أظهرت التقارير الإعلامية أن ما أنفقته الدول الداعمة عسكرياً لأوكرانيا فقط بلغ قرابة 280 مليار دولار حتى نهاية عام 2024، ناهيك عن المبالغ التي دفعها الطرف الآخر للبقاء في هذه الحرب التي اندلعت منذ فبراير 2022. هذه الأرقام تكشف كيف تُدار السياسة العالمية، حيث تُنفق مئات المليارات لإطالة أمد الصراع، بينما يمكن لهذه الأموال أن تنهي أزمات الفقر والجوع وتحقق التنمية البشرية.
لم يقتصر تأثير الحرب على الإنفاق العسكري، بل امتد ليطال الدول النامية التي تعاني من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية وزيادة معدلات الفقر والجوع، خاصة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
المبلغ ذاته كان كفيلاً بإحداث تحولات كبيرة عالمياً. فوفقاً للبنك الدولي، يمكن إنهاء الفقر المدقع لـ 700 مليون شخص لمدة ثلاث سنوات. كما تشير الأمم المتحدة إلى أن القضاء على الجوع عالمياً يتطلب 40 مليار دولار سنوياً، أي أن هذه الأموال كانت كافية لإنهاء الجوع لسبع سنوات وإنقاذ ملايين الأرواح.
أما اليونسكو، فتقدر أن 39 مليار دولار سنوياً تكفي لتوفير التعليم الأساسي عالمياً، أي أن 280 مليار دولار كانت ستضمن التعليم لملايين الأطفال لمدة سبع سنوات، مما يحد من الأمية ويعزز التنمية. كذلك، يمكن أن توفر هذه الأموال المياه النظيفة والصرف الصحي لسكان العالم الذين يعانون من نقصها لمدة عامين ونصف، وتحسين أنظمة الرعاية الصحية في الدول الفقيرة لمدة خمس سنوات، مما يقلل الوفيات والأمراض.
المفارقة أن الدول التي تدّعي نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان هي ذاتها التي تستثمر في تأجيج الحروب. وكأن هناك تخطيطاً لإبقاء فئة من البشر بين الموت والمعاناة، بينما فئة أخرى تتحكم بمصيرهم، ترسم الحدود بالنار والبارود، وتقرر من يعيش ومن يموت.
وفي المقابل، حين تطلب الدول الفقيرة مساعدات أو قروضاً لمواجهة أزماتها، تواجه شروطاً معقدة وتعقيدات بيروقراطية تصل إلى حد التدخل في سياساتها الداخلية واقتصاداتها، مقابل أموال ستُستعاد لاحقاً بأضعاف مضاعفة.
تُفرض هذه الشروط باسم «الإصلاحات الاقتصادية» أو «الحوكمة الجيدة»، في حين أن المليارات التي تُنفق على الحروب لا تمر بأي اشتراطات أو قيود، بل تُرصد فوراً دون تردد، وكأن استمرار الصراعات مقدَّم على إنقاذ الشعوب الفقيرة.
يضاف إلى ذلك الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في تضليل الرأي العام، حيث تتبنى أغلبها رواية طرف على حساب الآخر دون حيادية.
لم تخرج إلا أصوات نادرة تقول إن الحرب دمار على الجميع، وأنه لا فائز فيها سوى قلة من السياسيين الذين سيعتلون المنابر لسرد البطولات، بينما الواقع لا يتغير سوى بازدهار تجارة السلاح وزيادة أعداد الضحايا.
كل ما يجري من نزاعات وكوارث يوحي بأن النظام العالمي مصمم لإبقاء الفوضى، حيث لا إرادة حقيقية لنشر السلام، ولا نية لترسيخ العدل والمساواة.
بل هناك سباق على الهيمنة، وتجارة قائمة على الموت، حيث تصبح حياة البشر أرقاماً في تقارير المساعدات العسكرية، بينما تُرفع شعارات حقوق الإنسان فقط عند الحاجة لتبرير حرب جديدة.
هنا يدور سؤال قديم يتجدد عبر الأزمنة! إلى متى ستبقى الإنسانية رهينة لمصالح النخبة الحاكمة؟! الإجابة تكمن في وعي الشعوب بأن معركتها الحقيقية ليست ضد بعضها البعض، بل ضد من يشعل الحروب ويتحكم بمصائرها.
0 تعليق