تشهد الصين موجة جديدة من انتشار فيروس الجهاز التنفسى الميتانيمو البشرى «HMPV»، مع تزايد الإصابات بين الأطفال واكتظاظ المستشفيات فى المقاطعات الشمالية، بالتزامن مع دخول فصل الشتاء.
ويثير الفيروس، الذى تتشابه أعراضه مع نزلات البرد والإنفلونزا مثل: الحمى والسعال وضيق التنفس، مخاوف دولية من احتمالية تحوله إلى تهديد عالمى، خاصة مع تعرض الفئات الأكثر ضعفًا لمضاعفات خطيرة.
ووسط مشاهد تُذكِّر ببدايات جائحة «كوفيد- ١٩»، اتخذت الحكومة الصينية سلسلة إجراءات مشددة شملت تعزيز المراقبة الصحية، وتطبيق التباعد الاجتماعى، وتكثيف عمليات التطهير فى الأماكن العامة.
ورغم تصاعد القلق، أكدت وزارة الخارجية الصينية أن الوضع تحت السيطرة، مشيرة إلى أن شدة الأعراض هذا العام أقل مقارنة بالسنوات الماضية، وأن تفشى الفيروس يندرج ضمن النمط المعتاد للأمراض التنفسية الموسمية.
«الدستور» تحدثت إلى مسئولى وزارة الصحة وعدد من الأطباء، للتعرف على طرق التعامل مع ذلك الفيروس فى حال انتقاله إلى مصر.
«الصحة»: ليس جديدًا.. والسعال والحمى وانسداد الأنف أبرز الأعراض
قال الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمى لوزارة الصحة والسكان، إن فيروس الميتانيمو البشرى «HMPV» ليس جديدًا، حيث تم اكتشافه فى عام ٢٠٠١، وهو يشترك مع الفيروسات التنفسية الأخرى فى الأعراض، لافتًا إلى أنه يتم تشخيص الإصابة بهذا الفيروس من خلال تحليل «PCR».
وأضاف أن أعراض فيروس «HMPV» تشبه إلى حد كبير الفيروسات التنفسية الأخرى، مشيرًا إلى أنه لا داعى لمحاولة استنساخ تجربة كورونا، لأن طبيعة هذا الفيروس تختلف تمامًا، مشددًا على أهمية اتباع الإجراءات الوقائية، وضرورة استشارة الطبيب فى حال ظهور أعراض شديدة، خاصة بالنسبة للأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة بمضاعفات تنفسية.
بدوره، قال الدكتور وجدى أمين، رئيس إدارة الأمراض الصدرية بوزارة الصحة والسكان، إن الفيروس يتسبب فى التهابات الجهاز التنفسى العلوى والسفلى، وهو فيروس موسمى ينتشر بشكل خاص فى فصلى الشتاء والربيع فى جميع أنحاء العالم، مشيرًا إلى أن الفيروس يؤثر بشكل أكبر على الأطفال الصغار وكبار السن، وكذلك الأشخاص الذين يعانون ضعف المناعة أو الأمراض المزمنة.
وأوضح أن أعراض الفيروس تشبه أعراض الإنفلونزا وتشمل السعال، والحمى، وانسداد أو سيلان الأنف، واحتقان الحلق، وضيق التنفس، وفى الحالات الشديدة، قد يؤدى الفيروس إلى التهاب فى الشعب الهوائية أو التهاب رئوى، خصوصًا لدى الأطفال وكبار السن. وبيّن أن الفيروس ينتقل من خلال رذاذ الكحة والعطس من شخص مصاب، وكذلك من خلال الاتصال المباشر مثل المصافحة أو لمس الأسطح الملوثة بالفيروس ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وفيما يتعلق بالوقاية من الفيروس، نصح بغسل اليدين بانتظام بالماء والصابون لمدة لا تقل عن ٢٠ ثانية، وتجنب لمس الوجه باليدين غير المغسولتين، والابتعاد عن الأشخاص الذين يعانون من أعراض تنفسية، كما يجب تنظيف وتطهير الأسطح التى يتم لمسها بشكل متكرر.
أما عن العلاج، فبين أنه لا يوجد علاج محدد أو لقاح للفيروس حاليًا، ويتركز العلاج على تخفيف الأعراض وتقديم الرعاية الداعمة، مثل: تناول مسكنات الألم وخافضات الحرارة، بالإضافة إلى شرب كميات كافية من السوائل والراحة.
«علمية كورونا»: لم يصل مصر حتى الآن
أكد الدكتور حسام حسنى، رئيس اللجنة العلمية لمكافحة فيروس كورونا، أن الفيروس شهد نشاطًا ملحوظًا مؤخرًا فى شرق آسيا، مشيرًا إلى أنه يُصيب الجهاز التنفسى السفلى خصوصًا لدى الأطفال وتتشابه أعراضه مع أعراض الإنفلونزا.
ولفت «حسنى» إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ أو ملامسة الأسطح الملوثة، داعيًا إلى التزام المرضى بالتدابير الوقائية مثل التباعد وارتداء الكمامات مع ضرورة غسل اليدين بالماء الدافئ لمدة لا تقل عن ٢٠ ثانية.
وأضاف أن الفيروس لا يوجد له علاج حتى الآن ولم يصل إلى مصر، مؤكدًا أن الوعى الصحى والخبرة المكتسبة من جائحة كورونا سيُحدان من تكرار سيناريوهات مشابهة مستقبلًا.
أساتذة فيروسات ومناعة: العزل للمصابين.. والعلاج عبر الراحة و«الخوافض»
أكد الدكتور فايد عطية، أستاذ الفيروسات الطبية والمناعة، أن الفيروس يُسجل إصابات سنوية حول العالم، منها ما تم رصده العام الماضى فى الولايات المتحدة وإنجلترا وشرق آسيا، مشيرًا إلى أنه عاد للظهور بشكل ملحوظ فى الصين مؤخرًا، نتيجة عوامل مثل انخفاض درجات الحرارة وتحورات جينية أسهمت فى زيادة انتشاره.
وقال «عطية» إن الفيروس يشبه فى تأثيره الفيروسات التنفسية الأخرى، مثل الفيروس المخلوى والإنفلونزا، وأعراضه تشمل الزكام، وارتفاعًا طفيفًا فى درجة الحرارة، والسعال، وغالبية الحالات تكون خفيفة ويمكن التعامل معها منزليًا، لافتًا إلى أنه «رغم زيادة الإصابات، لم يصل الوضع إلى مستوى الجائحة، والتحذيرات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعى تُضخم الأمر دون مبرر علمى، فالفيروس موسمى وانتشاره محدود».
وفيما يتعلق بعدم وجود لقاح أو علاج محدد للفيروس، ذكر أن السبب يعود إلى عدم خطورة الفيروس، حيث لا يسبب معظم الإصابات مضاعفات خطيرة، ما لم يستدعِ تطوير لقاح أو دواء مضاد له حتى الآن، ومع ذلك شدد على ضرورة الترقب والرصد المستمر للوضع، خاصة إذا استمرت الإصابات فى الارتفاع.
ونصح بإجراء تحاليل مثل الـ«PCR» لكل من تظهر عليه أعراض تنفسية، لأن الأعراض تتشابه مع الإنفلونزا ونزلات البرد، وقال: «الأفضل هو الراحة، واستشارة الطبيب عند الضرورة، واستخدام الأدوية المخففة للأعراض، كما أن العزل المنزلى ضرورى للحد من انتشار العدوى».
ودعا إلى عدم التهويل أو التهوين فى التعامل مع الفيروس، مشددًا على أهمية الالتزام بالإجراءات الاحترازية مثل ارتداء الكمامات، وتجنب الأماكن المزدحمة، وغسل اليدين بانتظام، واستخدام المطهرات، مشددًا على أهمية متابعة الوضع العالمى والتنسيق مع منظمة الصحة العالمية لمراقبة أى طفرات جديدة قد تطرأ على الفيروس.
واختتم بقوله: «فيروس (HMPV) يشبه الفيروسات التنفسية الموسمية الأخرى، وأغلب الحالات يتعافى خلال ٥ إلى ٧ أيام، وهو أقل خطورة من كورونا، لذا يجب التعامل معه بعقلانية ودون إثارة للذعر».
من جهته، قال الدكتور محمد أبوعامر، أستاذ المناعة، إن فيروس الميتانيمو البشرى «HMPV» أحد الفيروسات التنفسية التى تسبب أعراضًا شبيهة بالبرد، مشيرًا إلى أن الفيروس، الذى اكتُشف لأول مرة عام ٢٠٠١ فى هولندا، يصيب الأشخاص من جميع الأعمار، لكنه يمثل خطورة أكبر على الأطفال دون سن الخامسة وكبار السن فوق ٦٥ عامًا وأصحاب المناعة الضعيفة.
