منذ سنوات.. وبالتحديد منذ انتقل معرض القاهرة الدولى للكتاب إلى موقعه الجديد.. لم أذهب إلى هناك.. لكن الكتب تطاردنى أينما حللت.. شهوة القراءة لا يغلبها عندى سوى شهوة اقتناء الكتب.. فرحى باقتناء كتاب جديد حتى لو لم تتوافر لى فرصة القراءة فى التو واللحظة.. أمر ممتع ومريح للأعصاب.. لا أعرف بالتحديد متى بدأت هذه العادة تتملكنى.. فقد كنت صغيرًا جدًا وعندما أعطانى مدرس الفصل أول كتاب فى حياتى هدية.. من يومها.. أنا والكتب أصحاب.. ريحة الورق تثير عيونى.. لا أستطيع قراءة الكتاب إلكترونيًا.. للورق رائحة تأسرنى ولا أستطيع مفارقتها.
أيام قليلة تفصلنا عن المعرض.. كتب الأصدقاء وما أكثرهم خرجت من المطابع بالفعل.. الأغلفة التى رأيتها حتى الآن تغرينى بالذهاب إلى هناك.. ورغم كونى قلصت مجالات القراءة، فإن العناوين التى تتوالى يوميًا ويعلن عنها المبدعون والناشرون لا تقبل أى فلترة.. صحيح أن أسعار الكتب مؤخرًا تجبرنا على ترتيب أولويات الشراء، لكنها حتمًا تكسر أى قرارات اتخذتها بتحجيم ما أقتنيه.. الأصعب أنه لم يعد بحوزتى مكان يستوعب أى كتب جديدة.. تكدست الكتب فى كل موضع من شقتى وصارت سببًا للعراك مع أصحاب البيت.. فماذا أفعل بالجديد الذى سأشتريه ومتى يمكننى القراءة؟
أحيانًا أشعر بأننا نحتاج لأعمار إضافية حتى لا تفوتنى هذه المتعة.
أيام قليلة تفصلنا عن أهم حدث ثقافى فى مصر.. اعتدت أن أستظل به فى طرقات القاهرة الغريبة.. ما زلت أتعامل مع المدينة على أنها ترانزيت.. مكان مؤقت أسافر فيه.. ثلاثون عامًا مضت وأنا أنتظر تلك اللحظة التى أحمل فيها كتبى وأعود من حيث أتيت.
هذا المعرض تحديدًا هو أول ما ارتبطت به فى هذه القاهرة الواسعة.. كنت طالبًا فى ثانوى.. وجاء بى زميل دراسة إلى مدينة نصر.. أبناء قريته الذين يدرسون فى الأزهر هم من وجهوا لنا الدعوة للحضور والبقاء معهم لعشرة أيام كاملة نقضيها بين جنبات المكتبات ومعروضاتها.. ومن يومها وكأننى أستعيد تلك الرحلة سنويًا حتى لو لم أذهب إلى هناك.. يكفى أن يعلن أحد الأصدقاء أنه هناك فى حفل توقيع ينتظر أن نراه وأن نتشارك فرحة ننتظرها.. فرحة صدور كتاب جديد.
لا أعرف لماذا قررت وزارة الثقافة أن تستبق المعرض وتعلن عن تكريم المبدعين المصريين فى يوم الثقافة.. لماذا لم يجعل الوزير هنو ذلك اليوم من بين أيام المعرض؟
جميل أن يكون لدينا يوم للثقافة.. جميل أن نتذكر مبدعينا.. والأجمل أن يحدث ذلك وهم على قيد الحياة.. لكن الأجمل هو أن نحافظ على ما لدينا.. والمعرض هو واحد من الفعاليات الأكثر تأثيرًا وحضورًا فى مصر.. صحيح أن الاهتمام به لم يعد مثلما كان.. صحيح أن المكان الجديد يخلو من الروح وتشوب ملامحه نزعة بلاستيكية.. هذا هو إحساسى به ولا أعرف السبب.. لكن فى كل الأحوال نحن فى حاجة لاستعادة روح المعرض.. وأظنها ستعود إن استعدنا الفعاليات الجادة التى لازمت بعض سنواته فى تسعينيات القرن الماضى.. مناظراته الكبرى.. حواراته.. ضيوفه العرب الكبار.. نحن الآن وفى هذه اللحظة بالذات فى حاجة إلى عودة الاشتباك الحقيقى للياليه وأمسياته.. هل يعود الوزراء إلى لقاء الجماهير.. هل يعود السياسيون لمناقشة قضايا الإقليم ومستقبله فى ظل التحديات التى تحاصرنا.. هل يعود من نحسبهم فى خانة المختلفين إلى منصات الندوات والمناظرات؟ وهل يتم ذلك على الهواء مباشرة، وما أكثر قنواتنا؟
كلنا ندرك أننا فى أيام فارقة.. وأن العالم يتغير من حولنا.. وأننا فى قلب ساحة الصراع.. وأن ما كان بالأمس يختلف تمامًا عما هو فى قادم السنوات.. فهل نستشرف معًا ما ينتظرنا وكيف نعبر إليه بأمان من خلال نخبتنا التى ننتظر وجودها فى هذا المعرض؟
نعرف أن حراكًا جيدًا يحدث فى ساحة الأحزاب هذه الأيام حتى وإن اختلفنا فى وجهات نظرنا حول ذلك الحراك.. الحوار الوطنى الذى بدأ منذ فترة أفرز العديد من الأسئلة التى لا تزال تبحث عن إجاباتها.. ثمة رغبة فى إتاحة مناخ سياسى جديد وفاعل.. وعلى المثقفين فى هذا البلد أن يسارعوا إلى اصطياد هذه اللحظة والاشتباك معها فهل يكون المعرض بوابة رجوع المثقفين إلى المشاركة فى المجال العام؟. هذا ما أرجوه وأنتظره.
0 تعليق