السبيل – خاص
صعّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عمليات هدم في الضفة الغربية والقدس، حيث أقدمت قوات الاحتلال خلال اليومين الماضيين على هدم عشرات المنشآت في مناطق متفرقة من الضفة، في مشهد يعكس تصعيدًا غير مسبوق في سياسة التهجير القسري بعد توقيع اتفاق وقف الحرب في غزة.
وفي مخيم جنين؛ أعلنت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية اليوم الأربعاء، عن تدمير نحو 60 منزلًا منذ بدء العدوان الحالي، في ظل عدوان عسكرية متواصل يستهدف تفكيك كتيبة جنين، أحد أبرز تشكيلات المقاومة في الضفة.
وبحسب تصريحات مسؤولين في جيش الاحتلال؛ فإن الحملة العسكرية قد تستمر لأشهر بهدف “تحييد الكتيبة بالكامل”، ما يشير إلى مخطط لإحداث تغيير ديمغرافي وأمني في المخيم، وتحويله إلى منطقة غير قابلة لاحتضان المقاومة مستقبلًا.
وفي باقي أنحاء الضفة؛ شملت عمليات الهدم اليوم وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، تدمير أربعة منازل في الخليل، وخمسة في أريحا، إلى جانب منشآت في بيت لحم وسلفيت. أما في القدس، فقد هدمت بلدية الاحتلال “مصلى التقوى” في قرية صور باهر، ضمن حملة ممنهجة تستهدف المنشآت الدينية، في محاولة لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على المشهد الديني في المدينة المقدسة.
الأبعاد السياسية للهدم بعد وقف الحرب
يأتي هذا التصعيد في سياق سياسي حساس، إذ وقع بعد توقيع اتفاق وقف الحرب في غزة، وهو ما يطرح تساؤلات حول أهداف الاحتلال من تسريع عمليات الهدم والتهجير القسري في الضفة والقدس.
يمكن تحليل هذا التصعيد من خلال عدة زوايا:
1- تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية
تسعى حكومة الاحتلال إلى فرض واقع جديد على الأرض عبر تكثيف عمليات الهدم، خاصة في المناطق التي تشهد نشاطًا للمقاومة.
ويأتي هدم المنازل في جنين ضمن استراتيجية أوسع لتفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة وإضعاف قدرتها على إعادة تنظيم صفوفها بعد انتهاء الحرب في غزة.
2- تعويض اليمين الإسرائيلي عن خسائر الحرب
تعرضت حكومة الاحتلال لضغوط داخلية كبيرة بعد توقيع اتفاق وقف الحرب، خاصة من التيارات اليمينية المتطرفة التي اعتبرت أي تهدئة بمثابة “تنازل للمقاومة”.
وبالتالي، فإن تصعيد عمليات الهدم في الضفة والقدس قد يكون محاولة لامتصاص غضب المستوطنين والجماعات اليمينية، عبر التأكيد على استمرار السياسة الاستيطانية والقبضة الحديدية في الضفة.
3- إعادة رسم الخريطة الديمغرافية
استمرار هدم المنازل في القدس والضفة الغربية يعكس نية الاحتلال لتفريغ المناطق الفلسطينية من سكانها، تمهيدًا لتوسيع الاستيطان وفرض واقع جديد يتماشى مع مخططات الضم غير المعلنة.
وتكشف الأرقام أن الاحتلال هدم خلال عام 2024 وحده أكثر من 900 منشأة فلسطينية، وأصدر مئات الإخطارات الجديدة بالهدم، في مؤشر واضح على استمرار سياسة التطهير العرقي الممنهج.
التداعيات المحتملة
قد يؤدي هذا التصعيد الإسرائيلي إلى تفجر الأوضاع في الضفة الغربية مجددًا، خاصة مع حالة الغليان الشعبي التي تراكمت خلال الحرب الأخيرة على غزة.
وقد يخلق استمرار عمليات الهدم والتشريد القسري، موجة جديدة من المقاومة، سواء عبر تصاعد المواجهات في المدن الفلسطينية، أو من خلال تنشيط عمليات المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.
كما أن التصعيد يضع المجتمع الدولي أمام اختبار جديد، خاصة مع استمرار غياب أي إجراءات رادعة لوقف هذه الجرائم.
ورغم الإدانات المتكررة، إلا أن الاحتلال يواصل تنفيذ سياساته دون أي اعتبار للقوانين الدولية، مستفيدًا من حالة العجز الدولي، ومن الدعم السياسي والعسكري الذي يحظى به من قبل الدول الكبرى.
إن تصعيد عمليات هدم المنازل في الضفة والقدس يعكس استراتيجية احتلالية تهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض بعد وقف الحرب في غزة.
وبينما تحاول حكومة الاحتلال استغلال هذا التصعيد لتعزيز قبضتها الأمنية والسياسية؛ فإن الأوضاع على الأرض قد تنفجر في أي لحظة، خاصة مع استمرار الانتهاكات التي تدفع بالمزيد من الفلسطينيين إلى خيار المقاومة كسبيل وحيد للدفاع عن وجودهم وحقوقهم.
0 تعليق