الدين.. المال..الشائعات.. العنف.. أذرع الأخطبوط الإخواني!

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الأربعاء 08/يناير/2025 - 01:56 م 1/8/2025 1:56:00 PM

اتخذت مصر من فلسفة تحقيق التنمية الشاملة في الدولة والمجتمع، كإحدى أهم الأدوات في مواجهة التطرف وخطابه.. حتى ضربت نموذجًا مهمًا في مواجهة الإرهاب، حيث نجحت في بلورة استراتيجية شاملة ومتكاملة، تضمنت أبعادًا أمنية وفكرية وتنموية.. وقد أخذت الدولة المصرية على عاتقها مسئولية مواجهة الإرهاب والتطرف في المنطقة، وكانت حائط صد قوي ضد المتطرفين والإرهابيين، من خلال التصدي للعديد من الأسباب التي تؤدي إلى صناعتهما، من بينها الفهم الخاطئ للدين، وعدم احترام الاختلاف ورفض الآخر، وقد أدى غياب العالِم الديني المستنير الُمنفتح على العلوم الإنسانية، الى ظهور نبتة جاهلة من مدَّعي العِلم، تتسم بالجمود دون إدراك الفهم الصحيح للدين.. هذا ساعد خطاب التطرف، في إثارة الفتن في المجتمعات، وانتقادها دائمًا، وفرض أفكار غريبة عليها، وترويع الآمنين، واختطاف النصوص الدينية.. وكانت أبرز تحولات الخطاب المتطرف ـ مثلًا ـ توظيف وباء كورونا.. في التخويف والترويع والشماتة في المرضى، بزعم أن الوباء عقاب من الله للبشرية.. وهنا، سنتطرق لفكرة استخدام القوة والعنف عند الإخوان، التي تستمد مشروعيتها من المفاهيم والتصورات والعقائد التي قامت عليها الجماعة، إذ أن العنف لم يكن حدثًا عرضيًا لدى جماعة الإخوان، إنّما كان يُلازمها منذ التأسيس عام 1928، سواء على المستوى النظري أو الحركي.. كما ننظر في سبل مواجهة الإخوان فكريًا وتنظيميًا، وأهمها تفكيك الخطاب وبيان زيف الادعاءات.
وحين نتأمل طريقة عمل جماعة الإخوان وقدراتها التنفيذية، يتضح لنا أننا نواجه جماعة أخطر مما نتصور ومما يدرك الكثيرون.. جماعة منتشرة في جميع بقاع الأرض تقريبًا، ولديها القدرة على التكيُّف والتحول لتحقيق الهدف الأساسي، أي السيطرة على العالم في دولة (الخلافة الإسلامية)، التي تؤمن بها الجماعة.. ويساعد الإخوان في تنفيذ حلمهم هذا، أنهم يتحركون بصورة تدريجية.. ففي مراحل حكمهم الأولى يكتفون بالدعوة والمشاركة، وبمجرد وصولهم لدرجة كافية من القوة يُظهرون مبدأ (الُمغالبة)، بـ (القوة)، ثم (التمكين)، أي السيطرة المُطلقة على الشعوب، وذلك ببساطة يعني، أنه من الصعب على البعض ـ إن لم يكن الكثيرين ـ إدراك حقيقتهم حتى مرحلة متأخرة، والتي قد تكون بعد فوات الأوان.. وفي النقاط التالية، التي جاءت في تقريرين نشرهما موقعا (الحرة) و(حفريات) لأهميتهما، سنتتطرق لقدرات هذه الجماعة الفكرية، وقدراتها التنفيذية والتيغ قد تفوق تصور الكثيرين.
■ القدرة على تغيير شكل المجتمع.. إذ استطاع الإخوان تغيير شكل كل المجتمعات الإسلامية تقريبًا، بعد دعوتهم المحمومة لحجاب النساء.. فبعد أن كان من المستحيل التفرقة بين المسلمين والمسيحيين واليهود، أصبحت معظم النساء المسلمات مُحجبات، وتم إعطاء صبغة جديدة لمجتمعات ودول تفوق المليار نسمة.. ولا يمكن أن ننسى هنا، كيف أن المطلب الأساسي الذي طلبه مرشد الإخوان حينما قابل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كان هو (تحجيب النساء!).
■ تغيُّر مفردات اللغة المستخدمة.. وهنا، لا يمكننا نسيان أن الشعب المصري ـ على سبيل المثال ـ نسى تقريبًا الكثير من المفردات التي كان يستخدمها، واستطاع الإخوان استبدال هذه الكلمات المعروفة بأخريات ذات بعد إسلامي. فتم استبدال (السلام عليكم) بدلًا من (مساء الخير)، و(جزاك الله خيرًا) بدل (شكرًا)، و"(لا إله إلا الله) بدلًا من (سعيدة) و(اي باي).. ومما لا شك فيه، أن تغير مفردات أساسية وتاريخية في المجتمع في غضون بضعة عقود فقط، هي قدرة تفوق التصور.
■ تغيير الاحتفالات المجتمعية.. حيث استطاع الإخوان، في فترة زمنية محدودة، أن يجعلوا عشرات الملايين يحتفلون بـ (العقيقة) بدلًا من (السبُوع)، وهو الاحتفاء بالمولود الجديد بعد أسبوع من ولادته!.. وحينما ندرك أن احتفالات الشعوب هو شيء تم توارثه عبر مئات السنين، إن لم يكن الآلاف!، وليس من السهل تغييره، ندرك مدى قدرة الإخوان في السيطرة على عقول الناس باستخدام الدين.
■ تغيير اهتمامات الشعوب.. على سبيل المثال لا الحصر، استطاع الإخوان، في بضعة عقود، تغيير اهتمام الكثيرين من (الثقافة) و(الموضة) و(الفن)، إلى قراءة كتب الفقه والاستماع إلى أو مشاهدة برامج شيوخ التطرف.. وأصبحت الكثير من المناقشات، إن لم يكن أغلبها، تدور حول أمور فقهية مثل (هل إظهار وجه المرأة حلال أم حرام؟)!، و(هل السلام على المرأة يُنقض الوضوء أم لا؟)، كما فعلها أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، في سوريا مؤخرًا، عندما امتنع عن مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية!!
■ تغيير المفاهيم الدينية.. كان من أخطر ما فعله الإخوان في العالم الإسلامي في العقود الماضية، هو تغيير مفهوم الدين البسيط والجميل، من محبة الله ومساعدة الآخرين، إلى أيديولوجيا تفهم الدين بحرفية تحبط العقل والضمير، وتجعل الطقوس الحركية أو أداء العبادات أهم من نقاء القلوب.. فبعد أن كان الحُكم على الناس بأعمالهم، أصبح الحكم بهل هم ملتزمون بالحجاب وبأداء حركات الصلاة أم لا؟، وأصبح أداء الحج والعمرة مرات عديدة أهم من (ربك رب قلوب).. وكان هذا التغير كارثيًا، وجعل الإخوان وأعوانهم يسيطرون على المشهد الديني تمامًا.
■ استخدام الدين للسيطرة على المال.. فمن العوامل الرئيسية التي ساعدت الإخوان على فرض سيطرتهم الفكرية والدينية في أنحاء كثيرة من العالم، قدرتهم على استخدام الدين لجمع المال.. فهم من جعل الكثيرين يُعرِضُون عن بنوك الدولة بحجة أنها (ربا)، وبالتالي يتجهون إلى بنوكهم وشركات توظيف الأموال الخاصة بهم، لتمتلئ خزانة الإخوان وقادتهم بالمليارات من الدولارات، مما ساعدهم على نشر فكرهم.
■ السيطرة على أوروبا.. إذ أدرك الإخوان أن السيطرة على أوروبا، تكمن في السيطرة على المساجد والمراكز الإسلامية، وبالتالي السيطرة على قاعدة انتخابية إسلامية ضخمة، تجعلهم قادرين على الضغط السياسي علىا الحكومات الغربية في أكثر من اتجاه.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل وصل الأمر أنهم بسطوا نفوذهم بقوة على تركيا وقطر، من خلال قيادتيهما المواليتين لهم، حتى يتمكنوا من التحكم في كمية الغاز الذي يصل إلى أوروبا من هذه الدول، وبالتالي يضغطوا على الحكومات الغربية لتنفيذ أجندتهم، والتي قد تمكنهم، في النهاية، من الهيمنة على صناعة القرار في قارة بأكملها، لتخدم مصالحهم وأهدافهم.
■ محاولة السيطرة على الولايات المتحدة الأمريكية.. فقد أدرك الإخوان أن عدد المسلمين في أمريكا لن يسمح لهم باستخدام نفس التكتيك الذي استخدموه في أوروبا، فعدد المسلمين في الولايات المتحدة لا يتجاوز الواحد في المئة.. وهنا تتجلى خطورة الإخوان وقدرتهم الفائقة على التكيُّف، ففي أمريكا تغير الأسلوب والتكتيك، إلى عقد شراكة مع الليبراليين اليساريين، لاستغلال قوتهم ونفوذهم في شتى المجالات، برغم اختلافهم المُطلق معهم أيديولوجيًا، فالإخوان يريدون (دولة الشريعة)، والليبراليون يناصرون الحريات الشخصية.. هذا التناقض الصارخ لم يمنع الإخوان من التحالف معهم واستغلال عداوتهم للرئيس دونالد ترامب، وجهلهم بحقيقة الإخوان، حتى يصلوا في النهاية إلى تنفيذ مخططاتهم، بإسقاط العديد من الأنظمة العربية وغيرها، واستبدالها بنظامهم الإسلامي.
■ القدرة على التعامل، حتى مع الشيطان.. ليس أدل على ذلك، من التقارب الإخواني مع النظام الإيراني، بالرغم من موقفهم السلبي جدًا من المذهب الشيعي، والذيت تجلَّى في تحريض قياداتهم على المصريين الشيعة، مما تسبب في قتل عددٍ منهم.. ولكن، في قاموس مصالح الإخوان، فكل شيء يهون في سبيل السيطرة والتمكين، حتى لو كان الأمر سيجعلهم يصادقون ألد أعدائهم.. وقد تجلت هذه العلاقة الغريبة، في أن إيران الشيعية، كانت أول دولة تعترض بعد تركيا على اتجاه الإدارة الأمريكية، بتصنيف الإخوان كحركة إرهابية.
■ استخدام الإرهابيين لتنفيذ مخططهم.. ولا يحتاج الأمر إلى عبقرية لإدراك ارتباط الإخوان ببعض المنظمات الإرهابية، فهم الذين دعوا قاتلي الرئيس الأسبق، أنور السادات، لحضور احتفالات حرب أكتوبر، وهم من فتح قصر الرئاسة في مصر وقت حكمهم، على مصراعيه للكثير من المتطرفين الإسلاميين ودعاة الإرهاب.
ومن هذه النقاط يتضح لنا، أنا نتعامل مع منظمة أخطبوطية تصل أذرعها لمعظم بقاع العالم، وتستخدم فهمها الديني للسيطرة على الشعوب، وهي كما رأينا، قادرة على استخدام العديد من الوسائل لتحقيق أهدافها في السيطرة على العالم، وأقل ما يُقال عنها، أن خطورة (الأخطبوط الإخواني) تفوق تصور الكثيرين!.
●●●
وبالرغم من كل ما سبق، فإن (العنصر الإرهابي في جماعة الإخوان المسلمين، كان يرمي من غير شك إلى أن يؤول إليها الحكم، ولعلهم استبطأوا طريقة إعداد الرأي العام لتحقيق هذه الغاية عن طريق الانتخاب، فرأوا أن القوة هي السبيل إلى إدراك غايتهم).. هذا التوصيف، الذي ذكره المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، عن جماعة الإخوان، بينما أشار إلى طبيعة العنف المُتجذرة في التنظيم، يؤشر إلى غلبة مبدأ (القوة) و(الإرهاب)، لتحقيق الأهداف، السياسية والبرجماتية، لدى التنظيم الإسلاموي.
ولم يكن العنف حدثًا عرضيًا لدى جماعة الإخوان، بل كان يُلازمها منذ التأسيس عام 1928، سواء على المستوى النظري أو الحركي. فيما تورطت الجماعة وجناحها السري المُسلح في حوادث ووقائع عنف عديدة، منها اغتيال رئيس وزراء مصر في أربعينيات القرن الماضي، محمود فهمي النقراشي، ثم المستشار الخازندار، واللواء سليم زكي في الفترة ذاتها تقريبًا.. فضلًا عن محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954، إثر صدامهم مع ثورة يوليو 1952.. وسيرة العنف في تاريخ الجماعة لم تتوقف، حتى بعد وصولهم للحكم في مصر، وإخفاقهم في مشروع (التمكين)، الذي اصطدم برفض هائل للقوى المجتمعية والمدنية التي اصطفت ضدهم، عام 2013، فامتلأت الميادين في مدن ومحافظات مصر بهتافات: (لا للحكم المرشد).
ويمكن القول إن جماعة الإخوان قفزت على كل خطاباتها السياسية البراجماتية، ونجحت في عقد تحالفات مشبوهة، محلية وإقليمية ودولية، لتحقيق طموحاتها في السياسة والحكم، الأمر الذي رافق تاريخها الممتد لنحو تسعة عقود.. واللافت أن الإخوان مع تحالفهم المؤقت، المتكرر والتقليدي، مع الأنظمة، يضحى بعد فترة وجيزة عداءً وخصومة مريرة، ثم تتحول إلى مواجهة عنيفة ومحتدمة، بل ودموية، تصل إلى حد استخدام القوة المسلحة.. هذا ما حدث في فترة الحكم الملكي بمصر قبل عام 1952، ثم مع صعود عبد الناصر وانتهاء الملكية، وتكرر في حقب أخرى مختلفة، أحدثها ما كان منهم بعد ثورة الثلاثين من يونيو، ومازالوا.. فالمؤتمر الرابع لجماعة الإخوان المسلمين كان مخصصًا للاحتفال باعتلاء الملك العرش، وتجمع الإخوان عند بوابات قصر عابدين وهتفوا (نهبك بيعتنا.. وولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله).. ظل الإخوان، كما في كل تاريخهم، في حيز الدور الوظيفي لجهة قمع المعارضين والتشنيع ضدهم، مثلما حدث في صدام الملك وحزب الوفد الذي كان يمثل الأغلبية الشعبية، وقد نظمت الجماعات مظاهرات داعمة للملك تهتف (الله مع الملك)، في مقابل احتجاجات وتظاهرات الشعب التي تردد (الشعب مع النحاس)، في مفارقة تفضح النفاق الديني.
كما بلغت الأمور ذروتها، بعد الخلاف الذي نشب، نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، بين الوفد والإخوان؛ حيث إنه، عام 1946، تم تعيين إسماعيل صدقي باشا رئيسًا للحكومة، والمعروف عنه بأنه (جلاد الشعب).. وعندما زار الأخير مقر الجماعة في منطقة الحلمية الجديدة، وقتذاك، وقف قيادي بالجماعة مهنئًا إياه قائلًا، ﴿واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد﴾.. ولم تكن هذه الاستعارة القرآنية، التي لا تحتاج إلى تأويل، سوى لحظة قصوى من استدعاء الدين، الذي يتحول لدى الجماعة إلى مجرد أداة للدعاية السياسية.
ومع هذا، فإن الشقاق، لاحقًا، بين الإخوان والملك ليس حدثًا استثنائيًا، والصدام العنيف والدموي له محطات عديدة ورئيسية.. بيد أنه قبل أن نستأنف سيرة العنف وفضح النفاق والمزايدات الدينية، التي يتم توظيفها لحسابات سياسية، يبدو أن سخرية الرئيس جمال عبد الناصر من الإخوان، أو بالأحرى المرشد، حسن الهضيبي، عندما طالبه بفرض الحجاب الإلزامي على نساء مصر بعد نجاح الثورة في 1952، كانت تتجاوز موقفه المُنفتح من الدين ورفض الإكراهات الدينية، إلى فهمه حقائق الجماعة وأغراضها المباشرة والانتهازية، التي تسعى لنشر التمييز وخطابات العنف والكراهية، وأن يكون الزي ضمن أمور أخرى لتحقيق الانتماء على أساس الدين وليس الوطن، وفرض هوية قسرية تمزق الوحدة المدنية والمواطنة.
وقد مرت العلاقة بين الإخوان والضباط الأحرار بعدة مرحل، منذ ليلة 23 يوليو 1952 وحتى حادث المنشية فى 26 أكتوبر 1954، بل ربما نستطيع أن نقول إن العلاقةا كانت سابقة على ليلة 23 يوليو، كما يقول المفكر والباحث في التاريخ والوثائق، عماد أبو غازي.. فقد سعى عبد الناصر للاتصال بالجماعة فى مرحلة تكوين تنظيم الضباط الأحرار، مثلما اتصل بغيرها من التنظيمات والجماعات السياسية، كما أن عددًا من قيادات تنظيم الضباط الأحرار كانوا على صلات متفاوتة بالجماعة، فى مراحل مختلفة قبل نجاح حركتهم.. وفي مقال بعنوان (حكاية الإخوان ويوليو.. من التحالف إلى الصدام الدموى)، يوضح أبو غازي، أن (العلاقة الودية استمرت بين الجماعة والضباط الأحرار ظاهريًا، على الأقل فى الشهور الأولى التالية لنجاح الحركة، وإن كانت البيانات التى صدرت بعد ذلك، تشير إلى محاولات الإخوان فرض وصايتهم على ضباط يوليو، حيث طالبوا بضرورة عرض القرارات الكبرى عليهم قبل إعلانها!.. ورفض مجلس قيادة الثورة هذه المحاولات، دون أن تنقطع حبال الود بين الطرفين،.. فعندما شكل محمد نجيب وزارته الأولى فى 7 سبتمبر 1952، خلفًا لوزارة على ماهر، ضمت الوزارة الشيخ الباقورى وزيرًا للأوقاف، وكان مجلس قيادة الثورة على استعداد لأن يمنح الإخوان ثلاث حقائب وزارية، إلا أن الخلاف حول الأسماء، أدى إلى الاكتفاء بالشيخ الباقورى فقط، الذى سارعت الجماعة بفصله بعد دخوله الوزارة!).
وجاء الصدام الأول المكشوف بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة في يناير 1954، وعلى وجه التحديد في يوم الثاني عشر من يناير، وهو يوم الاحتفال بالشهداء في الجامعة، فقد أعدّ طلاب الإخوان للاحتفال بهذا اليوم، وقرروا أن يفرضوا سيطرتهم على الاحتفال، وقاموا بالدخول للجامعة ومعهم (نواب صفوي)، الثائر الإيراني وأحد قادة تنظيم فدائي إسلام، ووقعت اشتباكات بين الطلاب من الإخوان وطلاب منظمة الشباب الموالين لمجلس الثورة، واتهم الإخوان يومها بالتآمر لزعزعة استقرار البلاد، ويبدو أن هذا اليوم كان ينتهي في كل عام، بتوجيه الاتهام لمجموعة بالعمل ضد الثورة!.. ففي عام 1953 تم توجيه الاتهام للقائم مقام، رشاد مهنا، ومجموعة من الضباط والمدنيين باستغلال احتفال الجامعة بشهدائها لإحداث فتنة واضطراب.
يشير تقرير للاستخبارات البريطانية، إلى أنه بعد وصول الضباط الأحرار إلى مواقع السلطة والسيطرة والنفوذ، كانت هناك تحذيرات جمّة ومخاوف من وصول جماعة الإخوان للحكم.. ووفق الوثائق المنشورة فإنه (لو وضع الجيش الإخوان في السلطة، فإنهم يملكون سلاحًا نفيسًا لا يقدر بثمن، يتمثل في كتائبهم التي لم يتم، كما هو معروف، حلها أبدًا، ولا تزال تملك كميات كبيرة من الأسلحة، لم تُستخدم بشكل كامل في منطقة القناة).. فيما عدّ التقرير هذه الكتائب (عنصر يمكنه بسهولة قلب الموازين في أيّ صراع على السلطة لمصلحة الإخوان ).
إذًا.. يبدو تتبع مسارات العنف لدى جماعة الإخوان أمرًا سهلًا وموثقًا، سواء في تاريخها السياسي والتنظيمي، أو حتى في أدبياتها، حسبما يوضح الباحث العراقي المتخصص في قضايا الإسلام السياسي، عقيل حبيب، (إن جماعة الإخوان دائمًا ما تلجأ إلى سلاح الدين نظريًا وعمليًا، والذي يتحول إلى خطاب تعبوي تحريضي على العنف والقتل.. فالإخوان، وعلى مدار عشرات السنين، لم تتوقف عن الانخراط في هذه الدائرة المُتشنجة؛ فقد اعتبروا جمال عبد الناصر ينتمي إلى الـ "جاهلية" أو "بربرية ما قبل الإسلام"، لمجرد أنه لا يتماهى مع نطاق رؤيتهم، السياسية والأيدولوجية، بل حاولوا اغتياله).. ووفق عقيل، فإن الإخوان بعد ما عرف بـ (الربيع العربي)، طوروا تقنيات الحرب الإعلامية ضد خصومهم السياسيين، من خلال الاستعانة بحلفاء إسلاميين آخرين، كما صنعوا في مصر من خلال قوى سلفية، وأعضاء وقيادات سابقين في الجماعة الإسلامية، بحيث تكون وسيلة منهم لنفي، أو بالأحرى التملص من خطاب العنف.. لكن مع (وجود وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي الحديثة، التي يحفل أرشيفها بالعديد من الفيديوهات التي توثق مواقف الإخوان، كما غيرهم، التي حرَّضت ضد مواطنين عاديين، فضلًا عن مؤسسات الدولة وأجهزة الشرطة والجيش، فإن الحيل القديمة للدفاع عن أنفسهم، باعتبارهم أبرياء، تخفق في تحقيق نتائجها المرجوة).
●●●
■■ ويبقى القول..
بأن الخبراء والمختصون في الإسلام السياسي، أجعوا على أن جماعة الإخوان مثَّلت المرجع الشرعي للإرهاب، وقامت بتغذية خطاب الكراهية والتطرف منذ نشأتها، مؤكدين أن الجماعة لا تؤمن بفكرة الدولة الوطنية، وعملت بشكل كبير على هدمها لدى الشعوب العربية.. وفي ندوة (خطاب الكراهية والتطرف.. مدخل جديد)، التي عقدها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أكد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف حاليًا، أن خطاب التطرف والإرهاب تُغذيه على مدار الأعوام الماضية أربعين تيارًا متشددًا، في مقدمتها جماعة الإخوان، وما تفرع عنها من جماعات إرهابية ومتطرفة.. وأوضح أن التيارات المتطرفة تدور حول خمسة وثلاثين مفهومًا، منها الحاكمية والجاهلية والتكفير وغيرها.. وتحاول هذه التيارات إيجاد تفسيرات مغلوطة لهذه المفاهيم، دون أن يكون لها أي مرجعيات شرعية صحيحة.. وقد أشار إلى أن سيد قطب، وهو أهم مُنظِّري التنظيم، استند إلى فكرة التكفير في تكفير الجميع، كما روَّج لفكرة جاهلية المجتمعات المسلمة، حتى أنه كررها في كتاباته أكثر من ألف مرة، موضحًا ـ الأزهري ـ أن فكرة الولاء والبراء لدى تيارات التطرف، تقوم على رفض فكرة الوطن الذي تعتبره أحد مرتكزات التكفير.. فالإنسان ـ في نظر قطب ـ لا يكون كامل الإيمان، إلا إذا تبرأ من وطنه وعاداه!!.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق