أكد سياسيون وخبراء فلسطينيون أن خطة اليوم التالى للحرب فى قطاع غزة يجب أن تشمل توحيد الصف الفلسطينى وإنهاء الشقاقات، خاصة مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الإفراج عن الأسرى والمحتجزين.
وقال الدكتور جهاد ملكة، الكاتب والمحلل السياسى الفلسطينى، إن اتفاق وقف إطلاق النار جاء كدلالة على أنه بات هناك نوع من القناعة لدى حماس وإسرائيل، خاصة لدى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، أنهم لن يستطيعوا تحمل الضغوطات الكبيرة لاستمرار القتال.
وأوضح «ملكة»، لـ«الدستور»: «من ناحية حماس، فالخسائر كبيرة ولم يعد لديها المزيد من القوة لتغيير الواقع الأليم فى قطاع غزة بعد احتلاله كليًا، ومن ناحية نتنياهو فإن بقاء المحتجزين الإسرائيليين بيد حماس والمقاومة يشكل عليه ضغوطات داخلية كبيرة».
وواصل: «أما عن الضغوطات الخارجية، فأبرزها ظهور الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب كطرف جديد فى عملية الضغط على نتنياهو، بما لديه من أوراق قوة لن يتردد فى استخدامها ضد نتنياهو فى حال تعطيله الاتفاق، كما كان يفعل فى السابق طوال فترة الرئيس جو بايدن».
وحول نجاح وقف إطلاق النار واستمراره، قال: «الاتفاق فى حال تنفيذ مرحلته الأولى والقاضى بعودة أكثر من مليون نازح فلسطينى إلى بيوتهم، سيخلق صعوبة موضوعية لعودة الحرب من قبل إسرائيل».
وحول سيناريوهات اليوم التالى للحرب فى غزة، رأى أنه «موضوع معقد ومفتوح على عدة احتمالات، ويعتمد بشكل كبير على نتائج الحرب نفسها، وعلى التفاعلات الإقليمية والدولية، فقد سلم وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، ما أسماه «خطة اليوم التالى لحرب غزة»، التى جرى تجهيزها من قبل إدارة بايدن، إلى إدارة الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب وإلى شركائه الأوروبيين، وهى تتضمن خطوطًا عريضة لمستقبل غزة بعد انتهاء الحرب، وتمثل مزيجًا من الجهود الإنسانية والدبلوماسية والاستراتيجية الأمنية، وهى تهدف إلى إدارة الوضع فى غزة بعد الحرب وضمان عدم التصعيد مستقبلًا، مع العمل على تعزيز الاستقرار السياسى فى المنطقة بشكل عام».
وذكر أن من أهم عناصر هذه الخطة، التى من الممكن أن يتبناها العالم، وضع ترتيبات أمنية جديدة؛ لضمان وقف إطلاق النار بشكل مستدام، والتأكد من عدم إعادة تسليح الفصائل الفلسطينية فى غزة، وإيجاد دور دولى أو إقليمى فى الإشراف على تنفيذ الأمن، بما فى ذلك احتمال نشر قوات دولية فى غزة للمساعدة فى استقرار الوضع، ومواصلة الضغط على حركة حماس، باستخدام الأدوات الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية لمنع أى تصعيد عسكرى آخر.
وتابع: «تتضمن الخطة أيضًا الدعم الاقتصادى لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة فى غزة، مثل المدارس والمستشفيات والمرافق العامة، بتمويل مشترك بين الولايات المتحدة وحلفائها، بما فى ذلك الدول العربية والمؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظماتها، ودعم السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية لتعزيز السيطرة السياسية على غزة ومنع حماس من زيادة نفوذها».
وأكد: «الحذر لا يزال مهمًا، خاصة مع تذكر مواقف نتنياهو فى الماضى، مثل ما فعله بعد توقيع (تفاهم واى ريفر- واى بلانتيشن) فى ٢٣ أكتوبر ١٩٩٨، بين منظمة التحرير وحكومة دولة الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو، برعاية الولايات المتحدة ورئيسها بيل كلينتون، وهو تفاهم لإعادة انتشار قوات الاحتلال فى المرحلة الثالثة وفقًا لاتفاق ١٩٩٥، ضمن اتفاق إعلان المبادئ.. حينها وما إن وصل نتنياهو إسرائيل، أعلن من أرض المطار أنه لن ينفذ أى شىء مما جرى الإعلان عنه».
وأوضح أن مناورة نتنياهو، بالتراجع عن «تفاهم واى ريفر» هى انعكاس حقيقى لرؤيته الفكرية، بأن تحالفه الحكومى هو المقدس السياسى وليس الاتفاقات السياسية، خاصة مع الفلسطينيين، لذلك يجب على الوسطاء، وخاصة مصر، الحذر الشديد- وبعد توقيع تفاهمات الدوحة برعاية أمريكية- من أن تراجع نتنياهو هو الأساس والتنفيذ هو الشاذ؛ لذا على الأطراف الضامنة أن تدرك ذلك، وتبحث مبكرًا عن آلية تطويق خاصة، دون ذلك سنكون أمام حرب جديدة بأى ذريعة كانت.
من جهته، قال الدكتور محمد جودة، الكاتب والمحلل السياسى الفلسطينى، إنه بعد الإعلان رسميًا عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل بعد ٤٦٦ يومًا من الحرب الوحشية على قطاع غزة، دفعت غزة فيها عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين وتدمير قرابة الـ٩٠٪ من قطاع غزة أصبح لزامًا على حركة حماس التفكير جديًا وإعادة النظر فى مدى صوابية إدارتها حكم غزة والواقع السياسى للقطاع بعد هذه الحرب.
وأوضح «جودة»: «اليوم التالى للحرب على غزة يحمل معه أعباء وتحديات تتجاوز حجم الدمار المادى الذى خلفته القذائف والصواريخ، فقطاع غزة ليس فقط أرضًا منكوبة تعانى من الحصار والدمار والحرب، بل هو أيضًا مسرح لصراعات سياسية وأجندات إقليمية ودولية متشابكة.
وأشار إلى أن الحرب شارفت على الانتهاء باتفاق لوقف إطلاق النار، لكن جذور الأزمة تبقى حاضرة، ما يجعل التهدئة هشّة ومستقبل القطاع غامضًا.
وذكر أن الحرب التى عاشتها غزة أعادت تأكيد هشاشة الوضع الإنسانى، إذ يعيش أكثر من مليونىّ نسمة فى ظروف صعبة بسبب الحصار المفروض منذ عام ٢٠٠٧، خاصة أن حجم الدمار الذى لحق بالمنازل والبنية التحتية يزيد من صعوبة الحياة اليومية، ما يجعل من إعادة الإعمار أولوية ملحة، ومع ذلك، فإن هذا الملف، كما هو الحال فى كل مرة، لا يخلو من تعقيدات سياسية، وفى رأيى أن الأطراف المختلفة، سواء الفلسطينية أو الإقليمية أو الدولية، تسعى لاستغلال هذه المرحلة لتعزيز مصالحها.
وأضاف أن مصطلح اليوم التالى ما بعد الحرب هو مصطلح سياسى ظهر فى خضم الحرب على قطاع غزة، والمقصود فيه طبيعة وشكل العلاقة المستقبلية بين الاحتلال الإسرائيلى ومنظوره إلى قطاع غزة من الجانب السياسى ومن سيحكم القطاع ومن سيديره، إضافة إلى الجانب الجغرافى ويتعلق بشكل وطبيعة جغرافية قطاع غزة ما بعد الحرب.
ولفت إلى أن الرؤية الأمريكية المعلن عنها لليوم التالى للحرب على غزة مبنية على فكرة إعادة قطاع غزة إلى الحالة التى كان عليها ما قبل سيطرة حركة حماس عليه عام ٢٠٠٧، ليكون إلى جانب الضفّة الغربيّة تحت سيطرة السلطة الفلسطينيّة، فيما تقوم السلطة بكل ما يلزم لإعادة إدارة القطاع فى اليوم التالى للحرب.
وأكد أن الحرب الحقيقية هى تلك الحرب السياسية التى تتبلور ما بعد الإعلان عن وقف الحرب الميدانية، لأن كل طرف من الأطراف يبدأ فى البحث عن مجالات استثمار لنتائج الحرب.
وأضاف أن المطلوب من حركة حماس وفصائل المقاومة إعادة النظر فى حكم قطاع غزة من خلال التوافق مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، لإدارة القطاع والتخلى عن سياسة الحكم السابقة، من خلال التراجع عن أحداث العام ٢٠٠٧ وما فعلته حماس من انقلاب عسكرى، مؤكدًا: «شعبنا فى قطاع غزة وبعد ١٥ شهرًا من هذه الحرب الدموية وبعد كل هذه المعاناة يجب أن يعيش بأمن وسلام وتحت مظلة حكومة فلسطينية تستطيع تغيير واقعه، وتكون قادرة على توفير كل ما يلزمه من مقومات الحياة وسبل العيش الكريم والاستقرار على أرضه وفى وطنه بأمن وسلام».
وأوضح: «مطلوب من المجتمع الدولى، بدلًا من أن ينصب تركيزه على تقديم المساعدات الإنسانية، أن ينظر لمعالجة جذور المشكلة سياسيًا بالدرجة الأولى، حتى لا يترك قطاع غزة عالقًا فى حلقة مفرغة، ولذلك فليس المطلوب من المجتمع الدولى أن يصدر للشعب الفلسطينى بيانات الإدانة والوعود بالمساعدات، ولكن عليه أن يخطو خطوات جادة للدفع باتجاه حل سياسى دائم للصراع مع إسرائيل».
وتابع: «فى ضوء هذه المعطيات، يظل مستقبل غزة مرهونًا بتغيرات جذرية فى النهج السياسى على كل المستويات، فالوحدة الوطنية الفلسطينية تبدو شرطًا أساسيًا للخروج من هذا المأزق، إلى جانب ضغط دولى حقيقى على إسرائيل لإيجاد حل سياسى يحقق الاستقرار».
0 تعليق