في لحظات تختزل دموع الفرح والانتماء، نبارك لجلالة الملك المعظم وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء فوز المنتخب البحريني بكأس "خليجي 26"، في إنجاز رياضي أضاء سماء البحرين وأدخل البهجة في كل بيت بحريني، وللمرة الثانية بعد أن كدنا نفقد الأمل في الحصول على لقب "خليجي" ها نحن نرى أبطالنا يعيدون لنا هذه الفرحة، ولم يكن هذا الانتصار مجرّد لقب يُضاف إلى السجلّ الرياضي، بل كان انعكاساً لروح قتالية عالية، وتركيز كبير والتزام أظهره اللاعبون من اليوم الأول وحتى الثواني الأخيرة من البطولة، وهذا الظهور الاستثنائي للمنتخب كان نتيجة قيادة حكيمة ودعم متواصل من قِبل رأس الهرم الرياضي وبإشراف مباشر من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة وسمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة. إن هذا الإنجاز يُجسّد رؤية تتجاوز حدود المستطيل الأخضر، لتؤكد أن الرياضة البحرينية لا تخطّط فقط على المدى القصير، بل هي مشروع وطني يُترجم قيم العمل الجماعي، ويؤكد أن النجاح يولد بالتخطيط والإرادة وحُسن التنفيذ.
لقد كانت أيام بطولة "خليجي 26" مليئة بالطاقة والحماس، حيث أعادت لنا ذكريات البطولات القديمة التي كان يتابعها كل أهالي الخليج بشغف؛ وعلى مدى السنوات الأخيرة، شهدت البطولة تراجعاً في الاهتمام من قبل الجماهير، لكن مع استضافة العراق لـ"خليجي 25" التي كانت أول بطولة تُقام في العراق منذ عام 1979 وتتميّز بخصوصيتها الفريدة، استطاعت البطولة أن تستعيد رونقها وتنافسيتها بشكل ملحوظ، وجاءت الآن هذه النسخة من عروس الخليج الكويت، صاحبة الكعب العالي في البطولة، لتقدّم أجواء تنافسية رائعة داخل الملعب وخارجه.
ولعلّ هذه هي النقطة الرئيسة التي أودّ التطرّق لها اليوم، فلو عدنا بالزمن قليلاً إلى الدوحة وأجواء كأس العالم، كان هناك العديد من ساحات التجمّع للجماهير "Fan Zone" ولكن كان التجمّع الرئيس لروابط المنتخبات في سوق واقف، حيث تجتمع الحشود الجماهيرية، وترتفع الصياحات والهتافات والشيلات، وكل منتخب يردّ على الآخر، وهذا جزء أساسي من كرة القدم، حيث إن هذه التجمّعات ترفع من مستوى البطولة وجماهيريتها.
والآن ما نراه في الكويت والتجمّع الخليجي الأكثر من رائع في سوق المباركية يذكّرني تحديداً بسوق واقف والدوحة، فالجماهير الخليجية تتسابق للذهاب إلى سوق المباركية وعيش التجربة الجماهيرية مع منتخبات الخليج الأخرى، فنرى الكثير من اللقطات العفوية واللحظات الأخوية التي تبيّن أن الرياضة تجمعنا ولا تفرّقنا، والرياضة هي سياحة بالعديد من الأشكال، فتنظيم الكويت لبطولة "خليجي 26" ليس مجرّد حدث رياضي، بل كان دفعة قوية لمحرّكات الاقتصاد الكويتي، فلقد ذكرتْ الصحف الكويتية أن نِسب إشغال الفنادق ارتفعت في جميع فنادق الكويت بمختلف فئاتها لتصبح جميعها ممتلئةً، حيث قفزت نسبة إشغال الفنادق في الأيام الأخيرة من 2024 بنحو 60% مقارنةً بـ40% في نفس الفترة من عام 2023، وبلغت نسبة إشغال الكثير من الفنادق المشهورة 100%.
لم يقتصر الرّواج الاقتصادي على الفنادق فقط، بل شمل أيضاً قطاع المطاعم، خاصة في مدينة الكويت والأسواق القديمة مثل سوق المباركية، حيث شهدت الإشغالات زيادة كبيرة تعكس تفاعل الجماهير مع البطولة، وفيما يتعلّق بحركة الطيران والسفر البري، فقد سجّل هذا القطاع تصاعداً ملحوظاً مع دخول عدد كبير من المشجعين الخليجيين منذ انطلاق البطولة، مما يعكس الأثر الإيجابي للسياحة الرياضية على الاقتصاد المحليّ.
ولكن تبادر إلى ذهني سؤال أثناء متابعتي لأجواء "خليجي 26" في الكويت، حيث لاحظت وجود عدد كبير من "الرَبع" يتجهون إلى "المباركية" باعتبارها الساحة الجماهيرية الرئيسة، حتى إن أحدهم أخبرني بأنه إذا فقدتَ أحدهم في البحرين، فسيجده في "المباركية"، الشاهد أن "المباركية" هي القلب النابض لتجمّع الجماهير في الكويت، تماماً مثل سوق واقف في الدوحة خلال كأس العالم، ولكن إذا أُقيمت البطولة في البحرين، فأين ستكون هذه الساحة المميزة؟ فسوق المنامة لا يتّسع لتجمّعات جماهيرية كبيرة، ولا سوق المحرق يوفّر البنية التحتية اللازمة، وكلاهما بعيد عن الملعب الرئيس للبحرين، ونحن هنا نتحدث عن بطولة خليجية كبرى، فمن الضروري أن نأخذ في الحُسبان إنشاء مرافق مماثلة تدعم نجاح البطولات وتشعل حماس الجماهير، فبدون مثل هذه الأماكن المخصّصة للتجمّع والاحتفال، قد تفقد البطولة جزءاً من روحها وجاذبيتها، مما يؤثر على تجربة الجماهير ويقلّل من تأثيرها على الاقتصاد المحليّ.
0 تعليق