السلام الداخلي.. حينما تتحقق الطمأنينة وسط متاعب الحياة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - في عالم يزداد تعقيدا وتسارعا يوما بعد يوم أصبح السلام الداخلي مطلبا أساسيا للحفاظ على التوازن النفسي والعاطفي. 
يواجه الجميع تحديات وضغوطا متنوعة سواء كانت متعلقة بالعمل، أو العلاقات الاجتماعية أو التوقعات الذاتية.اضافة اعلان
 لذلك يأتي البحث عن السلام الداخلي الذي يعد حالة من الطمأنينة والرضا النفسي، حيث يشعر الإنسان بالراحة والسكينة بعيدا عن التوتر والقلق، إنه التوازن بين المشاعر والعقل والقدرة على التعامل مع ضغوط الحياة بثبات ووعي وهدوء. 
"السلام الداخلي ليس أمرا مستحيلا بل هو رحلة يومية تعتمد على الوعي والممارسة المستمرة للتصالح مع مفاجآت الحياة"؛ هذا ما تطمح إليه دينا (33 عاما) فمع صعوبة الحياة تعلمت وخاصة في الفترة الأخيرة أن تدرب نفسها على التقبل وعدم مقاومة الواقع، فالكثير من الضغوطات تأتي من رفض ما يحدث ومحاولة السيطرة على كل شيء، بينما يمكن أن يكون التأقلم والقبول خطوة مهمة نحو تحقيق السلام الداخلي.
عاشت مواقف قاسية أبعدتها حتى عن نفسها، فقدت خلالها راحة البال وباتت أسيرة للأفكار السلبية والوقوف عند بعض الأخطاء كما لو أن الحياة توقفت.
 خروجها من تلك الحالة لم يكن هينا لكنها مع ذلك قررت أن تستعيد ذاتها وتنهض معلنة تخطيها لكل ألم شوهها من الداخل واستنزفها، لذلك كانت خطوتها الأولى أن تسامح نفسها وتكون حرة من أي أخطاء أو تجارب سيئة مرت كما تعلمت أن تنظر بإيجابية لكل ما يحدث معها والتركيز على النعم والفرص المتاحة بدلا من المخاوف. 
أما رياض (47 عاما) فيرى أن السلام الداخلي هدف كل إنسان والوصول إليه يصبح ضروريا في أوقات التوتر والقلق عند الشعور بأن الضغوطات تتراكم لدرجة أنها تؤثر على الصحة.
 ويتابع القول،  إن الحاجة إليه عندما نجد أنفسنا في صراع داخلي بين ما نريده وما هو متاح أو عندما تتملكنا مشاعر الخوف وعدم اليقين بشأن المستقبل كما أن الحاجة إليه تزداد في الأوقات التي نشعر فيها بالإرهاق العاطفي وفقداننا لمعنى الحياة.
 ويبين أن الوصول للسلام الداخلي قد يأخذ وقتا لكن بالنهاية يمكن تحقيقه مع الإرادة والتحرر من العلاقات السامة والابتعاد عن الأماكن التي تسلب الهدوء بما يساعد على اتخاذ القرارات، فالتمتع بالهدوء الداخلي يمكن من اتخاذ قرارات واضحة وعقلانية، وبالتالي الابتعاد عن الانفعالات والتوترات وتجنب الخلافات غير المهمة. 
 حاجة نفسية أساسية
 بدورها ترى الاختصاصية النفسية سارة ملحس أن السلام الداخلي هو حاجة أساسية تؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة والصحة النفسية والجسدية. عندما نفتقده، نكون أكثر عرضة للقلق، التوتر، والاكتئاب. من الناحية العلمية، العيش في حالة من الصراع الداخلي والإجهاد المستمر يؤثر سلبًا على الدماغ والجهاز العصبي، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) ويضعف القدرة على اتخاذ قرارات سليمة أو التفاعل بشكل صحي مع الآخرين.
السلام الداخلي، وفق ملحس، هو رحلة مستمرة وليست وجهة نهائية. هناك عدة طرق يمكن من خلالها تحقيقه ومنها:
- الوعي الذاتي والتأمل: إدراك مشاعرنا وأفكارنا دون أحكام قاسية، والقدرة على تقبل الذات بما فيها من عيوب ونقاط قوة.
- إدارة المشاعر بوعي: لا يعني السلام الداخلي غياب المشاعر السلبية، لكنه يعني تعلم كيفية التعامل معها دون أن تسيطر علينا.
- التصالح مع الماضي: التخلص من الشعور بالذنب أو الندم الزائد عن اللزوم، واحتضان الدروس المستفادة بدلًا من البقاء عالقين في التجارب المؤلمة.
- تبسيط الحياة: التخلص من الضغوط غير الضرورية والالتزامات الزائدة التي تسرق طاقتنا دون فائدة حقيقية.
- بناء علاقات صحية: اختيار العلاقات التي تضيف إلى حياتنا دعمًا وتوازنًا، والابتعاد عن الأشخاص السامين الذين يستنزفون طاقتنا.
- ممارسة الامتنان والتفكير الإيجابي: إعادة برمجة العقل ليركز على النعم الموجودة بدلًا من التركيز على النواقص أو المخاوف المستقبلية.
- العيش في اللحظة الحاضرة: تقليل التعلق بالماضي أو القلق من المستقبل، والتركيز على ما يمكننا فعله الآن.
- الرعاية الذاتية: الاهتمام بالجسد من خلال النوم الجيد، التغذية الصحية، وممارسة الرياضة، مما ينعكس على الحالة النفسية.
تحقيق ذلك كما تقول ملحس، يعني هدوءًا نفسيًا واستقرارًا عاطفيًا، ومواجهة تحديات الحياة بثقة ومرونة. كذلك القدرة على اتخاذ قرارات حكيمة، بعيدًا عن ضغوط القلق أو المشاعر المتطرفة. فالتوتر المزمن يسبب العديد من المشكلات الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم، اضطرابات الجهاز الهضمي، وضعف المناعة.
 كما أن العلاقات تصبح أكثر توازنًا، حيث لا نبحث عن سعادتنا في الآخرين، بل نستمتع بالعلاقات بطريقة صحية دون توقعات غير واقعية. وبالضرورة كنتاج للسلام الداخلي تكون إنتاجية الفرد أعلى وإبداعًا أكبر، لأن العقل الخالي من الصراعات غير الضرورية يصبح أكثر تركيزًا وقدرة على الابتكار. يتطلب ذلك أيضا، ممارسة مستمرة وتغييرات صغيرة في طريقة التفكير والتعامل مع النفس ومع الحياة. 
 وتوضح مدربة المهارات الحياتية نور العامري أن الإنسان يعيش في عالم مليء بالضغوطات والتحديات اليومية، مما يجعله في حاجة دائمة إلى تحقيق السلام الداخلي. 
 أهمية السلام الداخلي
تنوه العامري أن السلام الداخلي ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة تُمكّن الإنسان من العيش بتوازن نفسي وعقلي.
 وعندما يحققه الفرد فإنه يصبح أكثر قدرة على التعامل مع التحديات، وأقل تأثرًا بالضغوط الخارجية. والحاجة إليه تمتد إلى جميع جوانب الحياة، سواء على المستوى الشخصي أو المهني أو الاجتماعي.
تحقيق السلام الداخلي وفق العامري، بالتقبل والرضا وقبول الذات والواقع كما هو، مع العمل على تحسينه دون مقاومة غير مجدية، وممارسة التأمل والاسترخاء لتهدئة العقل وتقليل التوتر، والتخلص من الأفكار السلبية، كذلك تنظيم الوقت وتحديد الأولويات بما يساهم في تقليل القلق والشعور بالضغط.
وتضيف، إن الامتنان والتركيز على اللحظة الحالية يزيد من الإحساس بالرضا والسعادة، وتجنب الأشخاص أو البيئات السامة التي تؤثر سلبًا على الصحة النفسية، وممارسة الرياضة والتغذية السليمة لهما دور كبير في تحقيق التوازن النفسي.
عندما يصل الإنسان إلى حالة من السلام الداخلي، يجني العديد من الفوائد، منها القدرة على اتخاذ قرارات أفضل، وتحسين العلاقات الاجتماعية حيث يصبح أكثر تسامحًا وتفهمًا للآخرين، وزيادة الإنتاجية والإبداع، وإحساس أعمق بالسعادة والرضا، فالشخص الذي يمتلك سلامًا داخليًا يكون أكثر قدرة على الاستمتاع بالحياة.
وتختم العامري حديثها بأن الحاجة إلى السلام الداخلي لا تقل أهمية عن أي احتياجات أخرى في الحياة. هو مفتاح السعادة والتوازن، وهو القوة التي تجعل الإنسان قادرًا على مواجهة الحياة بإيجابية من خلال خطوات بسيطة ولكنها فعالة، يمكن لأي شخص تحقيق هذا السلام وجني ثماره في مختلف مجالات الحياة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق