25 مارس 2025, 12:27 صباحاً
تبرز خلال شهر رمضان المبارك عادات اجتماعية خاصة، منها موائد الإفطار الجماعي التي تجمع المسلمين في أجواء إيمانية عامرة، ولعل من أشهرها بالمدينة المنورة سُفر الإفطار بالمسجد النبوي الشريف، التي تظل رمزًا للأصالة والتراث الإسلامي العريق.
وتتكون هذه السُّفر المباركة من عناصر بسيطة لكنها تحمل في طياتها إرثًا يمتد إلى العصر النبوي، حيث تضم التمر أو الرُّطب، واللبن، والخبز، والدَّقة المدينية.
وأوضح الباحث في تاريخ المدينة المنورة ومعالم السيرة النبوية عزالدين المسكي، أن هذه المكونات ليست وليدة العصر الحديث، بل تضرب بجذورها في عمق التاريخ الإسلامي، إذ كانت تُعلق عذوق الرُّطب في المسجد النبوي ليستفيد منها الفقراء والمحتاجون، كما جاء في الحديث الشريف: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مِنْ كُلِّ حَائِطٍ بِقِنْوٍ لِلْمَسْجِد" (صحيح ابن خزيمة)، إضافة إلى ما أورده الطبراني في معجمه "قدم وفد من ثقيف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، فضرب لهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا معه"، وكذلك ما رواه ابن إسحاق: وحدثني عيسى بن عبدالله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي، عن بعض وفدهم. قال: كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما بقي من رمضان، بفطرنا وسحورنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
كما ذكر البراء بن عازب رضي الله عنه: "كَانَتِ الْأَنْصَارُ تُخْرِجُ إِذَا كَانَ جِدَادُ النَّخْلِ مِنْ حِيطَانِهَا أَقْنَاءَ الْبُسْرِ، فَيُعَلِّقُونَهُ عَلَى حَبْلٍ بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ” (سنن ابن ماجه), وقال "المسكي" إن اجتماع الخبز، واللبن الرائب، والتمر، والزبد في سفرة واحدة، قد خلدته الأشعار القديمة، كما جاء في أبيات الجاحظ التي وصف فيها هذا المشهد ببلاغة رائعة: ألا ليت خبزًا قد تسربل رائبًا … وخيلًا من البرني فرسانها الزبد (البخلاء للجاحظ).
أما الدَّقة المدينية التي تُعد أحد أبرز عناصر السُّفرة الرمضانية في المدينة المنورة، فهي ليست مجرد إضافة حديثة بل تُعرف منذ القرون الأولى بنفس الاسم والمكونات، وتتكون من الملح والأبازير، وأشار إليها محمد بن الحسن الأزدي (المتوفى سنة 321هـ) بقوله: "والدقة: التوابل من الأبزار مثل القزح وَمَا أشبهه. القزح: الكزبرة الْيَابِسَة, وَقَالَ قوم: الدقة: الْملح وَمَا خلط بِهِ من أبزار." (جمهرة اللغة).
يُذكر أن هذا الإرث العريق لمائدة الإفطار الرمضانية في المسجد النبوي جعلها تتجاوز حدود المدينة المنورة، لتصل إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي، حيث تجد في أغلب المساجد والموائد الرمضانية هذه المكونات الأصيلة التي لا تزال حاضرة، شاهدةً على تراثٍ ممتدٍّ وروحٍ إسلاميةٍ متجددة.
0 تعليق