أوروبا تواجه ركاما من المهددات في العام الجديد

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة: قاسم مكي -

تواجه أوروبا عاما جديدا وسط ركام من المهددات المثيرة للقلق. فناخبوها غاضبون وأحزابها السياسية التقليدية متشظية واقتصاداتها الرئيسية راكدة أو بطيئة النمو ومعدلات الولادة فيها تتراجع بشدة وجناحها الشرقي يشتعل بحرب كارثية.

تتعرض أنظمة الديمقراطية الليبرالية في القارة لضغوط قاسية ليس أقلها تلك التي تفرضها الحركاتُ اليمينية الشعبوية. فحوالي سبع دول من جملة 27 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي تحكمها كليا أو جزئيا أحزاب متطرفة. وقد يخضع المزيد منها لهذه الأحزاب مع تزايد الإحباط خصوصا وسط الناخبين في سن العشرين أو نحو ذلك من فشل الحكومات في الحد من الهجرة وتعزيز الوظائف والإسكان وتأمين مستويات معيشية أفضل.

اليكساندرا دي هوب شيفر، الرئيسة بالوكالة لمركز الأبحاث صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة قالت للصحفيين «هنالك خيبة أمل وأزمة ثقة في هذا الجيل الشاب» الذي لا يعتقد أن «العيش في نظام ديمقراطي مهم طالما تقدم الحكومة الخدمات العامة والاقتصاد جيد وأسعار الطاقة منخفضة».

تعتمد القارة منذ فترة طويلة على «عضلات» ألمانيا وفرنسا في فرض إرادتها ورسم اتجاهها. لكنهما حاليا وكما يبدو عاجزتان عن تشكيل حكومتيهما؛ فأحزاب يمين الوسط ويسار الوسط فقدت صدقيتها. وفي كلا البلدين تتفاقم أعراض اعتلال عافية الحياة المدنية؛ ففرنسا عينت رئيس وزرائها الرابع خلال عام 2024 قبل أسابيع قليلة. ويعتقد عديدون أنه قد لا يمكث في منصبه لفترة مماثلة لتلك التي قضاها سلفه في الحكم بالنظر إلى تشظي البرلمان الفرنسي.

وفي ألمانيا، ذكِر أن معدل الخصوبة تراجع إلى أقل من 1.4 طفل لكل امرأة. وهذه عتبة تعتبرها الأمم المتحدة «بالغة الانخفاض». ولا شك أنها مؤشر قاتم لكنها صدمة أقل وطأة من «السقوط الحر» لمعدلات الخصوبة في إسبانيا أو إيطاليا.

هنالك قلق واسع الانتشار بأن أوروبا تقترب من حافة الهاوية حيث تتآكل بسرعة افتراضات الماضي المُطَمئِنة حول الاستقرار الاجتماعي وفوائد الرفاه السخية والازدهار العريض. اشتد ذلك الشعور بالقلق مع التهديد الروسي الذي فرض زيادة الإنفاق الدفاعي وضَغَطَ على الموازنات العامة وفَرَض خيارات قاسية.

لتحديث الجيوش الهزيلة والاستجابة لمطالبة دونالد ترامب بلدان القارة بتحمُّل المزيد من عبء ردع روسيا سيلزم قادة أوروبا الاعتماد على نمو اقتصادي غير موجود وزيادة الضرائب في بلدانٍ ضرائبها زائدة عن الحد وتفكيك البرامج الاجتماعية والذي سيعني انتحارا سياسيا.

لم تواجه أوروبا منذ الحرب الباردة مثل هذه البيئة الأمنية المخيفة. فأجراس الإنذار تُقرع في كل مجال تقريب ليس فقط لأن موسكو تكثف حربها الهجين (من تخريب ودعاية وتدخل في الانتخابات حول القارة) ولكن أيضا لأن وعد واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية بحماية أوروبا يبدو «فارغا» أكثر من أي وقت مضى مع استعداد ترامب للعودة إلى سدة الحكم.

السويد التي دفعها الخوف من روسيا إلى التخلي عن حيادها الذي استمر لقرنين والانضمام إلى حلف الناتو في العام الماضي وزعت بالبريد مؤخرا كتيبا تحت عنوان «في حال وقوع أزمة أو نشوب حرب» الهدف منه مساعدة السويديين على الاستعداد للأسوأ. كما أصدرت كل من النرويج وفنلندا تعليمات مماثلة.

يحذر كتيب الحكومة السويدية الذي أرسل لكل عائلة مقيمة من مساعي استخدام «الإرهاب وهجمات الإنترنت وحملات التضليل الإعلامي لتقويض أمننا والتأثير علينا...» ويضيف «لمقاومة هذه التهديدات علينا أن نتحد».

في بلدان أخرى في الشمال تتجه جمهوريات البلطيق (وهي جزء من حلف الناتو ويزداد يقينها بأنها مستهدفة من روسيا) إلى إنفاق حصة أكبر من ناتجها الاقتصادي على الدفاع بأكثر مما تفعل الولايات المتحدة. وفي الجنوب اهتزت رومانيا ومولدوفا مما يبدو تدخلا روسيا واسع النطاق في الانتخابات.

وتفقد منطقة اليورو التي أقعدها الإفراط في الإجراءات التنظيمية وشيخوخة السكان ونقص العمالة ميزاتِها لصالح الولايات المتحدة وسط فجوة «عبر أطلسية» متسعة في التوقعات الاقتصادية. فمؤشر ستوكس يوروب 600 الذي يشمل الشركات البريطانية تمكن بصعوبة من تحقيق عائد بنسبة 6% في عام 2024. وفي الولايات المتحدة ارتفع مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بما يقرب من 25%.

عكست هذه الفجوة التفاوت بين اقتصاد الولايات المتحدة المنتعش والذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 2.8% في عام 2024 والاقتصاد الهزيل لمنطقة اليورو والذي حسب التوقعات سينمو بنسبة 0.8% فقط.

تفرض اللحظة الراهنة وجود ما تفتقر إليه أوروبا. إنها بحاجة إلى القادة الأقوياء أصحاب الرؤية. ربما كان رئيس فرنسا إيمانول ماكرون مناسبا لهذا الدور في وقت ما. لكنه لم يعد كذلك تقريبا بسبب الحماقة التي دفعته إلى الدعوة لانتخابات نتج عنها برلمان من دون أغلبية. والمستشار الألماني أولاف شولتز الذي يفتقر إلى الكاريزما وقاد حكومة ائتلافية كثيرة التذمر في سبيله إلى تلقي هزيمة شنيعة في انتخابات برلمانية هذا الشهر. أما خليفته المحتمل المحافظ وحاد الطبع فريدريش ميرتس فمشغول بالتعامل مع شركاء ائتلاف متشاكسين. هذا إذا لم نقل شيئا عن الاقتصاد الألماني الذي لا ينمو.

الخطر الذي يواجه أوروبا لا يكمن فقط في تهميشها جيوسياسيا وتخلفها كثيرا وراء العملاقين الولايات المتحدة والصين. بل أيضا في أن روسيا التي تبني اقتصاد حرب دائما لاستدامة توسعها قد ترى في عجز القارة إمكانيةً لتحويلها إلى دول تابعة وأنها ثمرة حان قطافها.

لي هوكستيدر كاتب رأي عن الشؤون الأوروبية بصحيفة واشنطن بوست

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق