الموازنة الأسرية.. سبيل الإفلات من "فخ الأزمات المالية"

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - "دفعتُ ثمن سوء إدارة الشوؤن المالية الخاصة بي غاليا، وبت اليوم شخصا مديونا بعد أن كان وضعي المالي مستقرا"، بهذه الكلمات وصف محمد، الموظف في القطاع الخاص، تجربته الشخصية في إدارة شؤونه الأسرية ماليا. اضافة اعلان
ويوضح محمد، أن حالة من الفوضى واللامبالاة كانت تحكم سلوكه الإنفاقي اليومي، من دون اكتراث لأي حالة طارئة مستقبلا. ويقول: "كانت المفاجأة، بل الكارثة حين تعرض ابني لإصابة استدعت دخوله إلى إحدى المستشفيات وتم إجراء عملية كبرى له، واحتجت مبلغا ماليا كبيرا للمستشفى، إلا أنني لم أكن أملكه رغم دخلي المرتفع، فاضطررت إلى الحصول على قرض مالي كبير يستنزف اليوم نحو ثلث راتبي الشهري". 
حال محمد يشبه وضع الكثير من الأسر الأردنية، إذ غالبا ما تغيب ثقافة الموازنة الأسرية السنوية عنها، الأمر الذي يدخلها في كثير من الأحيان في أزمات مالية تؤثر على مستواها المعيشي لسنوات عديدة. 
والميزانية الشخصية أو الأسرية، تعرف بأنها خطة مالية تساعد أفراد الأسرة على استثمار أموالهم بأفضل طريقة ممكنة، فهي تحدد مصادر الدخل، وتساعد على تخطيط الإنفاق (المصروفات)، وتحديد الأولويات في المصروفات، وهي أيضا طريقة استعمال الفرد والأسرة للدخل في فتره زمنية محددة قد تكون سنة أو شهرا أو أسبوعا، بحسب منصة تعزيز الوعي المالي الخاصة بجمعية البنوك الأردنية.
لكن المعلمة سعاد علي، لها رأي آخر، حيث ترى أن وضع موازنة مالية أسرية والتقيد بها في الواقع الاقتصادي الذي نعيش فيه يعد أمرا صعبا وغير ممكن، حيث إن إنفاق الدخل لدى الكثيرين واضح المعالم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. 
وتقول سعاد: "إن طبيعة الحياة الدنيا عشوائية، من حيث الإنفاق والمصاريف وطريقة قضاء اليوم، عدا عن الالتزامات الكثيرة التي تفرضها أحيانا العلاقات الاجتماعية أو غيرها من المقتضيات العائلية العاجلة، وهو ما يتطلب نفقات غير محسوبة من وقت إلى آخر". 
وفي المقابل، يقول الخمسيني أبو مخلد: "إنه اعتاد وزوجته منذ نحو عقدين على وضع خطة مالية سنوية مفصلة لأوجه الإنفاق المختلفة الخاصة بالعائلة واحتياجاتها، كما أنه نقل هذا السلوك إلى أبنائه حاليا". 
ويضيف، لقد جنيت ثمار اتباع سلوك التخطيط المالي، إذ تمكنت بفضل ذلك من الادخار على مدار السنوات الماضية، حيث إن ادخاره ساعده على تملك شقة وتدريس ابنته في الجامعة على نفقته الخاصة. 
ولا توجد إحصاءات رسمية حديثة في المملكة، حول دخل ونفقات الأسر، حيث تعود آخر البيانات المتوفرة للعام 2018، في حين أن السنوات الماضية غيرت الكثير في هذه البيانات جراء أزمات عدة، بدءا من جائحة "كورونا" وبعدها الحرب الروسية الأكرانية، ثم موجة التضخم العالمية، انتهاء بالحرب الصهيونية على غزة والتوترات الإقليمية.
ويشير آخر تحديث لبيانات دائرة الإحصاءات العامة فيما يتعلق بدخل ونفقات الأسرة، الذي صدر في العام 2018، إلى أن 49 % من الأسر الأردنية يقل إنفاقها عن 833 دينارا شهريا (10 آلاف دينار سنويا)، وأن 9 % من الأسر الأردنية في المملكة يقل إنفاقها السنوي عن 5 آلاف دينار (416.6 دينار بالشهر)، في حين أن 13 % يزيد إنفاقها السنوي على 20 ألف دينار (1666 دينارا شهريا).
من جانبه، يرى الخبير في الاقتصاد الاجتماعي حسام عايش، أن ثقافة الموازنات الأسرية السنوية تبدو معدومة في المجتمع الأردني، وليس لها انتشار يذكر، وغالبا ما ينحصر وجودها لدى عدد محدود من الأسر، مشيرا إلى وجود انطباع لدى المواطنين، أن مستوى دخلهم الشهري أصغر من أن توضع له موازنات".
ولفت عايش إلى أن الإنفاق العشوائي لدى الأسر الأردنية، يبدو الثقافة السائدة في أوساط المجتمع لدينا، حيث إن المواطنين يعتمدون في إنفاقهم على مواسم معينة، ينتظرون خلالها دخلا إضافيا كموسم الأعياد المرتبط بتحويلات المغتربين، أو موسم الخريف المرتبط بموسم الزيتون الذي يعد مصدر دخل لكثير من الأسر. 
وأشار عايش، إلى أن أغلب الأسر الأردنية ترى أن وضعها المالي عادة ما يكون عرضة للمتغيرات في ظل ارتفاع الأسعار أحيانا وارتباطها بالواجبات الاجتماعية وغيرها، لذا فأي موازنة ستضعها لا تتمكن تحقيقيها والتقيد بها. 
وأوضح عايش، أن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة وما ينجم عنها أحيانا من تراجع في مستوى الدخل للأسر، تقلل من توجهها إلى اتباع إستراتيجية التخطيط المالي. 
وأكد عايش أن وضع موازنة أسرية للإنفاق أو التعامل مع الدخل سواء شهرية أو سنوية، يعد أحد أشكال التعامل الحصيف في إدارة الأوضاع المالية، ومعرفة كيفية إنفاق دخل الأسرة، بما يتناسب واحتياجاتها الحقيقية والفعلية. بالنظر إلى أن هناك فرقا بين مستوى الدخل والإنفاق الأسري، حيث إن وضع الموازنة من شأنه أن يخلق حالة من التوازن والاستقرار المالي لدى الأسر، ما يجنبها الوقوع في "فخ الأزمات المالية". 
وبهدف تكريس ثقافة الموازنات الأسرية والتخطيط المالي العائلي، دعا عايش إلى ضرورة إدراجها في المناهج التعليمية ليكسبها الأطفال مبكرا، وتصبح جزءا أصيلا من تكوينهم الشخصي.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق