بين الألم والذكريات.. تأملات في "انكسارات على حبات المسبحة"

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- صدرت عن دار اليازوري للنشر والتوزيع، بدعم من وزارة الثقافة، مجموعة قصصية بعنوان "انكسارات على حبات المسبحة" للقاصة ناريمان أبو إسماعيل.
تتضمن المجموعة القصصية نصوصا سردية عدة، منها: "إنها السادسة، جرس، ما زال يعنيه المطر، الإشارة الضوئية الخضراء، حلم، صنم، جميعهن سلمى، انكسارات، على حبات المسبحة، غرق، صورة لم تكتمل، الحجلة، لقاء، عمارة الأحلام، الفستان الأحمر، عمارة، النقطة، ولا حرف، حادث مروري، خذلان، موت، قرار، تمرد، رقص، الكاتب الكبير، باختصار".اضافة اعلان
قدم الناقد الدكتور سليمان الأزرعي، من خلال مقدمته للمجموعة، قراءة توضيحية تبين أن كل قصة من هذه المجموعة تنتمي إلى نموذج مختلف. كما يعتبر الأزرعي أن هذه المجموعة تعد مكتملة الأركان من الناحية الفنية وبناء المضمون؛ حيث أشار إلى أنه من النادر أن تقع بين يديه مجموعة قصصية أو رواية مخطوطة تثيره للمتابعة أو تدفعه لكتابة مقدمة لها من دون أن يشعر بثقل المهمة، خاصة في مثل هذه السن. لكنه يوضح أن هذه المجموعة تختلف عن غيرها، حيث وجد نفسه مدفوعاً إلى قراءتها بالكامل. وبعد أن أتم مطالعتها، شعر بحماس كبير لتقديمها لما تحمله من أسلوب فني واعد، مشيراً إلى أنه سيحاول الكشف عنه نقدياً في هذا التقديم المتواضع.
كما ينوه الأزرعي إلى أن قصة "إنها السادسة" تلخص حالة استحواذ الرجل على المرأة، وتعاملها كموضوع متمم لرجولته. وتعتبر القصة ناجحة على جميع المستويات، سواء من حيث التصوير أو ترجمة هواجس المرأة. كما تبرز هواجس المرأة، في مقابل غياب الفعل من الرجل الذي يعد بطلاً غائباً في القصة. هي مخاوف المرأة القائمة على الافتراض، ويؤكد الأزرعي أن كل أشكال التعبير في هذه القصة كانت ناجحة.
ويشير الأزرعي إلى أن القصة تأتي خالية من الاستعارات التي اعتدناها في كتابات القاصة، حيث كانت تدخل في قصصها عادة أغاني فيروز أو مارسيل خليفة أو شعر محمود درويش. ورغم أن القصة هنا مفتوحة على كل ما ذكر، فإنها تعد متحررة تماما، إلا من معركة المرأة التي تظهر وكأنها منهكة حتى النهاية. وهنا يسجل الأزرعي انتصارا فنيا للقاصة التي تدير قصة متخففة من أي شكل من أشكال الاستعارات التي ترفع عادة من درجة حرارة القصة، والتي تحتاج عادة إلى ركائز مساندة. لكن القصة هنا تستند إلى نفسها وإلى روافعها الخاصة فنيا.
ثم يتوقف الأزرعي عند قصة "الإشارة الضوئية"، حيث يشير إلى أننا أمام نموذج من قصص الفكرة، لكنها قصة مكتملة تقترب من الأقصوصة، أي تلك التي يطلق عليها "القصة القصيرة جدا". ويضيف أن هذه القصة تشعرنا بأن القاصة تتجه فنياً نحو هذا النوع من الكتابات. كما يتوقع أن نرى مثل هذه التحولات في قصص قادمة ضمن هذه المجموعة، وربما في كتابات أخرى خارجها. أما قصة "حلم"، فيرى الأزرعي أنها تثبت مجددا أن القصة موجودة في كل مكان وزمان، في كل لحظة تحيط بالإنسان. والمهم في ذلك هو جاهزية القاص لاكتشاف موضوعه وإدارته داخل العمل القصصي.
يرى الأزرعي أن قصة "صنم" تعد نموذجا ثانيا يؤكد من جديد ما توقعته مبكرا من القاصة التي تتجه نحو كتابة القصة القصيرة جدا، كما يسمى. ويؤكد الأزرعي أن هذا يتضح بجلاء من خلال اقتدار القاصة في كتابة هذا النوع. أما قصة "جميعهن سلمى"، فهي أيضا قصة جميلة وتأكيد آخر على ما لاحظه الناقد من أن القاصة تتجه نحو شكل جديد من أشكال التعبير الإبداعي القصصي، مما يعزز النبوءة النقدية التي لاحظناها.
ثم يتحدث الأزرعي عن قصة "الحجلة"، مشيرا إلى أنها مثال آخر على الاستفادة من مخزون الطفولة لتحميلها الفكرة الكبرى عبر لمسة طفيفة، تنتج من خلالها القصة الكبيرة المنتظرة. كما أن القصة تعكس الطاقة الرافضة لدى الكاتبة لأي شكل من أشكال التأطير والقيود التي تكبح حرية الإنسان وتوقه للتجاوز، حتى وإن كان ذلك على صعيد لعبة الأطفال التي قد تبدو حدثا تافها ولا تصلح لبناء قصة كبيرة.
وخلص الأزرعي إلى أن هذه المجموعة القصصية هي مجموعة إبداعية مبشرة، تؤكد أننا أمام قاصة تقول لنا: "انتظروا القادم".
أما القصة التي تحمل عنوان المجموعة "انكسارات على حبات المسبحة"، فهي مليئة بالكثير من المشاعر الإنسانية، حيث تصور لحظة انكسار والدها من خلال موت ابنه وموت حلم بالعودة إلى الوطن. تقول القاصة: "كنت أجلس قبالته... أتأمل جلسته على الأريكة بعباءته السوداء، كملك مهزوم.. أحدق في عينيه الشاردتين اللتين لا تنتبهان لوجودي.. أقرأ الكثير مما خطّ الزمن على ملامح وجهه المتعبة... أنتبه للمسبحة ذات المائة حبة في يده اليمنى... أتأمل تسبيحه... تارة يحرك حبات المسبحة وراء بعضها بسرعة، وتارة ببطء، وتارة يشرد، ويتوقف عن التسبيح لفترة طويلة.. أحببتها كثيرا لفرط حب والدي لها.. أذكر أن أبي كان خارج البلاد عندما مرضت، وكانت طيلة الوقت تهذي باسمه... وعندما عاد، نظرت إليه، وقالت: أخيرا رجعت يا بني، وشفتك وابتسمت... وفارقت الحياة وكأن روحها كانت معلقة به".
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق