تنظيم الأصول الافتراضية في عصر الاقتصاد الرقمي​​​​​​​

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
م. فادي سوداح

شهد قطاع الأصول الافتراضية تطورا متسارعا خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحت العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثريوم العنصر  الأساسي في النظام المالي العالمي. وبينما توفر هذه التقنيات فرصا جديدة للاستثمار والابتكار المالي، فإنها تثير أيضا مخاوف كبيرة تتعلق بمخاطر غسل الأموال، تمويل الإرهاب، والجرائم الإلكترونية. في مواجهة هذه التحديات، تم تنفيذ تقييمين وطنيين للمخاطر حول العملات المشفرة والأصول الافتراضية في العامين 2015 و2021، مع التخطيط لتقييم ثالث في العام 2026، وذلك بهدف تحديد المخاطر المرتبطة بالأصول الافتراضية وصياغة سياسات رقابية أكثر فعالية. كشف التقييم الوطني للمخاطر عن نمو ملحوظ في انتشار الأصول الافتراضية. حيث ارتفع عدد مقدمي خدمات الأصول الافتراضية Virtual Asset Service Providers (VASP) من أقل من 10 مؤسسات في العام 2018، إلى أكثر من 204 مؤسسات في  العام 2022. ورغم ذلك، فإن 180 من هذه المؤسسات لم تبلغ عن أي أنشطة مشبوهة، مما يثير تساؤلات جدية حول الامتثال التنظيمي.اضافة اعلان
وفقا لنتائج التقييم، فإن المخاطر المرتبطة بالأصول الافتراضية قد ازدادت منذ العام 2018، ومن أبرزها:
• الجرائم المالية والاحتيال: استخدام العملات المشفرة في عمليات الاحتيال المالي، الاستثمار الوهمي، والمخططات الهرمية. وصعوبة تتبع المعاملات بسبب الطبيعة اللامركزية للأصول الافتراضية.
• عدم الامتثال لقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب Anti-Money Laundering and Combating the Financing of Terrorism (AML/CFT): ضعف التزام بعض مقدمي خدمات الأصول الافتراضية بالإجراءات الرقابية. إضافة إلى عدم الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة من قبل عدد كبير من المؤسسات العاملة في هذا المجال.
• ضعف التعاون الدولي: عدم وجود تنسيق كاف بين الجهات التنظيمية حول العالم، مما يسمح للمجرمين باستغلال الثغرات القانونية بين الدول.
• التحديات التقنية في المراقبة: رغم أن تقنية البلوكشين توفر شفافية جزئية، إلا أنها تسمح باستخدام أدوات إخفاء الهوية مثل المحافظ غير المستضافة Unhosted Wallets وخدمات الخلط Mixing Services، مما يجعل تعقب المعاملات المشبوهة أكثر تعقيدا.
استنادًا إلى نتائج التقييم، أوصت السلطات السويسرية بعدد من الإجراءات لتعزيز الأمن في قطاع الأصول الافتراضية، من بينها:
• تحسين جمع البيانات وتحليلها: تطوير قاعدة بيانات مركزية لرصد وتتبع الأنشطة المشبوهة في قطاع الأصول الافتراضية.
• تعزيز الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة: إلزام المؤسسات المالية ومقدمي خدمات الأصول الافتراضية بتقديم تقارير دورية لوحدة الاستخبارات المالية Financial Intelligence Units FIU.
• تعزيز التعاون الدولي: توسيع التعاون بين الجهات التنظيمية حول العالم لتطبيق توصيات مجموعة العمل المالي Financial Action Task Force (FATF)، بفعالية كبيرة.
• الاستثمار في التكنولوجيا لمراقبة المعاملات: تبني تقنيات تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرات التحقق من الأنشطة المشبوهة على البلوكشين.
• تحديث الإطار التنظيمي: فرض معايير تسجيل وترخيص أكثر صرامة على مقدمي خدمات الأصول الافتراضية، لضمان الامتثال للمعايير المالية الدولية.
مع توسع سوق الأصول الافتراضية، يزداد الضغط على الجهات التنظيمية لوضع أطر رقابية أكثر صرامة. ويظل التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الابتكار المالي وضمان سلامة الأسواق من الاستغلال غير المشروع. تشكل التجربة السويسرية نموذجا رائدا في كيفية وضع سياسات رقابية متوازنة تضمن الاستقرار المالي، مع تقليل مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويمكن للدول الأخرى الاستفادة منها عبر تطوير تشريعات تتناسب مع التطورات التقنية المستمرة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق