جيريمي كونينديك* - (فورين أفيرز) 2/12/2024
في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، بعث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية. وفيها، أعرب المسؤولان عن قلقهما العميق إزاء العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة في سياق العمليات العسكرية الإسرائيلية. وأشارت الرسالة صراحة إلى أن القانون الأميركي يتطلب من الولايات المتحدة تعليق مبيعات الأسلحة والتعاون الأمني مع الحكومات التي تعيق إيصال المساعدات الأميركية إلى وجهاتها. كما منحت الرسالة إسرائيل مهلة 30 يوماً لاتخاذ "إجراءات عاجلة ومستدامة لوقف" الأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة، وحددت مجموعة من التدابير الملموسة التي يُتوقع أن تتخذها إسرائيل، بما فيها زيادة عدد الشاحنات التي يمكن أن تدخل غزة بشكل كبير؛ وإلغاء أوامر الإخلاء التي أدت إلى نزوح ملايين الغزيين، ووقف التشريعات الوشيكة التي تمنع الجهود التي تبذلها "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى"، (الأونروا)، لمساعدة المدنيين الفلسطينيين.اضافة اعلان
وقد فشلت إسرائيل في الاستجابة بشكل مناسب وكافٍ لأي من هذه الشروط بحلول الموعد النهائي الذي حددته الرسالة. وعندما أجرت منظمة اللاجئين الدولية وسبع منظمات إغاثة بارزة أخرى تحليلاً مفصلاً لتسعة عشر إجراء منفصلاً طلبت الحكومة الأميركية من إسرائيل اتخاذها، وجدنا أن إسرائيل لم تقم بأي إجراء ذي مغزى بشأن خمسة عشر منها، ولم تعالج الإجراءات الأربعة المتبقية سوى بشكل جزئي. ومع ذلك، رفضت إدارة الرئيس جو بايدن فرض أي عواقب على إسرائيل بسبب هذا الفشل، بحجة أن أنصاف التدابير والوعود الغامضة كانت استجابة كافية.
ربما يكون هذا هو المثال الأكثر وضوحاً على فشل إدارة بايدن المروع في محاسبة إسرائيل على الاستخفاف بالتزاماتها الإنسانية في حربها على غزة. لكنه ليس الوحيد. منذ الأيام الأولى للحرب، دعا بايدن وكبار مستشاريه إسرائيل، مراراً وتكراراً، إلى حماية جهود الإغاثة الإنسانية -ثم وقفوا مكتوفي الأيدي بينما تقوم حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهجير جميع سكان غزة تقريباً، ودفْع العديد من الفلسطينيين إلى المجاعة، ومنع منظمات الإغاثة من الوصول إلى القطاع، وقتل الأفراد العاملين في المجال الإنساني.
والنتائج في غزة تتحدث عن نفسها: اليوم، يحتاج ما يقدر بنحو 50.000 طفل إلى العلاج من سوء التغذية؛ ولا تعمل سوى 4 فقط من أصل 19 مخبزاً يدعمها "برنامج الأغذية العالمي"؛ وتعمل 17 فقط من أصل 36 مستشفى كانت عاملة في غزة قبل الحرب، وبشكل جزئي. وتقدر الـ"يونيسف" أن 95 في المائة من مدارس غزة تضررت أو دُمرت، وأن أكثر من 1.9 مليون شخص -90 بالمائة من سكان غزة- ما يزالون نازحين قسراً.
صفقة فاوستية
لم تكن العقبات التي وضعتها إسرائيل على إيصال المساعدات ولا المطالب الواردة في الرسالة التي أرسلها بلينكن وأوستن جديدة حقاً. منذ أكثر من عام، مارست إسرائيل سيطرة شبه مطلقة على الأوضاع الإنسانية في غزة، وهي تتحكم في شحنات المساعدات الواردة وتحركات منظمات الإغاثة. وكان جيش الدفاع الإسرائيلي منذ أمد طويل أكبر تهديد لسلامة عمال الإغاثة هناك. وقد قتل في غزة منذ بداية الحرب عدد من العاملين في المجال الإنساني أكثر مما قُتل منهم في بقية أنحاء العالم مجتمعة. وأعربت سلسلة من التصريحات التي أدلى بها كبار المسؤولين الأميركيين خلال العام الماضي عن قلق عميق من أن الحكومة الإسرائيلية ترفض اتخاذ خطوات في حدود سلطتها للتخفيف من سوء الظروف التي تزداد كارثية في غزة.
قبل وقت لا يقل عن شباط (فبراير) 2024، شجبت سامانثا باور، مديرة "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، علناً أعناق الزجاجات التي خلقتها الحكومة الإسرائيلية لوقف تدفق المساعدات، وطالبت بأن عمال الإغاثة "يجب أن يعرفوا أن بإمكانهم القيام بعملهم من دون إطلاق النار عليهم وقتلهم". وفي 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، لمجلس الأمن "إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية"، بما في ذلك إغلاق المعابر الحدودية والقيود البيروقراطية الجديدة على تسليم المساعدات، "تزيد من حدة المعاناة في غزة". وجادل ديفيد ساترفيلد، الذي شغل منصب مبعوث بايدن الإنساني الخاص بغزة من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وحتى نيسان (أبريل) 2024، على الملأ بعد مغادرته المنصب، بأن إسرائيل لديها الوسائل الكافية لتخفيف معاناة المدنيين في غزة، لكن "الإرادة" لفعل ذلك "لم تكن موجودة أبدًا". وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، ذكرت منظمة "بروبوبليكا" الصحفية أن كلا من "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" و"مكتب اللاجئين" التابع لوزارة الخارجية الأميركية أبلغا بلينكن صراحة بأن إسرائيل تعرقل عمداً وصول المساعدات الإنسانية الأميركية.
شكلت الرسالة التي أرسلها بلينكن وأوستن اعترافاً رسمياً، وإن كان ضمنياً، بمسؤولية إسرائيل المباشرة عن الظروف غير المعقولة التي تسود في غزة. ولكن، يبدو أن نتنياهو افترض -محقاً- أنها لن تكون هناك أي عواقب إذا لم تكلف إسرائيل نفسها عناء الامتثال لمطالب الرسالة. وفي الواقع، منذ أن أرسل بلينكن وأوستن رسالتهما، تفاقمت الأزمة الإنسانية في القطاع فحسب. وفي الآونة الأخيرة، أصدر كل من "برنامج الأغذية العالمي" التابع للأمم المتحدة و"لجنة مراجعة المجاعة" التابعة لـ"التصنيف المتكامل لمرحلة الأمن الغذائي"، وهي الهيئة العالمية التي تصدر توقعات المجاعة، تحذيرات متجددة من أن العمليات الإسرائيلية تدفع شمال غزة حثيثاً نحو مجاعة وشيكة.
في الحقيقة، يتجذر فشل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة لتحسين الظروف الإنسانية في غزة في عيبين أساسيين: أولاً، الخلط بين الدبلوماسية الإنسانية ودبلوماسية وقف إطلاق النار، حتى مع تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار؛ و، ثانياً، غياب الإرادة السياسية على أعلى مستويات الإدارة لمحاسبة إسرائيل على عدم الوفاء بالتزاماتها الإنسانية بموجب القانونين الأميركي والدولي.
كان الخلل الأول مندمجاً في لبّ استراتيجية الولايات المتحدة في وقت مبكر جداً من الحرب. وفي تصريحات أدلى بها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، أعرب كبير مستشاري بايدن، بريت ماكغورك، عن وجهة نظر الولايات المتحدة القائمة على أن تأمين وقف إطلاق النار هو الشيء الرئيسي الذي يمكن للحكومة الأميركية القيام به لتحسين الظروف الإنسانية في غزة -في الواقع، التعويل على أن الوعد بتحسن الظروف قد يدفع "حماس" إلى تقديم تنازلات. وأضاف ماكغورك "أن إطلاق سراح عدد كبير من الرهائن سيؤدي إلى توقف كبير للقتال... وزيادة هائلة في الإغاثة الإنسانية". وقد أثار هذا التصريح ضجة من منظمات الإغاثة وعلماء القانون، الذين أشاروا إلى أن اشتراط وصول المساعدات الإنسانية بهذه الطريقة ينتهك بشكل صارخ قوانين الحرب. وسعى البيت الأبيض إلى التراجع جزئياً عن هذه التعليقات، موضحاً في محادثات خاصة مع ممثلي منظمات الإغاثة أن الإدارة كانت تقر ببساطة بدينامية قائمة بالفعل: استخدام كلا طرفي الصراع مسألة الإغاثة الإنسانية كورقة مساومة في مفاوضات أوسع نطاقاً.
لكن الحقيقة هي أن إدارة بايدن تبنت قاعدة "المساعدات مقابل الرهائن" هذه نفسها في جهودها التفاوضية. وقد جادل مسؤولو الإدارة في المناقشات العامة والخاصة مع مجموعات الإغاثة بأن أفضل طريقة لزيادة تدفقات المساعدات هي تأمين وقف إطلاق النار -وبذلك عملت جهودهم بشأن وقف إطلاق النار فعلياً كعنصر رئيسي في دبلوماسيتهم الإنسانية. من المؤكد أن وقفاً مطولاً لإطلاق النار كان ليمكِّن من توسع كبير في جهود المساعدات الإنسانية. لكن التأثير الحقيقي للرهان المفرط على هذا الاحتمال كان عاماً كاملاً ضائعاً أجّلت فيه الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لتخفيف معاناة غزة طالما كان هناك بعض أمل في التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار. وخلال كل هذا الوقت، ظلت إسرائيل حرة غالباً في عرقلة إيصال المساعدات إلى غزة، على أساس التلاعب بإدارة بايدن وإبقائها منشغلة في مفاوضات مطوّلة من أجل وقف إطلاق النار.
وسيلة لتخفيف الضغط
ما كان ينبغي أبداً أن يقترن هدفا تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة وتحقيق وقف إطلاق النار ويُربطا بشكل وثيق في المقام الأول. إن القانون الدولي واضح لا لبس فيه في أنه لا يمكن استخدام الحرمان من الإغاثة الإنسانية للضغط على السكان المدنيين. ويشكل القيام بذلك عقاباً جماعياً وجريمة حرب واضحة. من الناحية القانونية، يكون الطرف المتحارب ملزماً بتسهيل وحماية جهود الإغاثة للمدنيين بغض النظر عن وضع أي مفاوضات لوقف إطلاق النار، ولا يحق لـ"حماس" ولا لإسرائيل استخدام سبل عيش المدنيين الفلسطينيين في غزة كورقة تفاوض.
بالإضافة البعد القانوني، كان الربط بين المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار خطأ استراتيجياً. وقد أصبح من الواضح الآن أن ممارسة إسرائيل المتمثلة في الحد من الإغاثة في غزة لم تخفف من حدة موقف "حماس" التفاوضي؛ وإذا كان ثمة شيء، فإنها شجعت الحركة من خلال نزع الشرعية عن إسرائيل على المسرح العالمي. كما أن تأمين وقف لإطلاق النار يتطلب مستوى لا يمكن تحقيقه من التوافق الدبلوماسي بين "حماس"، التي لا تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ يذكر عليها، وإسرائيل، التي كانت الولايات المتحدة مترددة في إملاء شيء على استراتيجيتها القتالية. وأدى الجمع بين المسارين تعليق إيصال الإغاثة الإنسانية على المسألة الشائكة المتمثلة في اتفاق طرفي الصراع على شروط وقف إطلاق النار.
لم يكن من الضروري أن يجري الأمر على هذا النحو. في الواقع، تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على الجزء الأكبر من عمليات الإغاثة الإنسانية في غزة ويمكنها أن تفعل ما هو أكثر لتمكين تدفق المساعدات، بغض النظر عن موقف "حماس". وكان ينبغي على الحكومة الأميركية أن تستخدم نفوذها الكبير مع الحكومة الإسرائيلية لمتابعة الدبلوماسية الإنسانية بشروطها الخاصة، وتحميل إسرائيل المسؤولية عن عرقلتها. ويمكن فهم المأساة الكاملة المتمثلة في عدم رغبة إدارة بايدن في استخدام نفوذها مع إسرائيل لدى التفكير في التأثير الكبير الذي أحدثته الإدارة خلال فترة وجيزة استخدمت فيها بعضاً من هذا النفوذ.
جاءت أهم التحسينات التي أدخلت على سياسات إسرائيل بشأن وصول المساعدات الإنسانية في أعقاب زيادة الضغط الأميركي خلال الأشهر الأولى من هذا العام، وانهار التقدم بعد انحسار هذا الضغط. في شباط (فبراير)، أصدر بايدن مذكرة للأمن القومي تطالب بلينكن بتقييم ما إذا كانت إسرائيل تنتهك القانون الأميركي من خلال عرقلة وصول المساعدات إلى غزة، وتقديم تقرير بالنتائج التي توصل إليها إلى الكونغرس في أيار (مايو). وكانت تدفقات المساعدات إلى غزة قد وصلت إلى نقطة منخفضة، دفعت "لجنة مراجعة المجاعة" إلى إصدار تحذيرها الأول من مجاعة وشيكة في غزة، مما جعل تدقيق بلينكن أكثر إلحاحاً.
ثم، في 1 نيسان (أبريل)، قتلت غارة جوية إسرائيلية أربعة من موظفي "المطبخ المركزي العالمي". وفي مكالمة متوترة مع نتنياهو مباشرة بعد عمليات القتل، أصدر بايدن إنذاراً نهائياً بأن إسرائيل يجب أن تسهل وصول المزيد من المساعدات إلى غزة، وأن تتخذ تدابير جديدة لحماية العاملين في المجال الإنساني. وفي اليوم التالي، قدمت الحكومة الإسرائيلية تنازلات كانت قد قاومتها في السابق: وافقت على فتح معبر حدودي جديد للسماح بدخول المساعدات إلى شمال غزة؛ وسمحت بمرور المساعدات عبر ميناء أشدود الإسرائيلي؛ ووافقت على إنشاء ممر جديد للمساعدات إلى غزة من الأردن. وكان لهذه التنازلات تأثير سريع. في نيسان (أبريل)، تدفق قدر من المساعدات إلى غزة أكثر من أي شهر آخر خلال الحرب. وتشير المقابلات التي أجرتها "منظمة اللاجئين الدولية" مع فلسطينيين وممثلين عن جماعات الإغاثة الأخرى إلى أن هذه التغييرات حسنت الظروف بشكل ملموس ومنعت بداية المجاعة المتوقعة.
لكن هذا التقدم لم يدم طويلاً. في 10 أيار (مايو)، أبلغ بلينكن الكونغرس الأميركي بأن إسرائيل تمتثل لشروط مذكرة بايدن الصادرة في شباط (فبراير) ولا تمنع وصول المساعدات إلى غزة. ومع رفع هذا التدقيق، أطلق الجيش الإسرائيلي العنان لهجومه المدمر في رفح، التي كانت في ذلك الوقت تؤوي نصف سكان غزة. وعلى الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة من أن أي عملية في رفح يجب أن تضمن العمليات الإنسانية وتحمي الفلسطينيين النازحين، إلا أن العملية التي تلت لم تفعل أياً من الأمرين. بالتقريب، نزح ما يقرب من مليون فلسطيني مرة أخرى من دون سابق إنذار ولا دعم. وأغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي وجعلت معبر كرم أبو سالم غير متاح تقريباً لمنظمات الإغاثة، مما أدى إلى خنق أنابيب المساعدات الأساسية إلى غزة. كما أجبرت وكالات المعونة على إخلاء رفح، التي كانت قد أصبحت المركز الرئيسي للخدمات اللوجستية ومركز الموظفين الذين يديرون عمليات الإغاثة في جميع أنحاء غزة.
شكل هجوم رفح ضربة شديدة لم تتعافَ منها الجهود الإنسانية لمساعدة سكان غزة الذين يعانون. ولكن، بدلاً من التهديد بوقف الدعم العسكري لإسرائيل كما فعلت بعد ضربة "المطبخ المركزي العالمي"، رفضت إدارة بايدن وضع القدر اللازم من القوة وراء تحذيراتها. وعاد البيت الأبيض إلى التركيز على تأمين وقف إطلاق النار، وتلاشت الأولويات الإنسانية في الخلفية. ولم يكن هناك أي ضغط أميركي كبير آخر بشأن الأوضاع الإنسانية في غزة حتى رسالة تشرين الأول (أكتوبر).
سنة ضائعة
ثمة مفارقة مأساوية في هذا، هي أنه في العام 2018، كانت مجموعة من الأشخاص الذين سيكونون من مسؤولي بايدن المستقبليين -بمن فيهم مستشاره للأمن القومي، ووزير خارجيته، ومدير استخباراته الوطنية، وسفيره إلى الأمم المتحدة، ومدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية- قد بعثت برسالة مفتوحة تقول إنه من أجل إجبار حليفة الولايات المتحدة المتمردة (إسرائيل) على الامتثال لالتزاماتها الإنسانية، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لتعليق الدعم العسكري. وكان الطرف المخالف في تلك القضية هو الحملة على اليمن. فقد انتقدت الرسالة دعم الرئيس دونالد ترامب "بشيك على بياض" للحملة العسكرية في اليمن، التي كانت تغذي كارثة إنسانية. وبلغة توقعت بشكل مخيف موقفهم المستقبلي تجاه إسرائيل، أدان الكتاب "حماقة الدعم غير المشروط" لحملة اليمن، وكتبوا أن محاولة الولايات المتحدة استخدام الوعد بالمساعدة العسكرية المستقبلية "كوسيلة ضغط لدفع التحالف ضد اليمن إلى الالتزام بالقانون الإنساني الدولي" كانت فشلاً ذريعاً.
لو أن مسؤولي بايدن أخذوا بنصيحتهم الخاصة عندما تعلق الأمر بغزة، لكانوا قد أنقذوا أرواحاً لا حصر لها. ولكن، بدلاً من ذلك، ليس ثمة شيء يُذكر يقف الآن في طريق المجاعة في شمال غزة وتعميق الدمار الذي يسيطر على بقية القطاع. ومن المرجح أن تزداد التوقعات بشأن سكان غزة سوءاً عندما يتولى ترامب زمام الأمور، حيث أشارت إدارته القادمة إلى أنها ستمنح نتنياهو حرية أكبر. لكن رفض بايدن وضع ثقل حقيقي وراء خطابته أهدر الفرصة لإيصال المساعدات إلى سكان غزة قبل أن تأتي هذه اللحظة. وسوف تظل معاناتهم التي لا يمكن تصورها وصمة عار لا تمحى على إرثه.
في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، بعث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية. وفيها، أعرب المسؤولان عن قلقهما العميق إزاء العراقيل التي تضعها إسرائيل أمام تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة في سياق العمليات العسكرية الإسرائيلية. وأشارت الرسالة صراحة إلى أن القانون الأميركي يتطلب من الولايات المتحدة تعليق مبيعات الأسلحة والتعاون الأمني مع الحكومات التي تعيق إيصال المساعدات الأميركية إلى وجهاتها. كما منحت الرسالة إسرائيل مهلة 30 يوماً لاتخاذ "إجراءات عاجلة ومستدامة لوقف" الأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة، وحددت مجموعة من التدابير الملموسة التي يُتوقع أن تتخذها إسرائيل، بما فيها زيادة عدد الشاحنات التي يمكن أن تدخل غزة بشكل كبير؛ وإلغاء أوامر الإخلاء التي أدت إلى نزوح ملايين الغزيين، ووقف التشريعات الوشيكة التي تمنع الجهود التي تبذلها "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى"، (الأونروا)، لمساعدة المدنيين الفلسطينيين.اضافة اعلان
وقد فشلت إسرائيل في الاستجابة بشكل مناسب وكافٍ لأي من هذه الشروط بحلول الموعد النهائي الذي حددته الرسالة. وعندما أجرت منظمة اللاجئين الدولية وسبع منظمات إغاثة بارزة أخرى تحليلاً مفصلاً لتسعة عشر إجراء منفصلاً طلبت الحكومة الأميركية من إسرائيل اتخاذها، وجدنا أن إسرائيل لم تقم بأي إجراء ذي مغزى بشأن خمسة عشر منها، ولم تعالج الإجراءات الأربعة المتبقية سوى بشكل جزئي. ومع ذلك، رفضت إدارة الرئيس جو بايدن فرض أي عواقب على إسرائيل بسبب هذا الفشل، بحجة أن أنصاف التدابير والوعود الغامضة كانت استجابة كافية.
ربما يكون هذا هو المثال الأكثر وضوحاً على فشل إدارة بايدن المروع في محاسبة إسرائيل على الاستخفاف بالتزاماتها الإنسانية في حربها على غزة. لكنه ليس الوحيد. منذ الأيام الأولى للحرب، دعا بايدن وكبار مستشاريه إسرائيل، مراراً وتكراراً، إلى حماية جهود الإغاثة الإنسانية -ثم وقفوا مكتوفي الأيدي بينما تقوم حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهجير جميع سكان غزة تقريباً، ودفْع العديد من الفلسطينيين إلى المجاعة، ومنع منظمات الإغاثة من الوصول إلى القطاع، وقتل الأفراد العاملين في المجال الإنساني.
والنتائج في غزة تتحدث عن نفسها: اليوم، يحتاج ما يقدر بنحو 50.000 طفل إلى العلاج من سوء التغذية؛ ولا تعمل سوى 4 فقط من أصل 19 مخبزاً يدعمها "برنامج الأغذية العالمي"؛ وتعمل 17 فقط من أصل 36 مستشفى كانت عاملة في غزة قبل الحرب، وبشكل جزئي. وتقدر الـ"يونيسف" أن 95 في المائة من مدارس غزة تضررت أو دُمرت، وأن أكثر من 1.9 مليون شخص -90 بالمائة من سكان غزة- ما يزالون نازحين قسراً.
صفقة فاوستية
لم تكن العقبات التي وضعتها إسرائيل على إيصال المساعدات ولا المطالب الواردة في الرسالة التي أرسلها بلينكن وأوستن جديدة حقاً. منذ أكثر من عام، مارست إسرائيل سيطرة شبه مطلقة على الأوضاع الإنسانية في غزة، وهي تتحكم في شحنات المساعدات الواردة وتحركات منظمات الإغاثة. وكان جيش الدفاع الإسرائيلي منذ أمد طويل أكبر تهديد لسلامة عمال الإغاثة هناك. وقد قتل في غزة منذ بداية الحرب عدد من العاملين في المجال الإنساني أكثر مما قُتل منهم في بقية أنحاء العالم مجتمعة. وأعربت سلسلة من التصريحات التي أدلى بها كبار المسؤولين الأميركيين خلال العام الماضي عن قلق عميق من أن الحكومة الإسرائيلية ترفض اتخاذ خطوات في حدود سلطتها للتخفيف من سوء الظروف التي تزداد كارثية في غزة.
قبل وقت لا يقل عن شباط (فبراير) 2024، شجبت سامانثا باور، مديرة "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، علناً أعناق الزجاجات التي خلقتها الحكومة الإسرائيلية لوقف تدفق المساعدات، وطالبت بأن عمال الإغاثة "يجب أن يعرفوا أن بإمكانهم القيام بعملهم من دون إطلاق النار عليهم وقتلهم". وفي 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، لمجلس الأمن "إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية"، بما في ذلك إغلاق المعابر الحدودية والقيود البيروقراطية الجديدة على تسليم المساعدات، "تزيد من حدة المعاناة في غزة". وجادل ديفيد ساترفيلد، الذي شغل منصب مبعوث بايدن الإنساني الخاص بغزة من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وحتى نيسان (أبريل) 2024، على الملأ بعد مغادرته المنصب، بأن إسرائيل لديها الوسائل الكافية لتخفيف معاناة المدنيين في غزة، لكن "الإرادة" لفعل ذلك "لم تكن موجودة أبدًا". وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، ذكرت منظمة "بروبوبليكا" الصحفية أن كلا من "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" و"مكتب اللاجئين" التابع لوزارة الخارجية الأميركية أبلغا بلينكن صراحة بأن إسرائيل تعرقل عمداً وصول المساعدات الإنسانية الأميركية.
شكلت الرسالة التي أرسلها بلينكن وأوستن اعترافاً رسمياً، وإن كان ضمنياً، بمسؤولية إسرائيل المباشرة عن الظروف غير المعقولة التي تسود في غزة. ولكن، يبدو أن نتنياهو افترض -محقاً- أنها لن تكون هناك أي عواقب إذا لم تكلف إسرائيل نفسها عناء الامتثال لمطالب الرسالة. وفي الواقع، منذ أن أرسل بلينكن وأوستن رسالتهما، تفاقمت الأزمة الإنسانية في القطاع فحسب. وفي الآونة الأخيرة، أصدر كل من "برنامج الأغذية العالمي" التابع للأمم المتحدة و"لجنة مراجعة المجاعة" التابعة لـ"التصنيف المتكامل لمرحلة الأمن الغذائي"، وهي الهيئة العالمية التي تصدر توقعات المجاعة، تحذيرات متجددة من أن العمليات الإسرائيلية تدفع شمال غزة حثيثاً نحو مجاعة وشيكة.
في الحقيقة، يتجذر فشل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة لتحسين الظروف الإنسانية في غزة في عيبين أساسيين: أولاً، الخلط بين الدبلوماسية الإنسانية ودبلوماسية وقف إطلاق النار، حتى مع تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار؛ و، ثانياً، غياب الإرادة السياسية على أعلى مستويات الإدارة لمحاسبة إسرائيل على عدم الوفاء بالتزاماتها الإنسانية بموجب القانونين الأميركي والدولي.
كان الخلل الأول مندمجاً في لبّ استراتيجية الولايات المتحدة في وقت مبكر جداً من الحرب. وفي تصريحات أدلى بها في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، أعرب كبير مستشاري بايدن، بريت ماكغورك، عن وجهة نظر الولايات المتحدة القائمة على أن تأمين وقف إطلاق النار هو الشيء الرئيسي الذي يمكن للحكومة الأميركية القيام به لتحسين الظروف الإنسانية في غزة -في الواقع، التعويل على أن الوعد بتحسن الظروف قد يدفع "حماس" إلى تقديم تنازلات. وأضاف ماكغورك "أن إطلاق سراح عدد كبير من الرهائن سيؤدي إلى توقف كبير للقتال... وزيادة هائلة في الإغاثة الإنسانية". وقد أثار هذا التصريح ضجة من منظمات الإغاثة وعلماء القانون، الذين أشاروا إلى أن اشتراط وصول المساعدات الإنسانية بهذه الطريقة ينتهك بشكل صارخ قوانين الحرب. وسعى البيت الأبيض إلى التراجع جزئياً عن هذه التعليقات، موضحاً في محادثات خاصة مع ممثلي منظمات الإغاثة أن الإدارة كانت تقر ببساطة بدينامية قائمة بالفعل: استخدام كلا طرفي الصراع مسألة الإغاثة الإنسانية كورقة مساومة في مفاوضات أوسع نطاقاً.
لكن الحقيقة هي أن إدارة بايدن تبنت قاعدة "المساعدات مقابل الرهائن" هذه نفسها في جهودها التفاوضية. وقد جادل مسؤولو الإدارة في المناقشات العامة والخاصة مع مجموعات الإغاثة بأن أفضل طريقة لزيادة تدفقات المساعدات هي تأمين وقف إطلاق النار -وبذلك عملت جهودهم بشأن وقف إطلاق النار فعلياً كعنصر رئيسي في دبلوماسيتهم الإنسانية. من المؤكد أن وقفاً مطولاً لإطلاق النار كان ليمكِّن من توسع كبير في جهود المساعدات الإنسانية. لكن التأثير الحقيقي للرهان المفرط على هذا الاحتمال كان عاماً كاملاً ضائعاً أجّلت فيه الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لتخفيف معاناة غزة طالما كان هناك بعض أمل في التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار. وخلال كل هذا الوقت، ظلت إسرائيل حرة غالباً في عرقلة إيصال المساعدات إلى غزة، على أساس التلاعب بإدارة بايدن وإبقائها منشغلة في مفاوضات مطوّلة من أجل وقف إطلاق النار.
وسيلة لتخفيف الضغط
ما كان ينبغي أبداً أن يقترن هدفا تخفيف الأزمة الإنسانية في غزة وتحقيق وقف إطلاق النار ويُربطا بشكل وثيق في المقام الأول. إن القانون الدولي واضح لا لبس فيه في أنه لا يمكن استخدام الحرمان من الإغاثة الإنسانية للضغط على السكان المدنيين. ويشكل القيام بذلك عقاباً جماعياً وجريمة حرب واضحة. من الناحية القانونية، يكون الطرف المتحارب ملزماً بتسهيل وحماية جهود الإغاثة للمدنيين بغض النظر عن وضع أي مفاوضات لوقف إطلاق النار، ولا يحق لـ"حماس" ولا لإسرائيل استخدام سبل عيش المدنيين الفلسطينيين في غزة كورقة تفاوض.
بالإضافة البعد القانوني، كان الربط بين المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار خطأ استراتيجياً. وقد أصبح من الواضح الآن أن ممارسة إسرائيل المتمثلة في الحد من الإغاثة في غزة لم تخفف من حدة موقف "حماس" التفاوضي؛ وإذا كان ثمة شيء، فإنها شجعت الحركة من خلال نزع الشرعية عن إسرائيل على المسرح العالمي. كما أن تأمين وقف لإطلاق النار يتطلب مستوى لا يمكن تحقيقه من التوافق الدبلوماسي بين "حماس"، التي لا تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ يذكر عليها، وإسرائيل، التي كانت الولايات المتحدة مترددة في إملاء شيء على استراتيجيتها القتالية. وأدى الجمع بين المسارين تعليق إيصال الإغاثة الإنسانية على المسألة الشائكة المتمثلة في اتفاق طرفي الصراع على شروط وقف إطلاق النار.
لم يكن من الضروري أن يجري الأمر على هذا النحو. في الواقع، تحتفظ إسرائيل بالسيطرة على الجزء الأكبر من عمليات الإغاثة الإنسانية في غزة ويمكنها أن تفعل ما هو أكثر لتمكين تدفق المساعدات، بغض النظر عن موقف "حماس". وكان ينبغي على الحكومة الأميركية أن تستخدم نفوذها الكبير مع الحكومة الإسرائيلية لمتابعة الدبلوماسية الإنسانية بشروطها الخاصة، وتحميل إسرائيل المسؤولية عن عرقلتها. ويمكن فهم المأساة الكاملة المتمثلة في عدم رغبة إدارة بايدن في استخدام نفوذها مع إسرائيل لدى التفكير في التأثير الكبير الذي أحدثته الإدارة خلال فترة وجيزة استخدمت فيها بعضاً من هذا النفوذ.
جاءت أهم التحسينات التي أدخلت على سياسات إسرائيل بشأن وصول المساعدات الإنسانية في أعقاب زيادة الضغط الأميركي خلال الأشهر الأولى من هذا العام، وانهار التقدم بعد انحسار هذا الضغط. في شباط (فبراير)، أصدر بايدن مذكرة للأمن القومي تطالب بلينكن بتقييم ما إذا كانت إسرائيل تنتهك القانون الأميركي من خلال عرقلة وصول المساعدات إلى غزة، وتقديم تقرير بالنتائج التي توصل إليها إلى الكونغرس في أيار (مايو). وكانت تدفقات المساعدات إلى غزة قد وصلت إلى نقطة منخفضة، دفعت "لجنة مراجعة المجاعة" إلى إصدار تحذيرها الأول من مجاعة وشيكة في غزة، مما جعل تدقيق بلينكن أكثر إلحاحاً.
ثم، في 1 نيسان (أبريل)، قتلت غارة جوية إسرائيلية أربعة من موظفي "المطبخ المركزي العالمي". وفي مكالمة متوترة مع نتنياهو مباشرة بعد عمليات القتل، أصدر بايدن إنذاراً نهائياً بأن إسرائيل يجب أن تسهل وصول المزيد من المساعدات إلى غزة، وأن تتخذ تدابير جديدة لحماية العاملين في المجال الإنساني. وفي اليوم التالي، قدمت الحكومة الإسرائيلية تنازلات كانت قد قاومتها في السابق: وافقت على فتح معبر حدودي جديد للسماح بدخول المساعدات إلى شمال غزة؛ وسمحت بمرور المساعدات عبر ميناء أشدود الإسرائيلي؛ ووافقت على إنشاء ممر جديد للمساعدات إلى غزة من الأردن. وكان لهذه التنازلات تأثير سريع. في نيسان (أبريل)، تدفق قدر من المساعدات إلى غزة أكثر من أي شهر آخر خلال الحرب. وتشير المقابلات التي أجرتها "منظمة اللاجئين الدولية" مع فلسطينيين وممثلين عن جماعات الإغاثة الأخرى إلى أن هذه التغييرات حسنت الظروف بشكل ملموس ومنعت بداية المجاعة المتوقعة.
لكن هذا التقدم لم يدم طويلاً. في 10 أيار (مايو)، أبلغ بلينكن الكونغرس الأميركي بأن إسرائيل تمتثل لشروط مذكرة بايدن الصادرة في شباط (فبراير) ولا تمنع وصول المساعدات إلى غزة. ومع رفع هذا التدقيق، أطلق الجيش الإسرائيلي العنان لهجومه المدمر في رفح، التي كانت في ذلك الوقت تؤوي نصف سكان غزة. وعلى الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة من أن أي عملية في رفح يجب أن تضمن العمليات الإنسانية وتحمي الفلسطينيين النازحين، إلا أن العملية التي تلت لم تفعل أياً من الأمرين. بالتقريب، نزح ما يقرب من مليون فلسطيني مرة أخرى من دون سابق إنذار ولا دعم. وأغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي وجعلت معبر كرم أبو سالم غير متاح تقريباً لمنظمات الإغاثة، مما أدى إلى خنق أنابيب المساعدات الأساسية إلى غزة. كما أجبرت وكالات المعونة على إخلاء رفح، التي كانت قد أصبحت المركز الرئيسي للخدمات اللوجستية ومركز الموظفين الذين يديرون عمليات الإغاثة في جميع أنحاء غزة.
شكل هجوم رفح ضربة شديدة لم تتعافَ منها الجهود الإنسانية لمساعدة سكان غزة الذين يعانون. ولكن، بدلاً من التهديد بوقف الدعم العسكري لإسرائيل كما فعلت بعد ضربة "المطبخ المركزي العالمي"، رفضت إدارة بايدن وضع القدر اللازم من القوة وراء تحذيراتها. وعاد البيت الأبيض إلى التركيز على تأمين وقف إطلاق النار، وتلاشت الأولويات الإنسانية في الخلفية. ولم يكن هناك أي ضغط أميركي كبير آخر بشأن الأوضاع الإنسانية في غزة حتى رسالة تشرين الأول (أكتوبر).
سنة ضائعة
ثمة مفارقة مأساوية في هذا، هي أنه في العام 2018، كانت مجموعة من الأشخاص الذين سيكونون من مسؤولي بايدن المستقبليين -بمن فيهم مستشاره للأمن القومي، ووزير خارجيته، ومدير استخباراته الوطنية، وسفيره إلى الأمم المتحدة، ومدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية- قد بعثت برسالة مفتوحة تقول إنه من أجل إجبار حليفة الولايات المتحدة المتمردة (إسرائيل) على الامتثال لالتزاماتها الإنسانية، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لتعليق الدعم العسكري. وكان الطرف المخالف في تلك القضية هو الحملة على اليمن. فقد انتقدت الرسالة دعم الرئيس دونالد ترامب "بشيك على بياض" للحملة العسكرية في اليمن، التي كانت تغذي كارثة إنسانية. وبلغة توقعت بشكل مخيف موقفهم المستقبلي تجاه إسرائيل، أدان الكتاب "حماقة الدعم غير المشروط" لحملة اليمن، وكتبوا أن محاولة الولايات المتحدة استخدام الوعد بالمساعدة العسكرية المستقبلية "كوسيلة ضغط لدفع التحالف ضد اليمن إلى الالتزام بالقانون الإنساني الدولي" كانت فشلاً ذريعاً.
لو أن مسؤولي بايدن أخذوا بنصيحتهم الخاصة عندما تعلق الأمر بغزة، لكانوا قد أنقذوا أرواحاً لا حصر لها. ولكن، بدلاً من ذلك، ليس ثمة شيء يُذكر يقف الآن في طريق المجاعة في شمال غزة وتعميق الدمار الذي يسيطر على بقية القطاع. ومن المرجح أن تزداد التوقعات بشأن سكان غزة سوءاً عندما يتولى ترامب زمام الأمور، حيث أشارت إدارته القادمة إلى أنها ستمنح نتنياهو حرية أكبر. لكن رفض بايدن وضع ثقل حقيقي وراء خطابته أهدر الفرصة لإيصال المساعدات إلى سكان غزة قبل أن تأتي هذه اللحظة. وسوف تظل معاناتهم التي لا يمكن تصورها وصمة عار لا تمحى على إرثه.
*جيريمي كونينديك Jeremy Konyndyk: رئيس "المنظمة الدولية للاجئين" والرئيس السابق للمساعدة في حالات الكوارث في "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Biden’s Greatest Failure in Gaza; How Weak Humanitarian Diplomacy Abetted a Cataclysm
0 تعليق