علاقة المؤشرات والأرقام بأداء الأفراد وأثرها على المؤسسات

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. أحمد السرحني

في عالم المؤشرات والأرقام والإحصاء أو ما يعرفه المتخصصون في علم الاقتصاد خاصة، تبدو الأرقام وكأنها تملك القوة المطلقة التي من المستحيل التخيل الاستغناء عنها والتي يعرفها صناع القرار بالعمود الفقري لنجاح المؤسسات، فالمؤشرات والإحصائيات تحكم وتقيّم الأداء، وتحدد النجاح، وترسم مسار التقدم من عدمه والذي تسعى له كل مؤسسة تطمح للنجاح، وتميز المؤسسة عن غيرها من المؤسسات، لكن أحيانًا قد يكون هذا التركيز الشديد على الأرقام والمؤشرات بمثابة سيف ذي حدين إن لم ينتبه له صناع القرار، كما يقال في المثل المعروف «من زاد عن حده انقلب ضده»، إذ إن هذه المؤشرات قد تحدث إنهاك موظفي الخدمة لا سيما الذين يعملون في الصفوف الأمامية خاصة وموظفي المؤسسات الخدمية العامة، فتجعلهم أسرى لمعادلات رياضية ومؤشرات أداء بعيدة عن واقع العمل اليومي في المديريات، والهيئات، والدوائر، والأقسام، رغم أن الأرقام والمؤشرات أصبحت مهمة للغاية في نجاح الرضا للمستفيدين، ونجاح المؤسسة كاملة.

إذ لا يمكن إنكار أهمية مؤشرات الأداء ولا يمكن أن يختلف عليه اثنان في أهميتها، فهي تمثل بوصلة مؤشر تحدد وتوجه مسار العمل في المؤسسات الخدمية من الدرجة الأولى للمسار من خلال الكشف عن نقاط الضعف ونقاط القوة بالمؤسسة الخدمية لا سيما في التنافس الشديد والتطور والتقدم الإداري والتكنولوجي السريع، مما يساعد في تحديد المشكلات والتحديات وأماكن في عملية تحسين وتطوير الأداء، كما تضمن هذه المؤشرات الكفاءة والجودة عبر توفير قياس دقيق لجودة الخدمات المقدمة ومدى رضا المستفيدين منها لا سيما توجه الحكومة بالاهتمام بقياس جودة الأداء الفردي والمؤسسي على حد السواء، وبفضل البيانات المستندة إلى مؤشرات الأداء، تستطيع الإدارات اتخاذ قرارات مبنية على حقائق واضحة ودقيقة من ميدان العمل، ما يسهم في تحقيق الأهداف الإستراتيجية طويلة المدى بشكل أكثر كفاءة وفعالية في بناء مؤسسة خدمية يشار لها بالبنان.

ولكن رغم الفوائد الكبيرة لمؤشرات الأداء والنسب المئوية والرسومات والأشكال البيانية التي تعتدها المؤسسة الناجحة في عملها التي تحويها، فإن التركيز المفرط عليها يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية وضغوطات نفسية لا تنتهي على الموظف خاصة، فعندما تصبح الأرقام هي الغاية الوحيدة التي تعتمد عليها المؤسسة في نجاحها، فقد يجد الموظفون نفسهم غارقين في بحر عميق من خلال الرياح العاتية والضغوطات النفسية والجسدية، فالسعي الدائم لتحقيق هذه المؤشرات يفرض عبئًا ثقيلًا على الموظفين الذين يعملون في الصفوف أو الخطوط الأمامية خاصة والمستفيدين بشكل عام، ما يزيد من مستويات التوتر والضغط النفسي عليهم، هذا الضغط المتواصل يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض معنوياتهم والتفكير في الانتقال من المؤسسة والتشتت الذهني، حيث يشعرون بأنهم مجرد مواد في آلة كبيرة، غير مقدرين أو معترف بهم كأفراد ذوي قيمة، ومع استمرار هذا الوضع، قد يصل العديد من الموظفين إلى مرحلة متقدمة من الاحتراق الوظيفي، ما يؤثر سلبًا على جودة الخدمات التي يقدمونها، غير أنه يجب البحث عن وسيلة لتحقيق التوازن بين الأمرين.

وللتغلب على هذه التحديات، لا بد من الابتعاد عن مقولة ميكافيلي التي تقول إن «الغاية تبرر الوسيلة» إذ إنه من الضروري أن تجد الإدارات توازنًا بين تحقيق المؤشرات والحفاظ على جميع الموظفين لا سيما مقدمي الخدمة من هم بالصفوف الأمامية (من يعكسون الصورة الحقيقية للمؤسسة)، فيمكن تحقيق ذلك من خلال خلق بيئة عمل داعمة تحترم احتياجات ومتطلبات ورغبات الموظفين العاملين بالمؤسسة، وتوفر لهم الدعم اللازم لتحقيق الأهداف دون تحميلهم أعباء لا يحتملونها، وذلك عن طريق إدخال تقنيات تقلل من الأعباء الإدارية، ما يتيح للموظفين التركيز على المستفيدين بصورة أكثر فعالية، كذلك يعد الحوار المستمر بين الإدارة والموظفين أساسًا لمفتاح النجاح، حيث يجب الاستماع إلى مقدمي الخدمة من الدرجة الأولى وفهم التحديات التي يوجهونها بصورة مستمرة وبشكل دوري، من أجل تعديل الأهداف لتتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم الفعلية، بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون مؤشرات الأداء متوازنة بين الكمية والجودة، مع التركيز على تكثيف الدورات والورش التدريبية لهم بالعمل ومشاركة البحوث التي قد يقومون بعملها من أجل عملية التطوير والتنمية المستدامة، وذلك لمواكبة التغير السريع في الإدارة على تحفيز الموظفين، وإدخال تقنيات تساعد في تقليل الأعباء الإدارية التي تواجههم بشكل يومي ومستمر، مثل النظم الإلكترونية لإدارة الملفات لكافة التعاملات، ويمكن أن يخفف من الضغوط اليومية، ما يتيح للموظفين التركيز بشكل أكبر على التعامل مع المستفيدين بفعالية.

كما أن مشاركتهم في اتخاذ القرار ومناقشتهم التحديات اليومية التي يوجهونها ووضع الحلول المناسبة لها أمر حتمي وواجب على الإدارات من عدم نسيانه، فإشراكهم في عملية اتخاذ القرار يعزز شعورهم بالانتماء والتقدير للمؤسسة خاصة وللوطن عامة، ما يحسن من بيئة العمل ويزيد من التزامهم بتحقيق الأهداف المنشودة التي تسعى لها الرؤية.

فخلاصة القول إن الأرقام والمؤشرات لا تمثل مسارًا غير صحيح، لكنها أيضًا لا تعكس منظومة المؤسسة بشكل متكامل ودقيق بنسبة 100%، فالتركيز الشديد على مؤشرات الأداء دون مراعاة الموظفين والذين هم أساس نجاح تلك المؤشرات قد يؤدي إلى آثار سلبية خطيرة على كل من الموظفين والمستفيدين على حد سواء، ومع ذلك، من خلال إيجاد التوازن المناسب بين تحقيق الأهداف الإستراتيجية والاهتمام برفاهية وتحفيز الموظفين، فإنه لا يجعل المؤسسات من تحقق أهدافها، بل أيضًا يضمن لها جودة عالية للخدمات المقدمة والتي تسعى الحكومة إلى تحقيقها من خلال تقييم رضا المستفيدين، فالإنسان يظل الأهم، وبدونه لن تكون هناك أرقام ومؤشرات لتحقيق درجة نجاحها، حيث إن الإنسان هو الرقم الأول والأخير والذي تبدأ الأرقام والمؤشرات الإيجابية منه وبه بالارتفاع وتحقيق النتائج المرجوة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق