القاهرة ـ دمشق.. علاقة مرهونة بسلامة سوريا

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الأحد 05/يناير/2025 - 08:58 م 1/5/2025 8:58:11 PM

منذ أن أدلى وزير الخارجية، التابع لسلطة الأمر الواقع في سوريا، أسعد حسن الشيباني، السبت 28 ديسمبر الماضي، بأول تصريحات علنية منذ توليه منصبه، بشأن علاقة بلاده مع مصر، بعد سقوط نظام الرئيس السابق، بشار الأسد، وقال في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة X، (نتطلع إلى بناء علاقات هامة واستراتيجية مع جمهورية مصر العربية، تحت احترام سيادة البلدين، وعدم التدخل في شئونهما)، إلا وثارت موجة من التعليقات، بعضها مؤيد للتواصل المنشود مع سوريا، والآخر رافض للتعاون مع من ينتمون إلى جماعة إرهابية، قادتها ظروف المنطقة إلى تولى سلطة الحكم في بلد مهم كسوريا.. وتساءل كثيرون: هل يعني هذا أن مصر تراجعت عن موقفها، وقررت وضع يدها في يد من ينتمون إلى الإرهاب، وهي الدولة التي ترفضه، بل وحاربته بشدة على أراضيها، وساعدت على مقاومته في مناطق أخرى؟.. مع أن مصر لم تُرسل، حتى الآن، أي وفود رسمية لها للتواصل مع الإدارة السورية الجديدة، كما هرول غيرها من الدول الغربية والعربية!!.. بل إنها، وخلال الأسابيع الماضية، أجرى وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، اتصالات مكثفة لمناقشة الأوضاع في سوريا، مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية.. وخلال هذه الاتصالات، دائمًا ما تؤكد مصر على دعم استقرار سوريا ووحدة وسلامة أراضيها، ورفض المساس بسيادتها أو تقسيمها.. دون أن يكون للقاهرة مكاسب تنظر إليها في البلد الشقيق، ولا أطماع ـ كغيرها ـ في الدولة التي ما أغلقت سفارتها بها، ولا أنزلت العلم المصري من فوق صاريها، على مدى السنوات الحرب الداخلية بها.
تقف القاهرة مترقبة للتطورات، وهي التي تُعلن دعمها لوحدة سوريا ومطالبتها بإدارة مُنتخبة للبلاد، (تنتظر حتى ترى ما سيتمخض عنه المشهد في سوريا، وما إذا كانت الإدارة الجديدة هناك ستلتزم بتصريحاتها الإيجابية نحو الالتزام بدولة القانون والدستور، وستقود البلاد لحكومة تُمثل الجميع؟، أم أنها فقط تكسب الوقت حتى تسيطر على المشهد وتبدأ في ممارسة الإقصاء).. وبرغم ما قدمه دبلوماسيون وساسة من أسباب للموقف المصري، إلا أن مراقبين يرون أنه ليس سهلًا على القاهرة، أن تتجاوز دعوة الشرع التحريضية للإخوان، لاستخدام القوة والعمل المُسلح في وجه النظام المصري، قبل أكثر من تسع سنوات.. ففي عام 2015، تناول الشرع الأوضاع في مصر، حينما كان لقبه (أبو محمد الجولاني)، في حوار مُطول على (قناة الجزيرة) القطرية، بصفته أميرًا لجبهة النصرة، التي كانت تتبع تنظيم القاعدة آنذاك، وقال (كنا نأمل من الإخوان المسلمين أن يأتي اليوم ويكتشفوا أن البرنامج الذي يسيرون عليه هو برنامج خاطئ، ويجب أن يعودوا إلى أصولهم الأولى ويحملوا سلاحهم، ويقاتلوا، مجاهدين في سبيل الله، ويطردوا هؤلاء الحكام).. وربما يبرر هذا، رفض العديد من الوجوه الإعلامية المصرية الإدارة السورية الجديدة، وقائدها أحمد الشرع، الذي يتزعم هيئة تحرير الشام، المصُنفة كتنظيم إرهابي في عدة دول غربية وكذا في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن مصر التي تدرك الأطماع في الشرق الأوسط، ونبَّهت إليها مرارًا، والتي تعرف النهايات والمآلات لما يحدث الآن في سوريا، لم تشأ أن تختبر نوايا سلطة الأمر الواقع في سوريا، بل ـ من وجهة نظر خاصة ـ أن تفضح النوايا، وتجعلها علانية.. فقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية، أن الوزير، بدر عبدالعاطي، اتصل هاتفيًا بنظيره السوري، أسعد الشيباني، بعد أيام من تقديم الشيباني إشادة بالقاهرة، والتطلع لاستعادة العلاقات معها، لكن وفق خبراء، فإن هذا (التقارب الحذر) سيكون مرهونًا بما ستقدمه الإدارة الجديدة، إزاء مخاوف مصرية عديدة أبرزها (الوضع الداخلي السوري وتداعياته على استقرار المنطقة).
ووفقا لبيان الخارجية المصرية، عبر منصة X، أكد عبد العاطي على وقوف مصر بشكل كامل مع الشعب السوري الشقيق ودعم تطلعاته المشروعة، ودعا كافة الأطراف السورية في هذه المرحلة الفاصلة، إلى إعلاء المصلحة الوطنية، ودعم الاستقرار فى سوريا والحفاظ على مؤسساتها الوطنية ومقدراتها ووحدة وسلامة أراضيها.. وأن مصر تأمل أن تتسم عملية الانتقال السياسي في سوريا بالشمولية، وان تتم عبر ملكية وطنية سورية خالصة، دون إملاءات أو تدخلات خارجية، وبما يدعم وحدة واستقرار سوريا وشعبها بكل مكوناته وأطيافه، ويحافظ على هويتها العربية الأصيلة.. وشدد على أهمية أن تتبنى العملية السياسية مُقاربة شاملة وجامعة لكافة القوى الوطنية السورية، تعكس التنوع المجتمعي والديني والطائفي والعرقي داخل البلاد، وان تكون سوريا مصدر استقرار بالمنطقة، مع إفساح المجال للقوى السياسية الوطنية المختلفة، لأن يكون لها دور في إدارة المرحلة الانتقالية، وإعادة بناء سوريا ومؤسساتها الوطنية، لكي تستعيد مكانتها الإقليمية والدولية التي تستحقها.. وتم الاتفاق في نهاية الاتصال على استمرار التواصل خلال الفترة القادمة.. وهو ما عقب عليه الشيباني، عبر X أيضًا بقوله، (سعدت باتصال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الذي أكد فيه على أهمية دور البلدين في تحقيق الاستقرار والازدهار للمنطقة، وأن مصر وسوريا يجمعهما تاريخ واحد ومستقبل واعد بإذن الله).
وكما يُلاحظ، فإن بيان الاتصال الهاتفي تحدث عن عموميات خاصة باستقرار المنطقة، والماضي المشترك، والنظر لمستقبل مشترك، دون حديث عن تعاون في الوقت الحاضر، وفق تقدير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، (لكن هذا يتوقف على معرفة ماذا ستكون عليه سوريا في الفترة المقبلة).. هذا الموقف المصري الجديد، وسط تلك المخاوف، لا يحتاج لأن (نعتبره اعترافًا، خصوصًا أن هذه حكومة أمر واقع موجودة في دمشق، ولدى مصر سفارة هناك.. وبالتالي، الأمر طبيعي في ظل اتصالات العالم بالقيادة السورية الجديدة.. الأمر حسب القانون الدولي مرتبط بوجود نظام يتم التعامل معه ولا يحتاج لأي تضخيم.. فمصر لها محددات في التعامل مع هذا النظام، وكل دولة في المنطقة تتعامل بمحدداتها، وسوريا دولة مهمة لمصر، ولا ترغب مصر في أن يُترك الشعب السوري فريسة لعزلة أو سيطرة طرف.. التحرك المصري طبيعي وقائم على فهم حقيقة الوضع هناك، ولا يحمل بالضرورة دلائل على انسجام كامل بين الطرفين).
وإذا كان الشيباني قد أبدى قبل أيام، عبر منشور على X، تعبيرًا عن موقف قيادته، (التطلع إلى بناء علاقات مهمة واستراتيجية مع مصر، تحت احترام سيادة البلدين وعدم التدخل في شئونهما)، فيجب أن تُترجم الأقوال لأفعال،.. فالخطوة المقبلة من الجانب السوري، إما تبني أو تهدم ما أقدمت عليه القاهرة من خطوة إيجابية.. وليس بالضرورة أن نرى وفدًا مصريًا يزور دمشق.. فالقاهرة يهمها أن تسير أمور سوريا في اتجاه مساعدة الشعب السوري، وتوفير سبل الحياة له ومعالجة مخاوفها.. ففي كل ما طرحه بيان الخارجية المصرية، على لسان الوزير بدر عبد العاطي، لم يتناول شأنًا مصريا، بل كان همه هو الشعب السوري ومستقبل الدولة السورية بكل أطيافها، ليبقى مستقبل التقارب المصري ـ السوري، (رهن سلوك الإدارة الجديدة، التي من الحكمة أن تُبدد مخاوف مصر، وتُشجع عملية الانتقال السياسي، وأن يُمثَّل جميع السوريين في رسم المستقبل دون إقصاء لأحد)، وسترتبط زيارة وفد مصري لدمشق بتطورات الموقف في سوريا، وهو قرار سيادي وسياسي من مصر، ودون ضغوط من أحد، وهي التي تراقب الأوضاع في دمشق وتتطلع لأن تكون أفضل لتعزيز العلاقات التاريخية مع سوريا.
●●●
في حديث مع BBC، يرى المساعد السابق لوزير الخارجية، حسين هريدي، اجتماعات العقبة الأخيرة بالأردن التي شاركت فيها مصر، إنها أكدت على عدة مبادئ تحكم تعامل المجتمع الدولي مع سوريا، أهمها أن الوضع الحالي في سوريا (وضع مؤقت، ولا يجب التعامل مع أي اتفاقات أو قرارات تنتج عنه على أنها دائمة، وهذا هو موقف مصر الذي تلتزم به).. وأن تعامل بعض القوى الكبرى وبعض الدول مع الإدارة الجديدة في سوريا، وبناء علاقات معها كما لو كانت إدارة دائمة، لن يفرض على مصر أي ضغوط أو أمرًا واقعًا، لأن (رؤية مصر هي الأصوب).. وقال الرجل، الذي عمل في أروقة الدبلوماسية المصرية حتى عام 2009، إن (هذه جماعة إرهابية وهذا زعيم إرهابي، ولا نستطيع أن نتعامل معه، والتعامل معه يعني قبول مصر لمبدأ التعامل مع إرهابيين، يفرضهم الغرب كرؤساء أو زعماء سياسيين حسب مصالحه).. لقد ألغت الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة بنحو عشرة ملايين دولار، لكل من يدلي بمعلومات عن الجولاني، عقب لقاء مساعدة وزير الخارجية الأمريكية، باربرا ليف، معه على رأس وفد دبلوماسي زار دمشق والتقى الشرع في قصر الحكم.. هذا القرار تم اتخاذه في سياق سياسي جديد، يعكس تغير الأولويات الأمريكية في سوريا، التي تريد المحافظة على غنيمتها من التفظ والغاز في الشمال الشرقي السوري، بالاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية المناوئة لتركيا!!.. ويستبعد هريدي أن تقاطع مصر سوريا كدولة، إن (مصر تعترف بالدول لا بالأنظمة والرؤساء، ومن الممكن أن تظل السفارات بين البلدين على مستوى القائم بالأعمال، لتسيير مصالح الناس فقط).
إن مصر كما هو ثابت، تتعامل مع المواقف لا مع الأقوال، فإذا كان الجولاني، أو أحمد الشرع حاليًا، قد قال بأن تنظيمه الإرهابي كان شيئًا من أعمال الماضي، وأنه انتقل من مرحلة ما اسماها (الثورة) إلى مرحلة (الدولة)، فإن عليه البرهنة على ذلك.. وأعلم أن القاهرة أعدت مسبقًا قائمة بأسماء مصريين ينخرطون ضمن الجماعات الإرهابية في سوريا، سبق وأن صدرت ضدهم أحكام، في أعمال عنف ارتكبوها في مصر، فهل يستجيب لها الشرع؟.
بعد أيام من تولي أحمد الشرع قيادة الحكم في سوريا، انتشرت له على مواقع التواصل الاجتماعي صورة تجمعه مع المصري محمود فتحي، المطلوب أمنيًا، وياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب طيب إروغان.. هذه الصورة أثارت جدلًا كبيرًا، خصوصًا وأن فتحي، الذي حصل على الجنسية التركية لاحقًا، مُدرَج على قائمة الكيانات الإرهابية التي أصدرتها مصر مؤخرًا، ومُدان في عدة قضايا تتعلق بأنشطة إرهابية، ومحكوم عليه بالإعدام غيابيًا في قضية مقتل النائب العام، هشام بركات، وبحسب القائمة، فإن نشاطه (الإرهابي) ضد مصر مازال مستمرًا من الخارج حتى الوقت الحالي.. وقد اُعتبرت الصورة (عدائية) لدى الكثير من المصريين، حيث قال البرلماني والكاتب الصحفي، مصطفى بكري، إن (النظام الجديد في سوريا أظهر لغة عدائية ضد مصر، باستقباله فتحي، أحد قتلة النائب العام السابق هشام بركات.. هذا الاستقبال أثار قلق كل المصريين).. كما أشار بكري، إلى أن هناك أمر مقلق آخر، متعلق بالإدارة السورية الجديدة، وهو (الأعداد الكبيرة من المصريين الموجودين ضمن عناصر هيئة تحرير الشام، وكان لهم دورهم بالتأكيد مع التنظيمات الإرهابية، ومصر وضعت أسماء الكثيرين منهم على قوائم ترقب الوصول).
صحيح، لا يوجد إحصاء عن عدد المصريين الذين انخرطوا في القتال في سوريا، لكن خلال الأعوام ظهر العديد من الأشخاص المطلوبين أمنيًا لدى الحكومة المصرية، أو التابعين لجماعات تُصنفها مصر إرهابية، وقد أشاعت جماعة الإخوان أن هؤلاء (مختفون قصريًا في مصر)، قبل أن يظهروا خلال معارك جبهة النصرة في سوريا قبل سنوات، والتي انبثقت عنها لاحقًا هيئة تحرير الشام.. وإذا كانت مصر صاحبة المواقفها الثابتة، التي تنطلق من قرارات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية فيما يتعلق بالإرهاب، فإن (القاهرة، ومنذ البداية، أكدت وتؤكد، أنها مع الدولة السورية والشعب السوري.. وبالتأكيد فالقاهرة لديها المعلومات الكافية التي تجعلها تتخذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة).
●●●
■■ وبعد..
فإن كل الذين هرولوا إلى دمشق، دفعتهم حسابات المصالح في أرضي سوريا ومقدراتها، إلا مصر، فإن موقفها (المتأني) من الإدارة الجديدة في سوريا، يعكس رغبة في التعامل مع حكومة مُعترف بها دوليًا.. وإذا كانت أي إدارة في سوريا لا يمكن أن تتجاهل القاهرة، بثقلها ودورها الإقليمي والتاريخي، إلا أن ما فهمناه من بيان الخارجية المصرية، هو أن القاهرة تتأنى في كيفية التعاطي مع الموقف، وتتخذ موقفًا يتسم بالحياد الإيجابي، لأن مصر ترغب في التعامل مع حكومة مُعترف بها دوليًا وأمميًا وعربيًا، وتمثل كل الشعب السوري وليست حكومة وقتية فرضتها الظروف).. فكما قلنا، ليس لمصر من حاجة في سوريا، إلا ما يتعلق بمصالح الشعب السوري، أو كما أكد رئيس مجلس النواب، المستشار حنفي جبالي، رفضه للتدخلات الأجنبية الإقليمية أو الدولية في الشأن السوري، (سواء عبر فرض مناطق نفوذ على الأراضي السورية، أو التدخل في الشأن السوري الداخلي، أو عبر محاولات تغيير الواقع الجغرافي أو الديموجرافي، أو بإذكاء النعرات المذهبية والعرقية، أو بنشر التوجهات الإقصائية)..فالعلاقة التاريخية بين مصر وسوريا، تجعل من أمن واستقرار سوريا أمرًا حيويًا لمصر، ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بأمنها القومي والعربي.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق