دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- خَلُصت مراجعة بحثية صارمة حول العلاقة بين الفلورايد والذكاء لدى الأطفال، استغرقت تسع سنوات، إلى أنّ ارتفاع مستويات الفلورايد، يخفّض من معدل الذكاء لديهم.
واستنتجت المراجعة إلى أنّ كل زيادة لجزء واحد بالمليون في نسبة الفلورايد بالبول، تُعتبر طريقة قياس جميع مصادر الفلورايد التي يستهلكها الشخص، وارتبطت بتراجع نقطة واحدة تقريبًا في معدل ذكاء الطفل.
رغم أنّ أثرًا كهذا قد يبدو صغيرًا بالنسبة لشخص واحد، إلا أن عواقبه كبيرة على نطاق أوسع، وفق مؤلفي الدراسة، لا سيّما بالنسبة لمن هم عرضة للخطر بسبب عوامل مثل الفقر والتغذية.
وكتبواالباحثون في استنتاجاتهم أنّ "انخفاض معدّل الذكاء بمقدار 5 نقاط لدى السكان من شأنه أن يضاعف تقريبًا عدد الأشخاص المصنّفين بإعاقتهم الذهنية".
وأجرى العلماء الدراسة، التي نشرت في مجلة JAMA Pediatrics، الإثنين، في إطار البرنامج الوطني لعلم السموم التابع للحكومة، الذي يقيّم المواد الكيميائية وغيرها من المواد التي يتعرض لها الناس، مثل إشعاع الهاتف الخليوي، من حيث قدرتها على الإضرار بالصحة.
استُهلّت الدراسة في عام 2015، وخضعت لجولات عديدة من المراجعات إلى حدّ اتهمها بعض النقاد بأنها تهدف إلى تأخير الإصدار للعموم.
وكانت المراجعة الكاملة نُشرت كدراسة مطوّلة في أغسطس/ آب، وفي سبتمبر/ أيلول، أصبحت الدراسة أساساً لحكم أصدره قاض فيدرالي يأمر وكالة حماية البيئة الأمريكية بالمزيد من تنظيم الفلورايد لحماية النمو الفكري لدى الأطفال.
وكتب قاضي المقاطعة الأمريكية إدوارد تشين في حكمه: "ببساطة، الخطر على الصحة عند مستويات التعرض في مياه الشرب بالولايات المتحدة مرتفع بما يكفي لإثارة استجابة تنظيمية من قبل وكالة حماية البيئة"، بموجب القانون الفيدرالي.
في نوفمبر/تشرين الثاني، تصدر روبرت كينيدي جونيور، الذي اختاره الرئيس المنتخب دونالد ترامب لمنصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة، عناوين الأخبار بعدما وصف الفلوريد بأنه عبارة عن "نفايات صناعية"، وتعهّد بأنّ إدارة ترامب ستنصح المرافق بالتوقف عن إضافة (الفلورايد) إلى المياه العامة.
ما هو الفلورايد؟
الفلورايد معدن طبيعي نجده في التربة، والصخور، والمياه، بدرجات متفاوتة. وهو نتيجة ثانوية لإنتاج الأسمدة أيضًا. وكانت العديد من المدن أضافت الفلورايد إلى مياه الشرب المعالجة منذ عقود لحماية الأسنان من التسوس، وذلك بناء على توصية المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC)، ومنظمة الصحة العالمية.
يمكن للفلورايد عند غسل الأسنان به وقف التسوس المبكر عبر إعادة المعادن إلى مينا الأسنان. ويجعل الأسنان أكثر مقاومة للأحماض، ويتداخل مع قدرة البكتيريا على تآكل الأسنان.
في بعض الأماكن، لا سيّما المناطق التي تحتوي على مياه آبار غنية بالفلورايد بشكل طبيعي، كان الأطفال يحصلون على الكثير من الفلورايد لدرجة أنه ترك خطوطًا وبقعًا على أسنانهم، وهي حال تُسمى تسمم الأسنان بالفلور.
في عام 2015، خفضت وزارة الصحة والخدمات البشرية في الولايات المتحدة (HHS) مستويات الفلورايد الموصى بها في مياه الشرب.
وكرّرت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها قناعتها بالفوائد الصحية للفلورايد في عام 2015، ووصفت فلورة المياه بأنها واحدة من "أعظم 10 إنجازات للصحة العامة في القرن الحادي والعشرين".
رغم ذلك، رأى خبراء الصحة البيئية أنّ الوكالات الصحية بحاجة إلى إعادة تقييم مخاطر وفوائد الفلورايد، بسبب سمّيته العصبية المحتملة.
وكتب الدكتور بروس لانفير، عالم الأوبئة والأستاذ بجامعة سيمون فريزر في كندا، تعليقًا على الدراسة الجديدة غير المشارك فيها: "الأدلة كافية. لكنها غير نهائية".
وفي تعليق منفصل على الدراسة، شكّك الدكتور ستيفن ليفي، أستاذ طب الأسنان الوقائي والمجتمعي في جامعة أيوا، باستنتاجات البحث وطريقة تقديم JAMA Pediatrics لها، إذ أنّ الدراسة بعينها لا تتحدث عن جولات المراجعات والتأخير في إصدارها للعامة.
وقال ليفي إن مجرد نشر التحليل التلوي للدراسات البشرية لا يمنح القارئ سياقًا مهمًا حول الدراسات التي أجراها البرنامج الوطني لعلم السموم على الحيوانات، الذي لم يجد أي انخفاض واضح في التعلم والذاكرة لدى القوارض المعرضة لمستويات منخفضة إلى متوسطة من الفلورايد.
وأشار إلى أن جميع الدراسات البشرية المشمولة في المراجعة كانت من دول خارج الولايات المتحدة، وأنّ مؤلفي الدراسة صنّفوا غالبيتها على أنها معرّضة لخطر كبير للتحيز.
وكتب ليفي: "هكذا، رغم تقديم بعض الأدلة على وجود علاقة محتملة بين معدل الذكاء ومستويات الفلورايد العالية في الماء، ليس هناك من دليل على وجود أثر سلبي عند مستويات الفلورايد المنخفضة المستخدمة عادة في أنظمة [فلوريد المياه المجتمعية]".
واتفق مؤلفو الدراسة معه في هذه النقطة.
وفي بيان، أفاد هؤلاء أنه ليس لديهم بيانات كافية لمعرفة ما إذا كان مستوى الفلورايد الموصى به لمياه الشرب يتمتع بأي أثر على معدل ذكاء الأطفال.
نتائج الدراسة
تتضمن المراجعة الجديدة 74 دراسة من 10 دول. وتأتي غالبية الدراسات، وعددها 45، من الصين، حيث لاحظ الباحثون لأول مرة اختلافات في الذكاء بين المجتمعات المعرضة لمستويات عالية من الفلورايد، وتلك التي لم تتعرض لها.
اختار الباحثون أساليب كل دراسة، مع النظر في عوامل مثل:
عمر الأطفال المشاركين كيفية اختبار نسبة الذكاء لديهم كيفية قياس الباحثين لمدى تعرضهم للفلورايد ما إذا قدروا ذلك بمقاييس أقل دقة مثل كمية الفلورايد بالماء حيث كانوا يعيشون أو ما إذا استخدموا قياسات أكثر دقة مثل الاختبارات المعملية للفلورايد في البول.ونظرت بعض أقوى الدراسات، من كندا والمكسيك، في قياسات الفلورايد ببول النساء الحوامل ثم قامت باختبار معدل ذكاء أطفالهنّ بعد سنوات.
قسّم الباحثون البيانات إلى ثلاثة تحليلات تلوية، أو دراسات.
وفي دراستهم الأولى، التي شملت نحو 21000 طفل من 59 دراسة، وجدوا اختلافات كبيرة في معدل الذكاء بين الأطفال الذين لديهم أعلى وأقل تعرض للفلورايد. سجل الأطفال الذين تعرضوا لأعلى مستويات الفلورايد حوالي 7 نقاط أدنى في اختبارات الذكاء ممّن تعرّضوا لأدنى مستويات الفلورايد. وعندما حصر الباحثون تحليلهم في الدراسات ذات الجودة الأعلى فقط، ظل الفرق قائمًا، رغم أنه لم يكن كبيرًا: حوالي 3 نقاط في معدل الذكاء.
وفي تحليل ثانٍ للدراسات التي أجريت على قياسات مستوى الفلورايد في البول والماء على مستوى المجموعة، وجد الباحثون انخفاضًا يزيد قليلاً عن نقطتين في معدل الذكاء بين أعلى وأدنى مستويات الفلورايد. وعندما قصروا تحليلهم على الدراسات الأربع التي تتمتع بأقل قدر من التحيز في بياناتها، وجدوا أن الأطفال الذين يشربون الماء الذي يحتوي على 2 جزء في المليون من الفلورايد لديهم درجات معدل ذكاء أدنى بنحو 5 نقاط، في المتوسط، مقارنة بالذين كانوا يشربون الماء من دون التعرض لمستويات أدنى. وعندما نظر الباحثون إلى مستوى الماء أقل من 1.5 جزء في المليون، لم تكن هناك اختلافات كبيرة في معدل الذكاء.
في مجموعة من أربع دراسات ذات مخاطر منخفضة للتحيز، أبلغت عن قياسات على مستوى المجموعة للفلورايد في البول، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين لديهم أقل من 1.5 جزء في المليون بالبول لديهم، وهو مقياس لجميع المصادر التي يستهلكونها وليس الماء فقط، كانت درجات معدل الذكاء لديهم أقل بحوالي نقطة واحدة في المتوسط من أولئك الذين تعرضوا لمستويات أدنى من الفلورايد.
في التحليل التلوي النهائي للدراسات التي أبلغت عن قياسات فردية للفلورايد في البول ودرجات معدل الذكاء لدى نحو 4500 طفل، وجدوا أن زيادة جزء واحد في المليون بالفلورايد كانت مرتبطة بانخفاض قدره 1.63 في درجة الذكاء.
رابط متسق
لفت لانفير إلى أن اتساق النتائج مذهل في كل هذه التحليلات، قائلًا: "الأطفال الذين تعرضوا لمستويات أعلى من الفلورايد، سواء تم قياس ذلك بالتسمم بالفلور، وهو نوع من المقياس الخام، أو الفلورايد في الماء أو الفلورايد في البول، وجدوا دليلاً ثابتاً على أن التعرض العالي كان مرتبطاً بانخفاض معدل الذكاء".
0 تعليق