وأوضح «أبوعامر» أن أعراض الإصابة بالفيروس تشمل السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس فى الحالات الشديدة، وهى تختلف قليلًا عن أعراض كورونا، ويلاحظ أن العدوى قد تكون مزدوجة أحيانًا، حيث يمكن أن يُصاب الشخص بالإنفلونزا و«HMPV» فى آن واحد ما يسبب استمرار المرض لفترات أطول.
وأكد أن انتشار الفيروس يزداد خلال فصلى الخريف والشتاء وهو مسئول عن ١٪ إلى ١٠٪ من الأمراض التنفسية الحادة، وعلى الرغم من أن الوفيات بسبب هذا الفيروس نادرة فإنه قد يؤدى إلى مضاعفات خطيرة لدى الفئات الأكثر عرضة للخطر. وقال إن الفيروس ينتقل عن طريق الرذاذ التنفسى أو ملامسة الأسطح الملوثة، مؤكدًا أن تشخيصه يتم عبر اختبارات مخبرية مثل الـ«PCR»، لكنه شدد على أن علاجه لا يختلف عن علاج الفيروسات التنفسية الأخرى، حيث يركز على تخفيف الأعراض باستخدام خافضات الحرارة ومسكنات الألم، وفى الحالات الحرجة قد يحتاج المريض إلى دعم تنفسى فى المستشفى.
وعن الوقاية، نصح بغسل اليدين بانتظام وتجنب ملامسة الوجه بأيدى غير نظيفة وتغطية الفم والأنف عند السعال أو العطس، كما دعا إلى عدم الذعر من تحذيرات منظمة الصحة العالمية، موضحًا أن هذه التحذيرات تصدر كل موسم شتاء للوقاية من الفيروسات التنفسية.
واختتم: «رغم أن الفيروس لا يمثل تهديدًا كبيرًا لمعظم الأشخاص، فإن الحذر واجب بالنسبة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والمناعة الضعيفة، نظرًا لاحتمال حدوث مضاعفات لديهم».
مستشار الرئيس للصحة: نتابع الأمر بدقة
شدد الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية، على أنه لم يتم تسجيل أى حالات إصابة بفيروس «HMPV» فى مصر حتى الآن، مشيرًا إلى أن الفيروسات التنفسية الموسمية تخضع لمتابعة دقيقة من قِبل الجهات المختصة.
وقال «تاج الدين» إن الإنفلونزا الموسمية تشهد تحورات طبيعية كل عام، ولا يوجد ما يدعو للقلق حاليًا على المستويين المحلى والدولى، لافتًا إلى أن الوقاية من العدوى تتطلب الالتزام بالإجراءات الاحترازية مثل البقاء فى المنزل حال الإصابة وتجنب المضاعفات من خلال استشارة الطبيب فى الوقت المناسب، مشددًا على أن المضادات الحيوية لا تُستخدم فى علاج الفيروسات، بل توصف فقط فى حال حدوث مضاعفات بكتيرية.
طبيب «باطنة»: خطر على الصغار وكبار السن ومرضى المناعة
ذكر الدكتور محمد العيسوى، المتخصص فى الباطنة والقلب والأوعية الدموية، أنه على الرغم من أن الفيروس لا يُظهر خطورة شديدة فى الغالب، فإن خطره يزداد بالنسبة لبعض الفئات الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة، مثل: الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة أو مرضى السرطان. وأشار «العيسوى» إلى أن أعراض الفيروس تشبه إلى حد كبير أعراض الفيروسات التنفسية الأخرى، مثل ارتفاع درجة الحرارة والسعال وآلام الجسم والرشح، و«فى بعض الحالات الأكثر شدة، قد تؤدى الإصابة إلى تأثيرات خطيرة على العلامات الحيوية، مثل: التسبب فى التهاب رئوى حاد أو التأثير على الكلى إذا وصلت العدوى إلى الدم، مما قد يؤدى إلى تسمم دموى».
وحول إمكانية تطور الفيروس ليصبح جائحة مشابهة لكوفيد- ١٩، قال: «حتى الآن، لا توجد تطعيمات ضد فيروس (HMPV)، والعلاج المتاح يقتصر على تخفيف الأعراض فقط، ولكن فى حال تفاقم الفيروس، قد يتحول من إصابة فى الجهاز التنفسى العلوى إلى الجهاز التنفسى السفلى «الرئة» أو حتى يصل إلى الدم، مما يزيد من خطر المضاعفات».
وشدد على ضرورة مراقبة الوضع الصحى العالمى، مشيرًا إلى أن الفيروسات التنفسية فى هذا الوقت من العام غالبًا ما تشهد زيادة فى الإصابات، إلا أن التفشى الواسع للفيروس يعتمد على مدى تفاقم الحالات فى المستقبل.
دراسة: الأطفال تحت عمر 5 سنوات الأكثر عُرضة للإصابة
يُعدالفيروس ثانى أكثر أسباب أمراض الجهاز التنفسى الحادة شيوعًا منذ العام ٢٠١٦ لدى الأطفال الأصحاء دون سن الخامسة فى العيادات الخارجية بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد الفيروس المخلوى التنفسى «RSV»، واللذين ينتميان لنفس العائلة.
ووفقًا للمركز الصينى لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وخلال الفترة من ١٦ إلى ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٤، كان «الميتانيمو فيروس» مسئولًا عن ٦.٢٪ من الاختبارات الإيجابية لأمراض الجهاز التنفسى و٥.٤٪ من حالات دخول المستشفيات بسبب هذه الأمراض، متجاوزًا بذلك «كوفيد- ١٩» وفيروسات أخرى مثل «الراينوفيروس». وحسب دراسة تابعة للمعاهد الوطنية للصحة بالولايات المتحدة، التى أجريت فى مايو ٢٠١٧، تبين أن فيروس «HMPV» مسئول عن ٧.٣٪ من حالات عدوى الجهاز التنفسى لدى الأطفال مقارنة بـ٢٨.٧٪ للفيروس المخلوى التنفسى، ورغم أن «HMPV» يظهر بانتظام خلال الشتاء والربيع، فإن معدل دخول الأطفال المصابين به للمستشفيات كان أقل بخمس مرات مقارنةً بـ«RSV». ووجدت الدراسة أن الأطفال تحت عمر ٥ سنوات كانوا الأكثر عرضة للإصابة، مع تسجيل معدل استشفاء سنوى قدره ١.٩ لكل ١٠٠٠ طفل لـ«HMPV» مقارنة بـ١٠.٤ لكل ١٠٠٠ طفل لـ«RSV»، كما أشارت إلى أن «HMPV» ينتشر فى أوبئة منتظمة تستمر عادةً لثلاثة إلى خمسة أشهر، وتتناقص شدته مع تقدم الأطفال فى العمر.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسة أن الأطفال المصابين بفيروس «HMPV» يتخلصون من العدوى خلال فترة قصيرة نسبيًا، تصل إلى ١٣ يومًا، ما يقلل من معدلات العدوى بينهم مقارنة بالأطفال غير المصابين بأعراض، موضحة أن الأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة أو ضعف فى المناعة قد يكونون أكثر عرضة لتطور مضاعفات خطيرة.
طرق الوقاية: غسل اليدين بالماء والصابون لمدة ٢٠ ثانية.. وعدم ملامسة الوجه
أكد مركز السيطرة على الأمراض فى الولايات المتحدة أن فيروس الميتانيمو البشرى «HMPV»، الذى ينتقل عبر الرذاذ التنفسى الناتج عن السعال أو العطس أو ملامسة الأسطح الملوثة- لا يوجد له علاج محدد أو لقاح للوقاية منه حتى الآن.
وشدد المركز على أهمية اتباع التدابير الوقائية للحد من انتشار الفيروس، مشيرًا إلى ضرورة غسل اليدين بانتظام بالماء والصابون لمدة لا تقل عن ٢٠ ثانية، وتجنب لمس الوجه بأيدٍ غير نظيفة، والابتعاد عن الأشخاص المصابين.
ونصح الأشخاص المصابين بتغطية الأنف والفم عند السعال أو العطس وغسل اليدين بشكل متكرر، والامتناع عن مشاركة الأدوات الشخصية مع الآخرين، والبقاء فى المنزل لتجنب نقل العدوى.
0 تعليق