، من خلال عقوبات رادعة لمن يعتدى على المنشآت الطبية أو مقدمى الخدمة، مع اعتماد آليات واضحة للتحقيق فى الأخطاء الطبية عبر لجان متخصصة، بما يضمن الشفافية والعدالة، وغيرها من بنود مهمة فى القانون، تستعرضها «الدستور» فيما يلى.
غرامة 100 ألف جنيه ولا تتجاوز المليون فى حالة الخطأ الطبى.. وتعديل جوهرى لاختصاص وتعريف «اللجنة العليا»
فرّقت لجنة «الشئون الصحية» بمجلس النواب بين حالتين خلال صياغة المادة ٢٧، الحالة الأولى هى الخطأ الطبى الذى يعاقب عليه بالغرامة، والثانية هى الخطأ الطبى الجسيم الذى يعاقب عليه بالحبس.
وضمت اللجنة المواد ٢٧ و٢٨ و٢٩ فى نص واحد وهو المادة ٢٧ وجاءت كالآتى: «يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مليون جنيه، كل من ارتكب خطأً طبيًا سبب ضررًا محققًا لمتلقى الخدمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن خمسمائة ألف جنيه ولا تجاوز مليونى جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة خطأ طبى جسيم».
كما وافقت اللجنة على تعريف الخطأ الطبى والخطأ الطبى الجسيم، وجاء تعريف البند ١٠ «الخطأ الطبى»: «هو كل فعل يرتكبه مقدم الخدمة أو امتناع عن إجراء طبى واجب عليه اتخذه وفقًا لأحكام هذا القانون أو القوانين الأخرى المنظمة لذلك، لا يتفق مع الأصول العلمية الثابتة أو آداب وتقاليد المهن الطبية الصادرة وفقًا لأحكام القوانين المنظمة للنقابات المعنية أو المواثيق الأخلاقية المهنية التى يصدرها المجلس الصحى المصرى، بحسب الأحوال».
كما جاء البند ١١ ليشمل تعريف الخطأ الطبى الجسيم «تعريف مستحدث»، وهو «الخطأ الطبى الذى يبلغ حدًا من الجسامة يكون معه الضرر محققًا والذى ينشأ عن إهمال أو رعونة أو عدم احتراز، وعلى الأخص إذا كان مقدم الخدمة متعاطيًا مسكرًا أو مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الطبى أو نكل وقت الواقعة عن مساعدة من وقع عليه الخطأ الطبى أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك».
كما وافقت اللجنة خلال اجتماعها على تعديل المادة ١٨ لتصبح: «تكون اللجنة العليا هى الخبير الفنى لجهات التحقيق أو المحاكمة فى القضايا المتعلقة بالمسئولية الطبية، سواء من خلال الاستعانة بها أو بالتقارير المعتمدة الصادرة عن اللجان الفرعية للمسئولية الطبية التى تشكلها، أو الاستعانة بأحد أعضاء المهن الطبية من أعضائها أو باللجان المتخصصة التى تشكلها».
كما وافقت اللجنة على تغيير المادة ٣٠ لتصبح المادة ٢٨ وجاء نصها كالآتى: «للمجنى عليه أو وكيله الخاص ولورثته أو وكيلهم الخاص أن يطلب من جهة التحقيق أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال، وفى أى حالة كانت عليها الدعوى، إثبات الصلح مع المتهم فى الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون، وتُأمر جهة التحقيق بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتًا، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة أو على الدعوى المدنية».
وجاء فى نصها أيضًا: «يجوز أن يكون الإقرار بالصلح أمام لجنة التسوية الودية المشكلة وفقًا لأحكام هذا القانون، على أن يتم عرضه على جهة التحقيق أو المحكمة المختصة بحسب الأحوال، لاعتماده، ويترتب على الصلح ذات الآثار الواردة فى الفقرة السابقة».
لا مُساءلة عند حدوث بعض المضاعفات.. وملف طبى لكل مريض يضمن حقه أمام القانون
أعلن الدكتور مكرم رضوان، عضو لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، عن الانتهاء تمامًا من مناقشة مشروع قانون تنظيم المسئولية الطبية وسلامة المريض داخل لجنة الصحة، موضحًا أن الجميع مستفيد من هذا القانون، سواء المريض أو الأطقم الطبية، بالإضافة إلى المنظومة الصحية.
وأضاف «رضوان» أن من مميزات القانون ضمان وجود ملف طبى لكل مريض، يحتوى على جميع المعلومات المتعلقة بحالته، تحت إشراف طاقم طبى مؤهل لعلاجه، ما يضمن حقه فى إطار القانون.
وفيما يخص الأطقم الطبية، أشار إلى أنه فى حالة التعدى على مقدم الخدمة، ستكون هناك عقوبات رادعة تشمل الحبس أو الغرامة، كما أن أى متعدٍّ على منشأة طبية سيُعاقب بالسجن أو الغرامة وإصلاح ما تم إتلافه، ما يسهم فى توفير بيئة عمل آمنة، بجانب العمل فى إطار قانونى يحدد للجميع حقوقهم وواجباتهم.
وأكد إلغاء الحبس الاحتياطى، مشيرًا إلى أن بعض المضاعفات قد تحدث دون مساءلة، أما فى حالة وقوع خطأ طبى أدى إلى ضرر، فسيكون العقاب غرامة فقط، بينما الخطأ الطبى الجسيم، الناتج عن سوء ممارسة من مقدم خدمة غير مؤهل، أو فى مكان غير مؤهل، أو تحت تأثير مسكر، فستكون عقوبته السجن أو الغرامة.
ولفت إلى أن المنظومة الصحية ستتمتع بعدة امتيازات وفقًا للقانون، منها اعتماد المنشآت الطبية، تعزيز الحوكمة، وإعادة الترخيص، مختتمًا حديثه بتقديم الشكر للقيادة السياسية، ولمجلس النواب، ولكل من شارك فى مناقشة وإقرار هذا القانون وإخراجه إلى النور.
وأشاد الدكتور محمد العمارى، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، بمشروع قانون المسئولية الطبية، الذى وافقت عليه اللجنة خلال اجتماعها، بحضور ممثلى الجهات المعنية، معتبرًا أنه يُعد إنجازًا يُحسب للجنة الصحة.
وقال «العمارى»: «قبل أن أكون نائبًا فإن مهنتى هى الطب، لذا أؤكد أهمية هذا القانون للأطباء والمرضى، لأن مشروع قانون المسئولية الطبية جاء لصالحهم، وبما لا يخالف الدستور والقانون».
كما أشاد بموقف رئيس لجنة الصحة وأعضائها، لموقفهم الواضح فى تبنى المطالب المشروعة للأطباء، وإدخال العديد من التعديلات على مشروع القانون تلبية لهذه المطالب، مشيرًا إلى أن اللجنة نجحت فى إصدار مشروع قانون يحفظ التوازن بين مصلحة الأطباء وسلامة المرضى.
وفيما يتعلق بمادة الحبس، شدد وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب على أن المادة الخاصة بالحبس تتعلق بحالات الإهمال الطبى الجسيم، وهو أمر طبيعى ومتعارف عليه، كما أنه محل اتفاق بين الجميع.
«النواب»: الاستجابة لـ95% من طلبات نقابة الأطباء
أكدت النائبة إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، أن اللجنة استجابت لقرابة ٩٥٪ من مطالب نقابة الأطباء بشأن مشروع قانون المسئولية الطبية وسلامة المريض، مشددة على أن «النواب» يسعى جاهدًا لإقرار قانون عادل، يحمى حقوق المرضى والأطباء على حد سواء.
وأوضحت أن التوافق بين لجنة الصحة ومطالب نقابة الأطباء شمل التفرقة بين الأخطاء الطبية الجسيمة والعادية، وتدرج العقوبات، وإلغاء الحبس الاحتياطى، لافتة إلى أن نقيب الأطباء وجه الشكر لمجلس النواب على تجاوبه مع المطالب التى قدمتها النقابة بهذا الشأن خلال الفترة الماضية.
وقالت النائبة جومانة عمارة، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن قانون المسئولية الطبية تضمن مميزات ومكتسبات متنوعة يسعد بها أطباء مصر، وجميع أعضاء النقابات المعنية.
وأضافت: «تضافرت كل الجهود لتلبية ١٠٠٪ من المقترحات المقدمة من نقابة الأطباء، ليخرج القانون فى أبهى وأدق صوره، بعد صياغته، ولجنة الصحة أدخلت تعديلات جوهرية على مشروع القانون، أهمها تغليظ عقوبة التعدى على الأطباء وكل مقدمى الخدمة الصحية، لتصل إلى الحبس والغرامة، مع توفير صندوق تأمين على الأخطاء الطبية، يسهم فى دفع التعويضات».
وأشارت إلى أن اللجنة وضعت تعريفات صريحة وواضحة للمضاعفات الطبية المتعارف عليها، التى لا يقع عليها أى عقوبة على الطبيب، مع وضع تعريف للخطأ الطبى، على أن تكون عقوبته هى التعويض المادى فقط، دون وجود حبس أو حبس احتياطى، بالإضافة إلى تعريف الخطأ الطبى الجسيم، واعتباره هو الذى يستوجب العقوبة بالحبس فقط دون غيره، مع إلغاء مواد الحبس ومواد العقوبات، وهى المواد رقم ٢٧ و٢٨ و٢٩ من مشروع القانون.
وتابعت: «وفقًا للتعديلات، تكون اللجنة العليا للمسئولية الطبية هى الخبير الفنى لجهات التقاضى والتحقيق، والمسئولة عن إصدار التقرير الفنى فى الأخطاء المهنية، دون غيرها».
تغليظ عقوبة التعدى على الأطقم الطبية لتوفير بيئة عمل أفضل
ثمنت النائبة رحاب موسى، عضو مجلس النواب، موافقة لجنة الصحة بالمجلس على التعديلات الخاصة بمشروع قانون المسئولية الطبية، والتى تضمنت حذف مادة الحبس الاحتياطى للأطباء، واستبدالها بفرض غرامات مالية فى حالات الخطأ الطبى.
ورأت أن التعديلات تمثل خطوة مهمة نحو تحسين بيئة العمل للأطباء، مع ضمان حقوق المرضى فى تلقى الرعاية الصحية، مؤكدة أن قانون المسئولية الطبية يشكل أحد الأسس الضرورية لضمان تقديم خدمات صحية بجودة عالية.
وقالت عضو مجلس النواب: «يسعى مشروع القانون إلى تحقيق التوازن بين محاسبة الأطباء على الأخطاء التى قد تحدث خلال ممارستهم مهامهم الطبية، وتوفير الحماية القانونية لهم من الإجراءات التى قد تؤثر سلبًا على عملهم، عبر تغليظ عقوبة التعدى على الأطقم الطبية».
وأضافت أن إلغاء مواد الحبس الاحتياطى واستبداله بالغرامات المالية يعزز من ثقة الأطباء أثناء ممارسة مهنتهم، ويحد من المخاوف التى قد تنشأ لديهم نتيجة القوانين السابقة، معتبرة أن هذا التعديل يعكس التزام الدولة بتحقيق العدالة فى التعامل مع الأطباء من جهة، وضمان تقديم الرعاية الصحية بجودة عالية للمرضى من جهة أخرى.
وشددت على أن تطوير التشريعات المتعلقة بالمسئولية الطبية هو جزء من رؤية مصر ٢٠٣٠، التى تهدف إلى تعزيز المنظومة الصحية وضمان حقوق العاملين فيها، فى إطار دعم الدولة لقطاع الصحة، والارتقاء بمستوى الخدمات الطبية بما يتماشى مع المعايير العالمية.
ورأى النائب زكى عباس، عضو مجلس النواب، أن موافقة لجنة الصحة بالمجلس على التعديلات الخاصة بقانون المسئولية الطبية، خاصةً قرار حذف مادة الحبس الاحتياطى للأطباء واستبدالها بتطبيق الغرامات المالية فى حالات الخطأ الطبى، تمثل إنجازًا كبيرًا فى تطوير التشريعات المتعلقة بالرعاية الصحية، وتهدف إلى خلق بيئة أكثر أمانًا وعدلًا لكل من الأطباء والمرضى.
وأوضح أن قانون المسئولية الطبية يلعب دورًا حيويًا فى تحسين جودة الخدمات الصحية فى مصر، ويسهم فى حماية الأطباء من الإجراءات القضائية التى قد تؤثر سلبًا على أدائهم المهنى، مع ضمان محاسبة المسئولين عن الأخطاء الطبية بشكل عادل ومنصف.
وقال: «من خلال استبدال الحبس الاحتياطى بالغرامات المالية نعمل على تعزيز الاستقرار المهنى للأطباء، وتشجيعهم على أداء عملهم بثقة دون الخوف من تداعيات قانونية غير مبررة».
وأكد أهمية مراعاة التوازن بين حقوق المرضى فى الحصول على الرعاية الطبية السليمة، وحقوق الأطباء فى ممارسة مهنتهم، ضمن إطار قانونى يضمن العدالة، موضحًا أن قانون المسئولية الطبية يعكس التزام الدولة بتطوير منظومة الصحة، ويؤكد دور البرلمان فى الاستجابة للتحديات والاحتياجات التى تواجه المجتمع الطبى.
وتابع: «هذه الخطوة تأتى فى إطار حرص الدولة على تحقيق العدالة وتوفير بيئة عمل مناسبة تسهم فى تحسين مستوى الخدمات الصحية فى مصر، بما يتماشى مع رؤية مصر ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة».
0 تعليق