دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لكل طبق حكاية في مطعم "تكية" المعاصر، الذي يقع في الدرعية التاريخية، ويعود تاريخه إلى 600 عام في العاصمة السعودية، الرياض.
وقالت هديل المطوع، التي شاركت بتأسيس المطعم في عام 2019: "ستتمكن من التنقّل في جميع أنحاء السعودية أثناء جلوسك فيه، وهذا ما أطمح إليه".
وتستلهم المطوع قائمة الطعام من الطهي المنزلي التقليدي الذي نشأت عليه، ومن رحلاتها في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية وخارجها.
وبعدما اختبرت العلاقة العميقة بين الطعام والثقافة، أرادت المطوع "إعادة العلاقة ذاتها إلى أرض الوطن، لإنشاء مساحة حيث يمكن للناس إعادة اكتشاف جمال المطبخ السعودي".
وبعد خمس سنوات، غالبًا ما يبرز مطعمها الأول في المنشورات المحلية كأحد أفضل المطاعم في المدينة، وقد سُلط عليه الضوء من قبل دليل المطاعم الدولي "50 Best" ضمن قائمة المطاعم التي يجب أن تكون على رادار المسافرين.
إعادة اكتشاف المطبخ السعودي
وتشغل المملكة العربية السعودية غالبية مساحة شبه الجزيرة العربية، وتبلغ مساحتها 2.15 مليون كيلومتر مربع، وتضم الجبال، والصحاري، والهضاب الصخرية، ويعكس مطبخها العديد من المناطق.
وعلى سبيل المثال، تشتهر المنطقة الشرقية بالمأكولات البحرية، مثل "المحمّر"، وهو طبق مكون من السمك المقلي مع الأرز المحلّى بالسكر، ويُعتبر بمثابة طبق تقليدي شائع بين البحّارة.
ومن ناحية أخرى، في المنطقة الشمالية من البلاد، حيث تكون درجات الحرارة أكثر برودة، وتنخفض إلى ما دون الصفر خلال فصل الشتاء، تركّز الوصفات التقليدية على الحبوب واللحوم، مثل "الجريش" الشعبي، وهو حساء لحم ضأن يُضاف إليه القمح المطحون والزبادي.
وتلعب مكونات مثل الزعفران، والهيل، والتمر دورًا بارزًا في جميع أنحاء البلاد، وغالبًا ما تُقدم الوجبات مع الخبز المسطّح واللبن.
ومن خلال التحدّث مع آخرين حول افتتاح مطعم سعودي معاصر، أدركت المطوع أنه حتى داخل المملكة العربية السعودية، كان العديد من الناس غير ملمّين بالنطاق الكامل للتراث الطهوي لبلادهم، إذ أوضحت: "كانت تلك الشرارة التي بدأت منها فكرة تكية".
وقد بدأت المشروع بزيارة كل ركن في المملكة، من المناطق الساحلية إلى الشمال الجبلي، بهدف دراسة أصول الأطباق، والمكونات، وتقنيات الطهي.
وشكّلت اكتشافاتها قائمة طعام "تكية"، التي تقدّم مجموعة مختارة من الأطباق في أجزاء مختلفة من البلاد، بما في ذلك "الجريش" من الشمال.
وأكدّت المطوع: "أريد أن يكون لدي فهم أعمق للوجبة، أريد أن يخبرني شخص ما بقصة عنها، وهذا ما نحاول نقله هنا".
تهيئة المشهد لفن الطهي
لا يزال مشهد تناول الطعام في المملكة العربية السعودية جديدًا نسبيًا، ولكن في العقد الماضي، شرعت المملكة في العديد من مشاريع التطوير الكبرى، بما في ذلك الاستثمار الضخم في قطاع التجزئة الخاص بأسلوب الحياة، في محاولة لتحفيز الاقتصاد، وجذب الأعمال، والسياح الدوليين.
ويُعد "تكية" واحدًا من بين العديد من المطاعم ضمن مشروع "بوابة الدرعية" الذي تبلغ تكلفته 63.2 مليار دولار، ويتضمن مساحة لتناول الطعام تمتد لـ15 ألف متر مربع بجوار موقع حي الطريف المدرج ضمن قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي.
وقد افتتح طهاة حائزون على نجمة ميشلان، بما في ذلك جويل روبوشون، ودانييل بولود، وآلان دوكاس، مطاعم في السعودية، ما يشير إلى تحوّل في السوق من المقاهي والوجبات السريعة إلى المأكولات الراقية والأطعمة العالمية.
وتجلب مبادرات مثل "مهرجان فيست للطعام السعودي" وبرنامج "حاضنة أعمال فنون الطهي" نكهات جديدة إلى البلاد، في حين تهدف جهود مثل مشروع الإرث الطهوي إلى الحفاظ على الوصفات التقليدية.
أما الأطعمة التي يقدمها المطعم، فتُعد بالنسبة إلى المطوع، وسيلة لاستكشاف الهوية الثقافية، ومزج القديم بالجديد، والتقاليد مع الابتكار.
ورغم حداثة المنطقة وسط مدينة الرياض ذات الأبراج الشاهقة، إلا أن البلاد بحسب المطوع "لا تزال على اتصال وثيق بجذورها"، مضيفة أنها "حديثة من الخارج، ولكن عندما تنظر بعمق إلى الداخل، ستجدها موجهة نحو الثقافة".
مزج التقاليد والحداثة
رغم أن الوصفات التقليدية لم تمس في "تكية"، إلا أن الطعام يقدّم بلمسة عصرية. وأكدّت المطوع على أن كل طبق يجب أن يعكس أولاً النكهات الأصلية قبل إعادة ابتكاره ليناسب الأذواق الحديثة.
وقالت: "إذا نظرت إلى الأطباق، ستجدها حديثة وجذابة. ولكن بمجرد تجربتها والتعمق في قصتها، ستجدها أصيلة للغاية"، موضحة: "نحن نحافظ على الوصفات التي توارثناها عن أسلافنا".
وعلى سبيل المثال، تحتل التمور، وهي أحد أكثر المكونات شهرة في السعودية، مركز الصدارة في الأطباق المالحة والحلوة. ويمكن تقديمها على شكل دبس السكر لمرافقة طبق ساق الضأن المطهو لأكثر من 10 ساعات، أو إقرانها باللبن الرائب المتبّل وخبزها كمعجّنات.
وتأمل المطوع أن يختبر رواد مطعمها، سواء من السكان المحليين أو الزوار من الخارج، تنوع المطبخ السعودي، وتحفيز إلهامهم لمواصلة استكشاف البلاد.
0 تعليق