نورييل روبيني*
ما تأثير الإدارة الأمريكية المقبلة في النمو الاقتصادي والتضخم؟ الإجابة غير واضحة بعد، حيث إن بعض سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترامب المقترحة قد تعزز النمو وتقلل التضخم على المدى الطويل، بينما قد تؤدي أخرى إلى نتائج معاكسة.
ترامب معروف بكونه مؤيداً للأعمال التجارية، وهذه الحقيقة بحدّ ذاتها قد تحفز النشاط الاقتصادي من خلال إطلاق «روح المبادرة» التي تقود الاستثمار والابتكار والنمو. وإذا نجح هو والجمهوريون في الكونغرس في تمديد التخفيضات الضريبية على الشركات والدخل الشخصي التي ستنتهي في عام 2025، فقد يستفيد النمو الاقتصادي بشكل أكبر.
كذلك، إذا تمت السيطرة على التجاوزات المحتملة في أجندته المتعلقة بإزالة القيود، فقد يؤدي تقليل البيروقراطية إلى تعزيز النمو وتشجيع المنافسة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى خفض الأسعار على المدى الطويل.
يرغب ترامب أيضاً في زيادة إنتاج النفط والغاز الأمريكي بما يعادل ثلاثة ملايين برميل يومياً، مما قد يقلل من أسعار الطاقة ويجعل القطاعات المحلية كثيفة الطاقة أكثر تنافسية. ومع ذلك، ينبغي تنفيذ ذلك دون التخلص من معظم دعم الإدارة السابقة للطاقة الخضراء.
وإضافة إلى ذلك، فإن لجنة استشارية خارجية بقيادة إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي تسعى إلى تحسين كفاءة الحكومة. ورغم أن تخفيض الميزانية الفيدرالية بمقدار تريليوني دولار يبدو بعيد المنال، إلا أن تحديد تخفيضات بقيمة 200 مليار دولار قد يُسهم في تقليل الفاقد في القطاع العام.
وأخيراً، ومع تزايد دعم ترامب بين قادة التكنولوجيا، قد نشهد تعزيزاً لتفوق أمريكا في مجالات الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والأتمتة، والبحث الطبي الحيوي. ومن المتوقع أن تعمل الإدارة الجديدة على إزالة العوائق التي قد تواجهها هذه الصناعات من قبل الجهات التنظيمية أو المجتمع المدني.
مع ذلك، فإن تحقيق النمو وخفض التضخم من خلال هذه السياسات سيستغرق وقتاً، ويعتمد على تأثير السياسات السلبية المحتملة. وعلى سبيل المثال، قد تؤدي التعريفات الجمركية العالية والحروب التجارية وفك الارتباط مع الصين إلى صدمات عرض سلبية، مما يزيد التضخم ويضر بالنمو.
وبالمثل، فإن القيود الصارمة على الهجرة، بالإضافة إلى عمليات الترحيل الجماعية، قد تضعف النمو وتزيد التضخم من خلال رفع تكاليف العمالة وزيادة مخاطر نقص العمالة في قطاعات حيوية.
وإذا تمّ تمديد التخفيضات الضريبية بشكل دائم، وتم تنفيذ وعود مالية أخرى من دون تأمين طرق لتمويلها، فقد ترتفع الديون العامة بمقدار 8 تريليونات دولار خلال العقد المقبل. وسيؤدي ذلك إلى زيادة التضخم، ورفع أسعار الفائدة طويلة الأجل، مما يعيق الاستثمار المستقبلي ويضعف النمو.
أيضاً، فإن أي محاولة غير منظمة لتعزيز التنافسية المحلية، من خلال إضعاف الدولار، قد تزيد التضخم وتزعزع الأسواق المالية. وأيّ تهديد حقيقي أو محتمل لاستقلالية الاحتياطي الفيدرالي قد يؤدي إلى تضخم متوقع وفعلي أعلى.
وعلى المستوى الجيوسياسي، قد يقلل ترامب من بعض المخاطر، مثل الحرب الروسية-الأوكرانية والصراعات في الشرق الأوسط، لكنه قد يشعل حرباً اقتصادية أوسع مع الصين، مما يؤدي إلى مزيد من التفتت في الاقتصاد العالمي.
ولحسن الحظ، هناك عوامل قد تحدّ من تنفيذ سياسات ترامب الأكثر ضرراً. أولاً، يمكن أن تفرض الأسواق نفسها قيوداً، حيث ستؤدي السياسات التي تزيد التضخم والعجز إلى ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل وانخفاض محتمل في سوق الأسهم، مما قد يثني ترامب عن تنفيذ أفكاره الأكثر تطرفاً.
ثانياً، سيظل الاحتياطي الفيدرالي مستقلاً، ومن المحتمل أن يوقف تخفيضات أسعار الفائدة إذا ارتفع التضخم مرة أخرى. وأخيراً، فإن الأغلبية الجمهورية الضئيلة في مجلس النواب قد تعيق تنفيذ بعض السياسات التي تضيف ديوناً كبيرة على الميزانية العامة.
وإذا نظرنا إلى عام 2025، فقد يكون التأثير الصافي لأجندة ترامب الاقتصادية في النمو محايداً، مع تباطؤ وتيرة العودة إلى هدف التضخم بنسبة 2%. وقد يظل النمو أعلى من المعدل المحتمل، نظراً للرياح الداعمة القوية، لكنه سيكون أقل من مستويات عام 2024، ما تمّ احتواء السياسات الأكثر تطرفاً، وغياب تطورات غير متوقعة مثل صدمة جيوسياسية، فإن العام المقبل قد يكون إيجابياً نسبياً للاقتصاد الأمريكي.
*مستشار أول في «هدسون باي كابيتال مانجمنت»، وأستاذ فخري للاقتصاد في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك.
0 تعليق