القمة العربية وملف قطاع غزة

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع نشر هذا المقال تكون القمة العربية الطارئة في القاهرة قد انتهت في ظل الخطة المصرية حول مستقبل قطاع غزة التي عرضت أمس على القيادات العربية موضوع التهجير الذي رفضته الدول العربية خاصة دول الجوار لفلسطين المحتلة مصر والأردن رغم الضغوط الكبيرة التي مارسها الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته.

ولعل موضوع الإعمار ورفض تهجير الشعب الفلسطيني من القطاع ورفض المقترح الأمريكي هو موقف عربي إيجابي، ولكن في تصوري أن موضوع مستقبل قطاع غزة السياسي وموضوع سلاح المقاومة الفلسطينية خاصة حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية هو حجر الزاوية في الخطة التي عرضت على القيادات العربية أمس في القمة العربية في القاهرة.

ورغم عدم معرفة نتائج القمة وهل تم اعتماد الخطة المصرية إلا أن التباين في المواقف السياسية العربية حول مستقبل القطاع سوف تكون حاضرة، وهذه رؤية سياسية متوقعة، خاصة وأن حركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية لن تقبل موضوع نزع سلاح المقاومة وإدارة قطاع غزة من القوى الإقليمية والدولية لأن القبول بالمشروع الذي عرض على القمة يعني انتهاء حركة حماس على الصعيد العسكري والسياسي، خاصة وأن إنجاز السابع من أكتوبر لا يزال حاضرا في الأذهان حيث الهزيمة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي وفشله الذريع في تحقيق أهداف الحرب طوال أكثر من سنة ونصف وهذا يعني بالمفهوم الاستراتيجي أن قوة الدفع العسكرية والأمنية والسياسية التي حققتها المقاومة والأثمان الكبيرة التي دفعت لم تؤد إلى تغيير مشهد القضية الفلسطينية التي أصبحت أيقونة القضايا الدولية وأعطت نتائج الحرب زخما سياسيا وأخلاقيا وإنسانيا لم يتحقق منذ عام ١٩٤٨ . الأوطان لا تتحرر بالمساومات السياسية ولم يعرف تاريخ العالم احتلالا خرج طوعا من أي بلد يحتله إلا من خلال النضال والمقاومة وسوف يرتكب العرب خطأ كبيرا ولمصلحة الكيان الإسرائيلي إذا تم تنفيذ الخطة التي تسرب بعض موادها للصحافة العالمية. كما اتصور أن قيادات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعموم فلسطين لن تقبل نزع سلاح المقاومة وتنفيذ مخطط الإدارة المدنية من خارج قطاع غزة.

وعلى ضوء ذلك فإن القمة العربية التي اختتمت أمس سوف تكون أمام مفترق طرق، خاصة وأن الزخم الشعبي وحتى الرسمي لا يزال صامدا ليس على صعيد العالم العربي ولكن على الصعيد الإقليمي والدولي بما فيها عدد من الدول الغربية. ولعل مشاهد المظاهرات الطلابية والشعبية في الجامعات الأمريكية والغربية وفي كل جغرافيا العالم تعطي مؤشرا كبيرا على أن المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الإسرائيلي أصبحت واضحة والعدو الإسرائيلي انكشف أمام العالم من خلال سلوكه الوحشي الذي ينتهك الفطرة الإنسانية وقواعد السلوك الأخلاقي وارتكب إبادة جماعية في قطاع غزة شاهدها العالم عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي لأول انكشاف مباشر للكيان الصهيوني المحتل وقيادته التي أصبحت ملاحقة قانونيا من قبل محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية حيث صدرت مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وحكومته المتطرفة.

ندرك تماما أن هناك خلافات بين عدد من القيادات العربية وحركة حماس وهذا أمر يمكن فهمه على صعيد الخلاف السياسي، ولكن هناك ثوابت راسخة لا يمكن لأي مقاومة التنازل عنها كما في نموذج المقاومة الفلسطينية، التي تكافح أبشع احتلال عرفه التاريخ الحديث منذ ٧٥ عاما حيث الانتهاكات ضد المدنيين وضد حقوق الإنسان وضد كل ماهو مدني وحضاري وتم توثيق تلك الجرائم البشعة من قبل المنظمات الحقوقية والمدنية في العالم مع إدانات متواصلة من المجتمع والأمم المتحدة وكل الشرفاء في العالم.

إن فكرة نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحتى في الضفة الغربية هو قرار لا يتماشى والتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الفلسطيني والمقاومة في سبيل تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية، ومن الصعب القبول بالمنطق السياسي الذي يتحدث عن إعادة إعمار القطاع وانكشاف غزة على المحتل الذي لم يستطع طوال ١٥ شهرا من كسر المقاومة الفلسطينية التي سجلت إنجازات عسكرية واستراتيجية في التاريخ العسكري لحركات التحرير، وهذا بشهادة كبار العسكريين في المعاهد الدولية وحتى من قبل جنرالات الكيان الإسرائيلي الذين تنحى بعضهم عن المشهد بسبب التقصير والإهمال والفشل الذريع في توقع الهجوم العسكري للمقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر وعلى ضوء ذلك لا يمكن التضحية بالمنجز العسكري والأخلاقي والتأييد الدولي الكاسح للقضية الفلسطينية والمقاومة مقابل ترتيبات سوف تنتهكها إسرائيل دون شك في مرحلة لاحقة كما أن أي ترتيبات مدنية في قطاع غزة يعني أن العرب قدموا للكيان الإسرائيلي ما عجزت عنه بالحرب.

المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قال كلمة واضحة عن المقاومة الفلسطينية خاصة حماس حيث أكد أن حماس فكرة والأفكار لا تموت وهذا هو ديدن أي مقاومة تحررية في التاريخ، ونحن هنا لا نريد أن نسبق الأحداث وما تمخضت عنه القمة العربية في القاهرة حول الخطة المصرية التي عرضت على القيادات العربية، ولا شك أن قرار رفض التهجير من قطاع غزة هو قرار إيجابي وينهي مشروع الرئيس الأمريكي ترامب والمشروع الصهيوني العالمي لتصفية القضية الفلسطينية لكن موضوع المقاومة الفلسطينية ونزع السلاح والإدارة المدنية لقطاع غزة هو قرار في تصوري لا يخدم مسار القضية الفلسطينية التي كما تمت الإشارة أوجدت زخما سياسيا وأخلاقيا واستراتيجيا في العالم وهذا مكسب كبير يبنى عليه في النضال الفلسطيني والعربي لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ١٩٦٧ وهو الحد الأدنى الذي قبله العرب من خلال قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢.

إن المقاومة الفلسطينية هي حقيقة واضحة ومن الصعب على أي مشروع سياسي غربي أو عربي أن يجرد المقاومة الفلسطينية من إنجازها المشرف ضد الكيان الإسرائيلي المحتل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق