كيف ستتحول المملكة إلى قبلة للسياحة الصحية؟

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تاريخيا، كانت المملكة العربية السعودية بلدا مُصدرًا للسياح الطبيين، حيث يسعى العديد من المواطنين السعوديين إلى الرعاية الصحية المتقدمة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث لعبت السياحة العلاجية التي ترعى المملكة جزءا كبيرا منها دورا حاسما في هذا الاتجاه، وغالبا ما كان المرضى السعوديون حجر أساس في اقتصاد العيادات الأجنبية في تلك الدول، كان توقف هذا التدفق بسبب التغيرات الاقتصادية العالمية المصاحبة لجائحة كورونا، حيث كان له تأثير شديد على هذه المرافق الطبية الأجنبية، وهي إحدى الجوانب والتجارب التي أثبتت الجائحة أنها كانت تفتقر إلى الاستدامة والتكامل في هذه الدول، وفي الوقت نفسه فإن المناخ الخصب للمملكة في تشكيل هيكل السياحة الصحية هو ميزة نوعية فريدة لها في الوقت الحالي، لما تمتلك المملكة من مقومات وأحداث هامة ستشهدها المملكة في الأعوام القادمة لتصبح وجهة رائدة للسياحة الصحية.

تطلعات المملكة
على مدى السنوات الثلاث الماضية، أبدت المملكة العربية السعودية اهتماما كبيرا بالتحول السياحي، وهذا يجعلها تفكر كذلك في أن تكون مركز سياحة صحية من الدرجة الأولى، لما لها من مكانة بارزة في جذب شتى أنواع الزوار للمملكة، كالزوار القادمين للشعائر الدينية من شتى أصقاع العالم، أو الزوار القادمين للاستكشاف والتعرف على الموروث والحضارة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية.

الجهود التي ترعاها الدولة والأهمية الاستراتيجية
إن نجاح المملكة العربية السعودية في التحول إلى وجهة للسياحة الصحية يتوقف على الجهود التي تقوم بها المنظومة بشكل متكامل ومتناغم ونظرا للتغيرات والتطورات الجارية في البلاد، فلا بد أن تكون للسياحة الصحية أولوية استراتيجية في وضع استراتيجية مستدامة للسياحة الصحية لكي تزدهر السياحة الصحية والقطاعات المساعدة لها، حيث تحتاج السعودية إلى خلق حوافز لمقدمي الرعاية الصحية، وينبغي لهذه الحوافز أن تشجع مقدمي الرعاية الصحية على علاج المرضى المحليين والسياح الطبيين الدوليين المتطلبين لجودة خدمة أعلى دائما وسعر أقل، ومن الممكن أن تدعم التدابير التشريعية هذا الطموح، من خلال وضع حوافز واضحة للمستشفيات للمشاركة في هذه الرحلة التحولية.

رفاهية التشكل حسب متطلبات واتجاهات السوق العالمي
تتمتع المملكة العربية السعودية بميزة فريدة تتمثل في صياغة عروض السياحة الصحية الخاصة بها على أساس متطلبات السوق الحالية والمستقبلية على عكس الوجهات الأخرى، التي يتعين عليها تكييف الخدمات القائمة، تستطيع السعودية تصميم نظام يعزز عروض البيع الفريدة دون أن تكون مقيدة بالهياكل القديمة.

إن نهج المملكة في التشريع، كما نرى في مشاريع مثل نيوم، يسمح بمنظور استشرافي، ويمكن لهذا النهج الجديد أن يساعد السعودية على البقاء في صدارة اتجاهات الرعاية الصحية العالمية، وجذب أفضل المواهب والكوادر لفتح آفاق للممارسات الطبية الحديثة والممارسات الصحية بشكل عام، علما أنه قد انتقل بالفعل الخبراء في مجال طول العمر والمجالات المتخصصة الأخرى إلى المنطقة، منجذبين إلى البيئة الديناميكية والتحول الكبير الذي تعيشه المملكة العربية السعودية في شتى القطاعات، إن قدرة المملكة العربية السعودية على جذب المواهب والتكنولوجيا من الطراز العالمي واضحة في قطاعات مختلفة، مثل الرياضة والنقل، ويمكن تطبيق الاستراتيجية نفسها على الرعاية الصحية، وجذب أفضل الخبراء الطبيين الذين يجلبون مهارات فريدة وتقنيات مبتكرة، وسوف يكون هؤلاء الخبراء، الذين غالبا ما يكونون ممارسين فرديين، مفتاحا لترسيخ المملكة كوجهة رائدة للسياحة الصحية.

التنافس على الجودة و السعر
لن تكون استراتيجية المملكة العربية السعودية التنافس على السعر فقط ولكن على جودة الخدمات والابتكار، وسوف ينصب التركيز على تقديم أعلى جودة من الخدمات الطبية، مع استكمال الراحة والتميز في الخدمات المساندة، حيث إن هذا النهج المتميز يتماشى مع جذب السياح الأثرياء الذين يسعون للحصول على أفضل رعاية ممكنة.

صياغة العلامة التجارية
إن أحد التحديات الكبيرة هو صياغة العلامة التجارية للمملكة العربية السعودية وتحويل الصورة الذهنية عنها من بلد مُصَدر للسياح إلى وجهة جاذبة لهم، إن تصور المواطنين السعوديين لطلب العلاج الطبي في الخارج قد يعيق هذا التحول، ومع ذلك فإن الاستراتيجية المدروسة جيدا والخطط الناجزة ستعزز من تسريع رسم هذه الصورة الذهنية في مخيلة السياح العالميين، إن جهود إعادة صياغة العلامة التجارية ستتطلب حملات تسويقية غير مسبوقة مصممة خصيصا للشرائح المستهدفة.

الموقع الاستراتيجي
يوفر موقع المملكة العربية السعودية الجغرافي مزايا كبيرة للسياحة الصحية مما يجعل موقع المملكة من السهل الوصول إليه من أوروبا وأفريقيا وأجزاء من آسيا في رحلة تستغرق من 6 إلى 8 ساعات، ويعد هذا الوصول أمرا بالغ الأهمية، خاصة بعد جائحة كوفيد-19، حيث يفضل المرضى مسافات سفر أقصر للحصول على العلاجات الطبية.

ومن خلال استغلال هذه الركائز، فإن المملكة العربية السعودية تمتلك الفرصة في وضع نفسها كوجهة رائدة للرفاهية الشاملة والرعاية الطبية، وتجذب السياح المحليين والدوليين.

الصحة العقلية والنفسية والإدمان
يُعترف بشكل متزايد بالصحة العقلية كمكون أساسي للرفاهية العامة، ومع تزايد وعي المجتمعات بأهمية الصحة العقلية، هناك طلب متزايد على الوجهات التي تقدم علاجات متخصصة، وبيئة مواتية للرفاهية العقلية والنفسية، حيث تتمتع المملكة العربية السعودية بإمكانية تطوير مثل هذه المرافق، وتقديم مزيج فريد من ممارسات الشفاء التقليدية والرعاية النفسية الحديثة، إن معالجة هذه القضايا أمر بالغ الأهمية لنمو سياحة الصحة العقلية والنفسية ومراكز الإدمان، حيث يمكن دمج التراث الثقافي والديني الغني في المملكة العربية السعودية بشكل متناغم مع العلاجات النفسية الحديثة، يمكن أن يوفر هذا التكامل بيئة علاجية فريدة تحترم الخلفيات الثقافية للمرضى مع تقديم علاجات قائمة على الأدلة العلمية، هناك فرصة كبيرة لتطوير مرافق الصحة العقلية المتخصصة التي تلبي احتياجات السياح المحليين والدوليين، ويمكن لهذه المرافق تقديم خدمات مثل إدارة الإجهاد وعلاج الإدمان وبرامج العافية الشاملة، مما يضع المملكة العربية السعودية في مكانة رائدة في سياحة الصحة العقلية، من خلال توفير الدعم والتمويل وتطوير البنية الأساسية، ويشمل ذلك تدريب المتخصصين في الرعاية الصحية، وبناء المرافق المتخصصة، وإدارة حملات التوعية، كما يساعد التعاون مع مؤسسات الصحة العقلية الدولية في جلب أفضل الممارسات والعلاجات المتقدمة إلى السعودية، ويمكن لهذه الشراكات أيضا تعزيز البحث والابتكار في هذا المجال، حيث يعد تطوير استراتيجية تسويقية قوية تسلط الضوء على العروض الفريدة التي تقدمها السعودية في مجال رعاية الصحة العقلية أمرا ضروريا، ويشمل ذلك الترويج للبنية الأساسية الطبية المتقدمة في البلاد، والنهج الحساسة ثقافيا، والمناظر الطبيعية الجميلة التي تساهم في بيئة الشفاء.

صحة كبار السن ومشكلة تواجدهم في أماكن غير مناسبة لهم
مع تقدم السكان في السن، هناك حاجة متزايدة لخدمات رعاية المسنين المتخصصة، يمكن للمملكة العربية السعودية تطوير المرافق التي تلبي الاحتياجات الفريدة لكبار السن، بما في ذلك إدارة الأمراض المزمنة، وإعادة التأهيل البدني، ودعم الصحة العقلية، حيث إن رعاية المسنين في المملكة العربية السعودية متجذرة بعمق في التقاليد الثقافية والدينية، ويعد تطوير مرافق الرعاية التي تحترم هذه التقاليد مع توفير رعاية طبية عالية الجودة أمرا ضروريا لجذب العملاء المحليين والدوليين، ويمكن توسيع مفهوم السياحة الصحية لتلبية احتياجات كبار السن، وتقديم برامج متخصصة تشمل العلاج الطبيعي وأنشطة التحفيز العقلي والتجارب الثقافية المصممة خصيصا لكبار السن.

أحد التحديات الأساسية هو تطوير البنية التحتية التي يمكن الوصول إليها ومريحة للمرضى المسنين، ويشمل ذلك ضمان تصميم المرافق مع وضع قضايا التنقل في الاعتبار، وأن خيارات النقل متاحة أيضا، هناك حاجة إلى متخصصين في الرعاية الصحية مدربين على طب الشيخوخة والنظر للاحتياجات المحددة للمرضى المسنين، وهذا لا يشمل التدريب الطبي فحسب، بل يشمل أيضا الكفاءة الثقافية كذلك، يعد تطوير أطر تنظيمية وسياسية واضحة تدعم مرافق رعاية المسنين أمرا ضروريا، ويشمل ذلك ضمان تلبية المعايير ووجود إشراف لحماية مصالح المرضى المسنين، كما يمكن لنماذج الرعاية المتكاملة التي تجمع بين الرعاية الطبية والدعم الاجتماعي وأنشطة العافية أن توفر نهجا شاملا لرعاية المسنين، ويمكن الترويج لهذه النماذج كجزء من حزمة السياحة الصحية، ويكون تشجيع الاستثمار من قبل الحكومة في مرافق رعاية المسنين من خلال تقديم حوافز، مثل الإعفاءات الضريبية أو المنح، ويمكن أن يساعد هذا في تحفيز نمو هذا القطاع وجذب المستثمرين الدوليين وخلق فرص للحد من البطالة.

الاستفادة من القطاع غير الربحي في السياحة الصحية المستدامة
يمكن للقطاع غير الربحي أن يلعب دورا حاسما في ابتكار مناهج جديدة للرعاية الصحية والعافية، ويشمل ذلك تطوير برامج قائمة على المجتمع، وتوفير التعليم والتوعية، والدعوة لحقوق المرضى، وغالبا ما يكون للمنظمات غير الربحية جذور عميقة في المجتمعات التي تخدمها، ويمكنها بناء الثقة والمشاركة، وهو أمر ضروري لتعزيز المبادرات الصحية الجديدة، بما في ذلك الصحة العقلية ورعاية المسنين، حيث يمكن للمنظمات غير الربحية جذب التمويل والموارد من المانحين الدوليين والشراكات المؤسسية والأفراد الخيريين، ويمكن استخدام هذا التمويل لدعم تطوير مرافق وبرامج الرعاية الصحية.

تطوير نماذج السياحة الصحية المستدامة
الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات غير الربحية، إذ يمكن للنهج التعاوني الذي يشمل الحكومة والقطاع الخاص والمنظمات غير الربحية أن يخلق نموذجا مستداما للسياحة الصحية، حيث يمكن لهذا النموذج الاستفادة من نقاط القوة في كل قطاع، من دعم السياسات إلى الابتكار والمشاركة المجتمعية، كما يمكن للمنظمات غير الربحية أن تلعب دورا رئيسيا في تدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية وبناء القدرات في هذا القطاع.

يعد تطوير اللوائح التي تدعم نمو قطاع السياحة الصحية مع ضمان الممارسات الأخلاقية أمرا ضروريا، ويشمل ذلك وضع معايير لمرافق الرعاية الصحية وحماية خصوصية المرضى وسرية معلوماتهم وضمان الشفافية في التسعير، ويمكن أن يؤدي استخدام التكنولوجيا، مثل التطبيب عن بعد ومنصات الصحة الرقمية، إلى تعزيز تقديم خدمات الرعاية الصحية وجعلها أكثر سهولة في الوصول إليها للسياح الدوليين.

ختاما، تشهد المملكة العربية السعودية تطورا كبيرا ونهضة ضخمة في شتى المجالات الاقتصادية المختلفة، وتسعى إلى تنويع اقتصادها وبناء مستقبل مستدام، أحد تلك المشاريع التي تعنى بالاستدامة ولها العديد من الأبعاد الاقتصادية هو توسيع قطاع السياحة الصحية، لما له من دور هام في زيادة الناتج المحلي وخلق فرص وظيفية عديدة وجذب الاستثمارات.

SaadBaslom@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق