كونوا مثل الراديوم!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أميرة صليبيخ


اكتشفت العالمة الشهيرة ماري كوري عنصر الراديوم عن طريق الصدفة، بعد أن أدركت أنه عنصر يختبئ في قلب عنصر اليورانيوم أو ما يسمى بالقطران الأسود، وتمكّنت من استخلاص 1 ملم فقط من هذه المادة المشعّة بعد أن أنفقت 4 سنوات من عمرها و4 آلاف طن من حجارة اليورانيوم التي كانت تنقل إليها من مناجم بلجيكا إلى فرنسا. وكان هذا الاكتشاف سبباً في منحها نوبل مناصفة مع زوجها، لتكون أول امرأة في التاريخ تنال نوبل، مؤكدةً للعالم بأسره مدى عبقريتها وهوسها بالعلم.

هذا الهوس بالعلم ليس بالأمر الغريب عليها. فقد نشأت في كنف عائلة تقدّس التعليم وسخّرت جهودها لنقل المعرفة للأطفال والنساء، في الوقت الذي كان فيه تعليم المرأة أمراً غريباً وشاذاً في منتصف القرن التاسع عشر.

ومع اكتشافها لمادة الراديوم المشعّة، بدأ اسمها في التوهّج أيضاً في الأوساط العلمية، وتوالت الاكتشافات والعلاجات التي يدخل الراديوم في صميمها، فظهر الطلاء المشعّ ومواد التنظيف ومواد التجميل المشعة، ودخل في تركيب المعجون والأطعمة والساعات والمواد العسكرية والماء أيضاً، حتى وصل الأمر إلى إصدار أغانٍ تمجدّ هذه المادة! كيف لا والراديوم يعالج السرطان وتمّ اعتباره مادة صحية يمكن تناولها في أقراص مثل الفيتامينات، قبل أن يتمّ لاحقاً اكتشاف آثاره الجانبية المُميتة.

المدهش في سيرة ماري كوري أو مدام كوري، ليس كونها أول امرأة تنال نوبل في التاريخ، وليس كونها أول امرأة تنال نوبل مرتين في تخصصين مختلفين، المدهش أنها نجحت في نقل وهج العلم الذي حملته من والدها مدرس الفيزياء والكيمياء إلى ابنتها إيرين التي حصلت على نوبل مناصفة مع زوجها هي الأخرى.

لقد كانت ماري كوري مثل الراديوم! ظاهرة فريدة من نوعها تتحدّى كل التقاليد المعروفة، وكلما وُضعت في الظلام -في محاولة لإقصائها وتقليص دورها في المختبرات وقاعات التدريس- كانت لاتزال برّاقة ومتوهّجة تضيء دروب الآخرين. تقول كوري عن الراديوم بأنه عنصر مفرد، نقي، رائع، فريد ولا يتصرف كما ينبغي! وربما هذا السبب الذي يفسّر هوسها بهذا العنصر الذي تشبهه. وقد كانت تحمله معها أينما ذهبت وتنام وهو بجانبها، وعندما توفيت كانت متأثرة بالإشعاعات التي تعرضت لها لسنوات طويلة منه.

ولايزال قبرها حتى اليوم يُصدر الإشعاع من جثتها لدرجة أنه تمّ تغطيته بالرصاص كإجراء احترازي، وستبقى هذه المادة تنبعث لغاية 1500 عام، ولكن سيبقى اسم مدام كوري أعظم علماء القرن العشرين مشعّاً حتى نهاية العالم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق