منذ تسلم الرئيس السوري الأسبق الراحل حافظ الأسد السلطة عام ١٩٧٠ ونهاية نظام نجله الرئيس السوري السابق بشار الأسد فـي الثامن من ديسمبر الحالي تكون مرحلة مثيرة ودراماتيكية من تاريخ سوريا الحديث قد طويت إلي غير رجعة.
كانت سوريا أحد أعمدة النظام العربي الرسمي لعقود خاصة مع مصر والعراق، وكان هناك توازن سياسي إلى حد ما على صعيد العلاقات العربية ـ العربية رغم مرور هذه الأخيرة بالشد والجذب وكانت القضية الفلسطينية هي محور الصراع الأهم مع الكيان الصهيوني.
هناك فـي علم السياسة ما يعرف بمعركة الزمن والمتغيرات داخليا وخارجيا والحكمة فـي تصوري تقتضي البحث عن حلول وليس عن صدام، خاصة وأن المخططات الاستعمارية والصهيونية من خلال المشروع الصهيوني العالمي، الذي نتحدث عنه دوما، هو جزء من مستجدات الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها سوريا وانتهت بسقوط نظام بشار الأسد.
فـي تصوري أن بشار الأسد ليس هو المستهدف فـي مجمل التحليل السياسي ولكن سوريا الوطن والمقدرات هي الهدف الاستراتيجي لتنفـيذ جزء من المخطط الأكبر الذي بدأت خيوطه فـي الانكشاف. النظام السوري السابق مسؤول عن جملة من الأخطاء الفادحة منذ عام ٢٠١١ وكان يمكن خلال السنوات التالية أن يدخل فـي مشروع المصالحة الوطنية التي تحفظ للوطن السوري مقدراته، ولكن للأسف هناك فـي الزمن لحظات تختفـي فـيها الحكمة ويتواصل الإصرار على قراءات محددة من خلال الدعم الدولي والإقليمي. ويبدو أن ما حدث فـي سوريا هو التوصل إلى قسمة المصالح بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية مع دخول عدد من القوى الإقليمية كتركيا من خلال مسار جديد لسوريا الجديدة. روسيا الاتحادية لديها حرب قاسية مع أوكرانيا ومن مصلحتها إنهاء تلك الحرب مع قرب وصول الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب الذي يتحدث خلال حملته الانتخابية وما بعدها حول ضرورة إنهاء الحروب والصراعات فـي منطقة الشرق الأوسط والعالم، والتفرغ لعالم المصالح الاقتصادية. تركيا ترى ملايين اللاجئين السوريين فـي تركيا مشكلة اقتصادية وسكانية وضغطا على الخدمات وفرص العمل وتريد إرجاع ملايين السوريين إلي أرضهم علاوة على إنهاء تمرد قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن، وحتى إيران وبعد المواجهات العسكرية مع الكيان الصهيوني وتعرض مقدراتها فـي سوريا إلى القصف الجوي من الكيان، علاوة على الضربات القوية التي وجهت إلى قيادات حزب الله رأت أن الوضع فـي سوريا أصبح صعبا ومعقدا. ومن هنا فإن الاجتماعات الوزارية الأخيرة لعدد من دول الإقليم علاوة على الاجتماع السري فـي أحد دول الإقليم حسم مصير النظام السوري بشكل قاطع. انتهت حقبة أسرة الأسد، والتي حكمت سوريا لمدة ٥٤ عاما والتاريخ كما يقال سوف يكتب ما لك وما عليك، ومن المهم الآن هو السير فـي العملية السياسية التوافقية بين الفرقاء، وأن تكون هناك مصالحة سورية وطنية تنهي آلام الماضي وتفتح صفحة جديدة من خلال إعادة إعمار المدن السورية التي دمرتها الحرب الأهلية على مدى سنوات. كما أن سوريا بحاجة إلى دستور وطني يتم من خلاله التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات التشريعية وأيضا انتخاب الرئيس من خلال مدد زمنية محددة. إن الزلزال السياسي الذي حدث فـي سوريا يوم الثامن من ديسمبر يعطي دروسا كبيرة فـي عدم الاعتماد على الحلفاء والدعم لأن المصالح والتوازنات والمقاربات الاستراتيجية تتغير تبعا للتطورات على الصعيد الإقليمي والدولي ومن هنا فإن تبعات ما حدث فـي سوريا قد تتبعه أحداث أخرى فـي الإقليم، حيث إن الموضوع السوري فـي تصوري لا يزال فـي البداية، ومن الصعب التكهن بما سوف يجري من أحداث فـي ظل ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات فـي الجولان السوري المحتل واختراق الحاجز الذي يربط خط وقف إطلاق النار عام ١٩٧٤ بالقرب من محافظة القنيطرة.
اذكر أنني كنت فـي مهمة صحفـية عام ١٩٩٢ إلى سوريا وكانت هناك زيارة إلى محافظة القنيطرة وبعض المدن على مشارف الجولان، ومنها قرية مجدل شمس السورية حيث إطلالة جبل الشيخ، واذكر الخط الفاصل بين الجانب السوري والجانب الإسرائيلي، ويمكن رؤية الدوريات الإسرائيلية وهي تجوب المنطقة على بعد أمتار من وقوفنا على مشارف الجولان، وخلال حرب أكتوبر ١٩٧٣ كانت القوات الإسرائيلية على بعد ٥٠ كيلومترا من دمشق، ولكن القوات المسلحة العراقية لعبت دورا كبيرا فـي وقف الزحف الإسرائيلي ولا تزال آثار معركة الدبابات والرصاص على مباني القنيطرة واضحة، والهدف من هذه الإشارة أن الكيان الصهيوني يستغل الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا والمنطقة ويواصل قضم الأراضي السورية ويدمر المنظومة العسكرية لأنه يريد سوريا منزوعة السلاح تدخل فـي إطار التطبيع والذي سوف يكون احد خطوات ترامب الأساسية.
إن القضية الأساسية فـي تصوري ليس نظام بشار الأسد وإنما هو مخطط سوف تتضح ملامحه فـي المستقبل القريب ومن المهم على الحكم الجديد فـي سوريا أن يكون الوطن ومقدراته والحفاظ على أراضيه هو المهمة الوطنية الأسمى.
إن المنطقة العربية تدخل فـي متغيرات صعبة حيث يريد الكيان الصهيوني أن ينفذ مخططه فـي الشرق الأوسط، كما أشار إلي ذلك نتنياهو وحكومته المتطرفة، ومن هنا فإن أمام العرب مشهدا مخيفا وعليهم التحرك لأن السيناريو فـي تصوري يتعدى سوريا فـي إطار المشروع الصهيوني العالمي الأكبر. كما أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان أظهر نفاق الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من خلال الدعم العسكري والاقتصادي والاستخباراتي لإسقاط المقاومة الفلسطينية واللبنانية وأي تحرك يقف ضد المشروع الصهيوني العالمي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الكيان الصهيوني الذي يعد هو الأداة التي تنفذ المخطط الاستراتيجي الأكبر. وعلى ضوء ذلك فإن المسار السياسي لا يزال غير واضح وقد نشهد متغيرات لم تكن محسوبة فـي إطار الصراع الأكبر خاصة بعد العشرين من يناير حيث وصول ترامب إلى السلطة فـي البيت الأبيض. السؤال الكبير ماذا سوف تفعل الدول العربية وهل هناك شعور بضرورة التحرك حتى فـي الإطار الأدنى؟ أم أن الأمور حسمت وليس هناك إمكانية لتغيير الواقع؟.
0 تعليق