رمضان بين الروحانية وسباق الكماليات

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يحل علينا شهر رمضان كل عام ليكون محطة إيمانية عظيمة وفرصة لمراجعة الذات وتعزيز العلاقة مع الله، فهو شهر الصيام والقيام والذكر والتقوى، حيث يترك المسلم طعامه وشرابه استجابة لأمر الله، ويتعلم الصبر والقناعة، ويعيش لحظات روحانية تقربه من الخالق.

لكن مع مرور الزمن، بدأ هذا الشهر المبارك يأخذ طابعاً مختلفاً لدى الكثيرين، حيث تحوّل من شهرٍ للزهد والعبادة إلى موسم استهلاكي بامتياز، تتضاعف فيه المصاريف، ويزداد التنافس في شراء الكماليات، حتى باتت المظاهر تغلب على الجوهر.

كانت موائد رمضان قديماً تتسم بالبساطة، حيث تجتمع الأسرة حول أطباق متواضعة تمدهم بالطاقة لأداء العبادات، أما اليوم، فأصبحت الموائد عامرةً بأصناف لا تعد ولا تحصى، تتجاوز الحاجة الفعلية للصائم، مما يؤدي إلى هدر كميات كبيرة من الطعام.

ووفق بعض الإحصائيات، يهدر خلال شهر رمضان أضعاف ما يهدر في الأشهر الأخرى، وهو تناقض واضح مع مقاصد الصيام التي تدعو إلى الشعور بجوع الفقراء، وليس التبذير في الأطعمة الفاخرة.

ولم يقتصر الاستهلاك على الطعام، بل امتد إلى سباق شراء الأواني الفاخرة، حيث تحرص بعض العائلات على اقتناء أطقم جديدة خصيصاً لشهر رمضان، وكأن قيمة الطعام تكمن في الإناء الذي يُقدَّم فيه.

كما بات التسوق للملابس والجلابيات الرمضانية من الطقوس الأساسية، فتحولت الأسواق إلى ساحة تنافسية، وأصبح رمضان فرصة لتغيير الخزانات أكثر من كونه فرصة لتغيير النفوس.

إحدى العادات الرمضانية الجميلة التي كانت تعبر عن روح التكافل الاجتماعي هي «النقصة»، حيث يرسل الجار لجاره جزءاً من طعامه تعبيراً عن المحبة والمشاركة.

لكنها اليوم فقدت بساطتها، وأصبحت منافسة غير معلنة في تقديم أطباق فاخرة ومزينة بأبهى الحلل، مما زاد الضغط الاجتماعي على بعض الأسر التي لا تستطيع مجاراة هذا الترف، فتحولت من وسيلة لتعزيز العلاقات إلى وسيلة غير مباشرة للتفاخر الاجتماعي.

إن روح رمضان لا تكمن في المظاهر ولا في التباهي بالكماليات، بل في اغتنام الفرصة للتقرب من الله والإحساس بالآخرين، علينا أن نعيد النظر في أنماط استهلاكنا، وأن نحرص على أن يكون رمضان شهر الاعتدال، لا الإسراف.

فبدلاً من إنفاق المال على ما لا نحتاجه، يمكن توجيه جزء منه لمساعدة المحتاجين، وبدلاً من التركيز على تزيين موائدنا، يمكننا التركيز على تزيين قلوبنا بالإيمان والخير.

إذا أردنا أن نستعيد المعاني الحقيقية لرمضان، فعلينا أن نتذكر أنه شهر الرحمة والعطاء، لا شهر التفاخر والمظاهر، فلنعد إلى بساطته، ونجعل منه فرصة للتغير الحقيقي، روحانياً وإنسانياً، لأن قيمته الحقيقية ليست في ما نشتريه، بل في ما نقدمه لأنفسنا وللآخرين من خير وبر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق