تونس: ارتفاع مقلق في عدد حالات الانتحار

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشهد تونس، في الفترة الأخيرة، تناميا مقلقا لعدد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار خاصة في صفوف الشباب، في مشهد يعكس أزمة اقتصادية ومعيشية وإحباطا اجتماعيا، وفقا لمختصين.اضافة اعلان


وكشفت دراسة حديثة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن ارتفاع مؤشر الانتحار، خلال شهر يناير/ كانون الثاني من السنة الحالية، بعد انخفاضه في الأشهر السابقة، حيث رصد فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي صلب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 12 حالة انتحار، انتهت بوفاة 8 أشخاص.


ولاحظ المنتدى في دراسة تلقت "سبوتنيك" نسخة منها، ارتفاعا لافتا لعدد حالات الانتحار عن طريق حرق النفس، التي تمثل 40% من مجمل الحالات، مشيرا إلى أن هذا الأسلوب تحوّل إلى "شكل احتجاجي على العائلة أو السلطة الأمنية أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي".

 

وبحسب المصدر ذاته، تمثّل فئة التلاميذ نصف عدد المنتحرين خلال شهر يناير، تليهم فئة الشباب فالكهول. وتتقدم محافظتا سيدي بوزيد والقيروان (الوسط الغربي للبلاد) على بقية المحافظات من حيث عدد الأشخاص الذين أقدموا على الانتحار.

ويرى المرصد أنه "لا يمكن دراسة هذا السلوك وتفكيكه دون فتح نقاش واسع وشامل يتم خلاله وضع ملفات المحرمات على طاولة النقاش خاصة في ظل ما تؤشر له هذه الظاهرة من مشاكل اجتماعية ومخاطر تهدد الصحة العامة للمواطنين".

أسباب متظافرة

وبالعودة إلى أسباب تنامي هذه الظاهرة، قالت الباحثة في علم الاجتماع، صابرين الجلاصي، لـ "سبوتنيك"، إن الأسباب تتباين بتباين الفئات العمرية والمستوى الاجتماعي والثقافي.


وتعزو الجلاصي ارتفاع مؤشر الانتحار في صفوف الشباب إلى ارتفاع نسب البطالة وغياب مقومات العدالة الاجتماعية والإحساس بالضيم الاجتماعي خاصة في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية التي ترتفع فيها مؤشرات الفقر، وهو ما يرفع من مستوى اليأس لدى هذه الفئات، على حد قولها.

 

وأضافت: "أما بالنسبة لفئة الكهول، فإن الأسباب التي تدفع بهم إلى هذا السلوك تعود أساسا إلى ضغوطات الحياة المعيشية اليومية التي تتفاقم بفعل غلاء الأسعار وتدني القدرة الشرائية وإحساسهم بالعجز عن احتواء العائلة وتلبية متطلباتها. وهو ما يدفع بهم إلى الانتحار الذي يترجم حالة الاغتراب النفسي والاجتماعي للمنتحر حيث يرى فيه الملاذ الوحيد للتخلص من الضغوطات التي يتعرض لها".


وتشير الجلاصي إلى وجود عوامل متظافرة ساعدت على انتشار حالات الانتحار في صفوف الأطفال والتلاميذ، من بينها انتشار حالات التنمر والوضع الاجتماعي المتدني، بالإضافة إلى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تسوق لصورة الحياة المثالية.
وتابعت: "من الأسباب المسكوت عنها والتي تدخل في قائمة المحرمات، هو تعرض بعض الأطفال إلى الهرسلة الجنسية حتى صلب عائلاتهم، وللأسف تحجم عائلات الضحايا عن الإفصاح عنها".

الانتحار يطارد الأطفال

بدوره، قال أستاذ علم الاجتماع سامي بن نصر، في تصريح لـ "سبوتنيك"، إن المجتمعات التي تعاصر الثورات تنتشر فيها ظاهرة الانتحار، مشيرا إلى أن التحول السياسي الذي عرفته تونس بعد الثورة خلق نوعا من الاغتراب في صفوف المواطنين.

ولفت بن نصر إلى أن الواقع الجديد أثث الأرضية لتنامي ظواهر مشابهة على غرار الهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت وظاهرة الإدمان على المخدرات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.


وأوضح: "الخيط الرابط بين هذه الظواهر هو الهروب من الواقع بعد فقدان جرعة الأمل، فالانتحار هو نتيجة تلقائية لحالة اليأس والإحباط. فليست من قبيل المصادفة مثلا أن نجد محافظة القيروان تتصدر طليعة المحافظات الأكثر تسجيلا لحالات الانتحار بالنظر إلى واقع المنطقة التي ترتفع فيها نسب البطالة بالتزامن مع غياب كلّي للمشاريع التنموية".


ونبّه أستاذ علم الاجتماع إلى خطورة تفشي هذه الظاهرة في صفوف الأطفال، مرجعا ذلك إلى ضعف التواصل الأسري وغياب الإحاطة النفسية لهذه الفئة التي ما تزال في طور التعلم ولم تكتسب بعد صلابة التعامل مع الضغوطات.


وتابع: "أثبتت دراسة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن مؤشر الانتحار لدى الأطفال انخفض بنسبة 40 في المئة في فترة العطل المدرسية.

 

وهذا يفسر أمرين أساسيين، أولهما نمط الدراسة التي تمتد لساعات تضاف إليها الدروس الخصوصية واللذان أصبحا مصدرا أساسيا للضغط النفسي والمادي لدى التلاميذ، تضاف إليهما شحنة الضغط التي ينقلها الوالدان إلى الأطفال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما يكشف أهمية التواصل الأسري.


ولفت بن نصر إلى أن فئة الأطفال تميل إلى التقليد، مستحضرا حادثة انتحار طفلة (11 سنة) شنقا تحت شجرة توت التي عقبتها 11 حالة انتحار بنفس الطريقة في صفوف الأطفال في الأشهر القليلة التي تلت الحادثة.

 

وفي الصدد، دعا بن نصر، إلى ضرورة توخي الحذر في التغطية الإعلامية لمثل هذه الظواهر وتجنب استنطاق عائلات الضحايا أو التركيز على طرق الانتحار التي يمكن أن تساعد على الترويج للانتحار.

ما الحلول؟

بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، يضع أكثر 720 ألف شخص حدا لحياتهم كل سنة، ويمثل الانتحار ثالث سبب للوفاة عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما. وتحدث 73% من هذه الحالات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.


وبيّن المختص في علم النفس الدكتور عبد الباسط الفقي، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن منظمة الصحة العالمية تُعرّف الانتحار على أنه حالة وبائية يمكن الوقاية منها وتُخصّص العاشر من شهر سبتمبر/ أيلول من كل سنة لإحياء اليوم العالمي للوقاية من الانتحار بوصفه ظاهرة تهدد الصحة العامة.


وأضاف: "تتشارك معظم الفئات المُقدمة على الانتحار في تونس في معطى واحد وهو الهشاشة التي تتفرع إلى هشاشة مادية تُلخّصها مثلا أحلام شاب عجز عن الزواج أو عن تلبية انظارات عائلته بسبب قلة ذات اليد، وهشاشة نفسية تتلخص في العجز عن مواجهة المشكلات والصمود أمامها. بمعنى أن المنتحر وصل إلى لحظة عجز أوحت له نظرا لنماذج سابقة بأن يضع حدا لحياته".


وقال الدكتور الفقي، إن جل الذين حاولوا الانتحار وتحدثوا عن هذه التجربة بعد إنقاذهم يضعون أنفسهم موضع الضحية، ويسعون إلى إشهار مظلوميتهم داخل المجتمع عن طريق العنف الموجه إلى الذات، وهو ما يفسر تواتر محاولات الانتحار حرقا.


ويرى الفقي أن الآباء والمربين وقادة المجتمع يمكن أن يساهموا في الوقاية من الانتحار أولا من خلال تأثيم فعل "العنف الموجه نحو الذات" مقابل تمجيد فعل المقاومة والصمود عوض تمجيد الانتحار.


وتابع: "الأصل في الشيء هو أن نتعلم منذ الصغر كيف نصمد أمام الصعوبات والمعضلات والتحديات عن طريق الاستفادة من النظام التعليمي القيمي والتنشئة الاجتماعية".


وشدد الفقي على ضرورة مقاومة العوامل المساعدة على الانتحار، مثل الاكتئاب والعزلة والفقر الشديد والضغوطات العائلية القاسية وتدعيم قدرة الأشخاص على التأقلم مع متغيرات الواقع. سبوتنيك

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق