غدير عودات.. مرضها بالثلاسيميا بوابة لتغيير حققته في مجتمعها

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- لا يحدد المرض مسار حياة الإنسان، بل إرادته في مواجهته هي التي تصنع الفرق. غدير عودات، شابة لم ترَ في إصابتها بالثلاسيميا عائقا، بل جعلت منه قوة دافعة لتحقيق النجاح ونشر الوعي، متجاوزة تحديات العلاج، والصورة النمطية السائدة عن المرض، والمجتمع الذي لم يكن دائما متفهما لواقعها. هي قصة كفاح، تحولت إلى مصدر إلهام. اضافة اعلان
- عندما يصبح المرض جزءًا من الحياة: ولدت غدير في 16 مارس 1993، وكانت آخر العنقود في عائلتها، ما جعل قدومها مليئا بالفرح. لكن سرعان ما بدأت تظهر عليها علامات تعب مستمر، وكان وجهها يميل إلى اللون الشاحب.
في عمر أربعة أشهر فقط، وبعد سلسلة من الفحوصات، تلقت العائلة خبرا لم تكن تتوقعه: "ابنتكم مصابة بالثلاسيميا". بالرغم من أن العائلة لم تكن تملك أي خلفية عن المرض، إلا أنهم لم يسمحوا للخوف بأن يسيطر عليهم. سارعوا لفهم طبيعة المرض والتكيف معه. 
وكانت العائلة على استعداد لفعل أي شيء لضمان حياة سعيدة لغدير، وهو ما جعلها تكبر وسط بيئة مليئة بالحب والدعم.
- كيف فرض المرض نفسه على حياتها؟ لم تكن الثلاسيميا مجرد حالة طبية، بل تجربة فرضت نفسها على تفاصيل حياتها اليومية. ورغم ذلك، لم تعتبرها غدير قيدا، بل تحديا تتعامل معه مثل أي شخص يعاني من مرض مزمن. 
تقول غدير: "أنا لا أراه مرضا، بل مرحلة من مراحل حياتي، وهو مستمر معي لكني لم أسمح له أن يتحكم بي".
مع ذلك، لم يكن الطريق سهلا. كان عليها الخضوع لعمليات نقل دم منتظمة، وهي تجربة مرهقة لكنها أصبحت جزءا من روتينها. أما التحدي الأكبر، فكان خضوعها لعملية زراعة نخاع العظم مرتين دون نجاح. 
في التجربة الثانية، عاشت عزلة طويلة داخل غرفة العزل الطبي، وخسرت شعرها بسبب العلاج الكيميائي. ورغم فشل العملية، خرجت منها بروح أقوى، قائلة: "لم أشعر بالخجل من فقدان شعري، بل رأيته مرحلة تثبت لي أنني قادرة على مواجهة كل شيء".
- التحدي الأكبر.. المجتمع وليس المرض: لم تكن مشكلة غدير مع المرض نفسه، بل مع نظرة المجتمع إليه. تقول: "الناس يعتقدون أننا مرضى ضعفاء، أو أننا سنموت قريبا، وهذا غير صحيح على الإطلاق".
واجهت مواقف عديدة تثبت قلة الوعي حول المرض. في المدرسة، منعت من المشاركة في بعض الأنشطة بسبب خوف المعلمات على صحتها، لكنها لم تقبل بأن يتم التعامل معها كحالة خاصة.  وحتى اليوم، ما يزال الوعي المجتمعي بالثلاسيميا ضعيفا، مما يزيد من معاناة المرضى، سواء بسبب نظرات الشفقة أو بسبب قلة توافر وحدات الدم، خاصة في أوقات معينة مثل رمضان وبعد جائحة كورونا.
هذا الواقع جعل غدير تدرك أهمية حملات التبرع بالدم، فبدأت بتنظيمها منذ صغرها، وأصبحت تشرح لزملائها عن المرض وتحثهم على التبرع.
- من مريضة إلى ناشطة في مجال التوعية: لم تكتف غدير بتجربتها الشخصية، بل قررت أن تكون صوتا لمرضى الثلاسيميا. انضمت إلى جمعية رعاية مرضى الدم والثلاسيميا الخيرية، حيث تشغل حاليا منصب أمينة الصندوق. 
وتسعى غدير من خلال هذا الدور إلى تحسين ظروف المرضى، خصوصا فيما يتعلق بتوفير وحدات الدم في المستشفيات.
أما على المستوى الشخصي، فقد استغلت منصات التواصل الاجتماعي لنشر الوعي، دون خجل أو تردد، متحدثة عن تجربتها بكل تفاصيلها، من عمليات نقل الدم إلى محاولات زراعة النخاع. 
وأرادت أن يكون صوتها أداة تغيير، وأن تثبت أن المرضى ليسوا ضعفاء، بل قادرين على تحقيق أحلامهم والعيش بحياة طبيعية. لم تكن جهود غدير بلا أثر حيث تلقت العديد من الرسائل من أشخاص كانوا في حالة يأس، لكن كلماتها منحتهم الأمل وغيرت نظرتهم للحياة.  كما تواصل معها مرضى عبر الجمعية أو في المستشفى، أخبروها بأن قصتها ألهمتهم لمواصلة رحلتهم مع العلاج دون خوف أو إحباط.
تقول: "عملية زراعة النخاع غيرتني كليا، جعلتني شخصا جديدا. لم أعد أرى المرض كعائق، بل كجزء من قصتي التي يمكن أن تساعد الآخرين".
تنظر غدير إلى المستقبل بعين الطموح. ترى نفسها بعد سنوات كشخص مؤثر في المجتمع، سواء من خلال التوعية الصحية، أو كمتحدثة في مؤتمرات حول الأمراض المزمنة وقصص النجاح. 
كما تطمح إلى تأسيس مشاريع تساعد مرضى الثلاسيميا في الحصول على العلاج بسهولة، وتحلم بأن تكون جزءا من تغيير حقيقي في مستوى الوعي الصحي بالمجتمع.
ومن أكثر القضايا التي تؤمن بها هي أهمية الفحص الطبي قبل الزواج. تقول: "من الأنانية أن يعرف الشخص أنه حامل للمرض ويتزوج من شخص مصاب، لأن الطفل سيدفع الثمن. لكن للأسف، الكثير من الناس لا يزالون يستهينون بالأمر".
وترى أن الفحص خطوة ضرورية، لكنها بحاجة إلى توعية أكبر، خاصة بين الشباب في المدارس والجامعات، حتى يدركوا خطورة المرض قبل أن يكونوا أمام الأمر الواقع.
حين يُسأل المرضى غالبا عن مصدر قوتهم، تكون الإجابات مختلفة من شخص لآخر، لكن بالنسبة لغدير، كان أهلها هم الداعم الأول. "أهلي هم السبب الأول في قوتي، وهم الذين جعلوني أرى مرضي كنعمة وليس نقمة".
وتختم حديثها برسالة لكل من تم تشخيصه حديثا بالثلاسيميا: "ابقوا أقوياء، المرض نعمة، وأفضل شيء يمكن أن يمنحكم إياه الله. لا تخجلوا منه، ولا تسمحوا له بأن يحدد مستقبلكم".
- جمعية مرضى الثلاسيميا في إربد: دعم طبي ونفسي: إلى جانب قصص النجاح الفردية، هناك جهود جماعية تبذل لدعم المرضى، من بينها جمعية مرضى الثلاسيميا في إربد، التي تعد الجهة الوحيدة في شمال الأردن التي تعنى بتقديم الدعم والرعاية لهذه الفئة. 
تأسست الجمعية العام 2008 وأعيد إحياؤها عام 2013 بجهود الدكتور موسى برقاوي، لتواصل عملها اليوم تحت قيادة الدكتور رياض النجار، الذي سخّر خبرته في طب الأطفال لخدمة المرضى ومساعدتهم على تجاوز تحدياتهم الصحية والاجتماعية.
- دور الجمعية في حياة المرضى:  تعمل الجمعية على تحسين جودة حياة مرضى الثلاسيميا، ليس فقط عبر متابعة احتياجاتهم الصحية، بل من خلال توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم ولعائلاتهم. 
وتدرك الجمعية أن المرض لا يقتصر على العلاج الطبي، بل يمتد إلى تحديات نفسية واجتماعية تحتاج إلى مواجهة، ولهذا تركز على تهيئة المرضى نفسيا للتعامل مع المرض والتكيف معه.
كما تلعب الجمعية دورا محوريا في تنظيم حملات التبرع بالدم، حيث يعتمد المرضى على عمليات نقل الدم المنتظمة للبقاء على قيد الحياة. 
وبسبب نقص التبرعات في بعض الفترات، مثل شهر رمضان وبعد جائحة كورونا، تسعى الجمعية إلى ضمان توفر الدم من خلال التعاون مع المستشفيات والمؤسسات الصحية، إضافة إلى حث المجتمع على التبرع.
إيمانًا بأهمية الوقاية، تعمل الجمعية على نشر الوعي حول الفحص الطبي قبل الزواج، باعتباره وسيلة فعالة للحد من انتشار المرض. ومن خلال التعاون مع المدارس والجامعات، تسعى الجمعية إلى توعية الشباب بأهمية هذا الفحص وتأثيره على مستقبلهم الصحي. 
كما تستفيد من منصات التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، ونقل رسائلها التوعوية بطريقة فعالة وسهلة الوصول.
 بعض الحالات تحتاج إلى زراعة نخاع العظم، وهي عملية معقدة تتطلب فحوصات دقيقة وتصل تكلفتها إلى أكثر من 100 ألف دينار أردني. 
وتساعد الجمعية المرضى في التقديم للحصول على الدعم اللازم من خلال جهات رسمية وجهات داعمة أخرى.
إلى جانب ذلك، تواجه الجمعية تحديات في التمويل، إذ تعتمد بشكل أساسي على التبرعات لاستمرار خدماتها، مما يجعلها بحاجة دائمة إلى دعم الأفراد والمؤسسات لضمان استمرارها في تقديم المساعدة للمرضى.
كما وتطمح الجمعية إلى توسيع نطاق خدماتها، ليس فقط في الجانب الطبي، بل أيضا من خلال خلق فرص عمل لمرضى الثلاسيميا، لضمان اندماجهم في المجتمع وتعزيز دورهم كأفراد قادرين على العطاء والإنتاج.
ومع كل تحد واجهته غدير، اكتشفت أن القوة الحقيقية لا تكمن في التغلب على المرض فقط، بل في القدرة على إلهام الآخرين والوقوف إلى جانبهم. 
اليوم، أصبحت غدير رمزا للتغيير، ليس فقط من خلال معركتها الشخصية، ولكن من خلال قدرتها على نشر الأمل وبث الوعي. تقول "معا، يمكننا أن نحقق التغيير في مفاهيم المجتمع، ونتحد لدعم مرضى الثلاسيميا ليعيشوا حياة مليئة بالفرص، ليس فقط التحديات. دعونا نكون جزءا من هذا التغيير، فكل خطوة تحدث فارقا".
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق