دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- إذا فتحت أي ألبوم صور عائلي أو تطبيق صور، فحتما سترى مرور الزمن يتجسّد أمامك، وستلاحظ تغير الملامح، وتطور العلاقات، حتى تُصبح الصور أكثر وضوحًا من الذكريات.
لكن في عام 2005، عندما بدأت الفنانة الهولندية سارة مي هيرمان في تصوير بورتريهات لوالدها جوليان وأخيها غير الشقيق جوناثان، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك أربع سنوات ويصغرها بعشرين عامًا، لم تكن تفكر في المنظور البعيد.
وُلد جوناثان لأمه إيفا وجوليان في العام الذي بدأت فيه المصورة دراستها الجامعية في الفنون. وكان والداها قد انفصلا عندما كانت صغيرة،

وقالت سارة لـCNN: "نشأت كطفلة وحيدة، وكنت دائمًا قريبة جدًا من والديّ كل على حدة، ولكن لم يكن لدي أي فكرة عما قد أشعر به إذا ما كان لدي شقيق".
ولم تكن علاقتها بجوناثان كما توقعت. إذ كان يبدو أنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين، كان منعزلا بنفسه، وغالبًا ما يُبقيها بعيدة عنه.

وأوضحت: "كان لطيفاً للغاية، لكنه كان دائماً بعيداً عني، ولا يزال كذلك. كان من الصعب للغاية أن أقترب منه، وأدركت لاحقاً أن هذا هو السبب الذي جعلني أبدأ في تصويره".
واستمرت سارة في تصوير جوناثان لأكثر من 20 عامًا، حيث كان أمام الكاميرا يتغير من صبي صغير بشعر داكن يمسك بيد والده إلى شاب عميق التفكير يبلغ من العمر 23 عامًا.

ويُعد كتابها الجديد بعنوان "جوليان وجوناثان"، بمثابة بورتريه بجسد علاقة والدها وشقيقها.
وعلى مرّ السنين، عرضت سارة أعمالها في معارض فنية ومهرجانات دولية. وتم تكريم صور من سلسلتها بجوائز مرموقة، بما في ذلك برنامج المواهب السنوي لمتحف "فوم" الفوتوغرافي في أمستردام، وجائزة "Rabo" للبورتريه الفوتوغرافي من المعرض الوطني للبورتريه في هولندا.

رغم حالة الوحدة التي عاشها جوناثان، إلا أنه كان يشارك دائمًا في الصور، حسبما ذكرته سارة. وقد كانت صورها السابقة عبارة عن لقطات سريعة، التقطت بكاميرا "فيلم 35 ملم"، بما في ذلك تلك التي التُقطت أثناء رحلة إلى جنوب إفريقيا لزيارة جدتهما من ناحية والدهما.
لكن عندما انتقلت سارة إلى استخدام كاميرا متوسطة الحجم في عام 2007، التي تستخدم سرعات غالق أبطأ وتتطلب تأطيرًا أكثر دقة، كان يجب على جوناثان وجوليان البقاء ساكنين.

في الصور التي التقطتها سارة، يظهر جوناثان أولاً كطفل جالس على أغصان الأشجار أو متكورًا في حضن والده. وفي إحدى الصور، يرقد على كرسي جلدي قديم في الثلج، ورأسه مائل إلى الوراء على مسند الذراع.
ثم في مرحلة المراهقة، يظهر جالسًا على الشاطئ مع والده جوليان، ويفصل بينهما خط من الرمال المتقطعة. وعبر مرحلة طفولته، تتكرّر السيوف، والألعاب، والأسلحة، والجنود في الصور التي غالبًا ما تكون خالية من الأشياء.

وتتذكر سارة قائلة: "كان أخي يحاول دائمًا بناء جدار حول نفسه، أعتقد أن الألعاب والأسلحة كانت طريقته في حماية نفسه".
وبينما تقوم سارة بالتقاط صور للأب والابن، تقوم بتوجيههما بشكل بسيط، وتُقدم اقتراحات حول مكان وقوفهما أو جلوسهما، أو المكان الذي ينظران إليه.

وقالت سارة: "تلك اللحظات التي أصورهما فيها، تبدو وكأنها عالم موازٍ حيث نكون معًا للحظة واحدة فقط، هذا ليس واقعًا حقيقيًا، لأنه مُدبر بطريقة ما، حيث يخرجان من حياتهما اليومية. ولكن هناك لحظة من الهدوء بيننا".
عند النظر إلى أرشيفها لتجميع الكتاب، تشعر سارة بجودة مرور الوقت بشكل مكثف، حيث تظهر جدتها في البداية، خلال الرحلة التي استغرقت ثلاثة أسابيع إلى جنوب إفريقيا، في نهاية حياتها. ويكبر جوناثان، ويعاني جوليان، الذي أصبح في الثمانين من عمره، من مرض باركنسون.

وراء الصور، هناك حياة جديدة وشعور عميق بالفقدان، حيث أن سارة أنجبت ابنة، وتوفيت والدة جوناثان بسبب سرطان الثدي.
وأوضحت سارة: "لقد كان الأمر ثقيلا للغاية، وفي بعض الأحيان كان عاطفيًا للغاية".
وتابعت: "لا أرى أنها سلسلة سعيدة أو حزينة. إنها مجرد قصة عن العائلات، وتعقيداتها، وصراعات الحياة".
رغم أنه كان أحد ملهميها لمدة عقدين من الزمن، إلا أن والدها لم يقدم لها أي ملاحظات على الصور، لكنه بقي دائمًا موجودًا بثبات أمام العدسة.
وقالت إنه "واثق تماما في نفسه، ولا يحاول أن يكون أحدا آخر. أشعر بوعي ذاتي شديد عندما يلتقط شخص ما صورًا لي. لكن يبدو أن والدي لا يتمتع بهذه الصفة".

في الكتاب، الذي يُعرض بترتيب زمني، هناك صورة واحدة فقط تعود إلى الماضي، حيث يظهر والدها وشقيقها أمام الستارة الشفافة ذاتها في منزل والدها حيث كان قد جلسا أمامها قبل ثمانية أعوام.
ينظر جوناثان في الصورة بلطف إلى الكاميرا، ويقوم بطي يديه في حجره، بينما تبدو علامات التجهم على وجه جوليان.
ورأت سارة ذلك بمثابة مكان دقيق لوقف التدفق المستمر للحياة وعكسه، ولو بشكل مؤقت، قائلة: إنها "اللحظة الوحيدة التي تشعر فيها أنك تستطيع العودة والتقدم في الزمن".
0 تعليق