إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍۢ
سورة إبراهيم ٤٧
صادفت هذه الآية القرآنية خلال الأيام الماضية عشرات المرات على صفحات السوشيال ميديا، مصحوبة بمشاهد الدمار، التى خلفتها حرائق الغابات بلوس أنجلوس الأمريكية، فى استعلان صريح من ناشريها للشماتة فى المنكوبين!.
وهى شماتة فى غير محلها لعدة أسباب:
أولًا: معظم آيات الانتقام فى الفلسفة الإسلامية تأتى فى سياق طمأنة المظلومين ومواساة المستضعفين، فقد جاء فى كتب التفسير:
﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ﴾
فلا تحسبن- أيها الرسول- أن الله يخلف رسله ما وعدهم به من النصر وإهلاك مكذبيهم. إن الله عزيز لا يمتنع عليه شىء، منتقم من أعدائه أشد انتقام. والخطاب، وإن كان خاصًّا بالنبى صلى الله عليه وسلم، فهو موجَّه لعموم الأمة.
ثانيًا: هل استحق الضحايا الشماتة؟
سكان كاليفورنيا بشر مسالمون، رجال ونساء وأطفال من ديانات مختلفة، يتعرضون لمأساة إنسانية تستوجب التعاطف، فقد أُخرجوا من ديارهم وشُردوا، وأحرقت منازلهم، فخسروا سكنهم وسكينتهم؛ لم تُفرق النيران بين مسيحى ومسلم وبوذي، أصابتهم جميعًا البلوى وكلهم مكروبون.
ثالثًا: لماذا فسر البعض ما يحدث فى أمريكا بأنه قصاص إلهى عادل لأهل غزة؟
ما شأن سكان كاليفورنيا بما يحدث فى غزة؟! هل أصدروا وعد بلفور؟! هل حرضوا أو شجعوا أو أسهموا بأى شكل كان فى ما يحدث الآن من فظائع فى غزة؟!
الإجابة بالطبع لا، بل إن أغلبهم متعاطف مستنكر لما يحدث من انتهاكات إنسانية بحق الشعب الفلسطينى، وقد تابعنا على شاشات الأخبار خروج مظاهرات حاشدة على مدار العام الماضى فى العديد من الولايات الأمريكية، رفضًا لسياسات البيت الأبيض الداعمة للاحتلال الإسرائيلى. ولم يقتصر الرفض على الشعب الأمريكى، بل امتد داخل الإدارة الأمريكية التى شهدت استقالة ١٢ مسئولًا اتهموا بايدن بغض الطرف عن المجازر الإسرائيلية فى غزة.
رابعًا: إذا سلمنا بأن ما يحدث فى كاليفورنيا انتقام إلهى وليس كارثة طبيعية، فلابد أن نتساءل: هل ضلت ملائكة العذاب طريقها إلى تل أبيب فأحرقت لوس أنجلوس؟ وأى إله هذا الذى يحرق الأبرياء عقابًا لأنظمة بلادهم!.
خامسًا: إذا كانت الكوارث الطبيعية أحد تجليات الانتقام الإلهى، فلماذا كان زلزال الحوز بالمغرب وعاصفة درنة بليبيا وزلزال ٩٢ بمصر؟! علمًا بأن ضحايا النكبات السابق ذكرها كان أغلبهم من فقراء المسلمين!.
لماذا أنزل الله بطشه على أرض الحجاز المقدسة فى مارس عام ١٠٦٨ بزلزال خلف أكثر من ٢٠ ألف ضحية؟!.
سادسًا: يُفسر المسلمون المصائب التى تحل بهم بأنها اختبار من الله، يُثاب عليها الصابرون من عباده؛ قال تعالى: {ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} «البقرة: 155-157».
أما إذا حلت البلوى بغيرهم، فيحسبونها انتقامًا إلهيًا وينتشون بآلام الأبرياء، متناسين أن الشماتة ليست خُلُقًا دينيًا ولا إنسانيًا، بل إنها تخالف روح الإسلام، وروحه محبة وسلام ورحمة.
0 تعليق