السبيل – خاص
تتوالى التقارير الصادرة من داخل “إسرائيل”، والتي تكشف عن حجم التخبط الاستراتيجي والسياسي الذي يعيشه الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه المستمر على قطاع غزة، مع تكبده خسائر بشرية فادحة في صفوف جنوده دون تحقيق أهداف واضحة.
هذا ما أكده الكاتب الإسرائيلي عميحاي أتالي في مقاله المنشور بصحيفة “يديعوت أحرونوت”، واصفاً ما يحدث بأنه “حرب عبثية دون جدوى” يدفع فيها الجيش الإسرائيلي “أثماناً باهظة من القتلى والجرحى في صفوف الجنود”.
تكرار الاقتحامات دون حسم
أبرز ما يلفت الانتباه في تحليل الكاتب هو الإشارة إلى فشل جيش الاحتلال في احتلال مدينة جباليا شمال غزة، رغم شن ثلاث حملات عسكرية خلال العام 2024 فقط، سقط خلالها أكثر من 150 جندياً بين قتيل وجريح.
يوضح أتالي قائلاً: “شهد العام 2024 ثلاث محاولات لجيش الاحتلال لاحتلال مدينة ومخيم جباليا شمال قطاع غزة، وفي كل مرة تم فيها الاستيلاء عليها يسقط العديد من الجنود، وبلغ عددهم 40 جندياً وضابطاً في العملية الثالثة الجارية حالياً”.
ويضيف في سياق انتقاده لاستمرار العمليات الفاشلة: “المحاولات الثلاث للاستيلاء على جباليا شهدت إصابة وسقوط العشرات من الجنود والضباط، لكن الجيش سرعان ما تراجع بأمر من قادته الكبار”، ما يعكس بوضوح غياب استراتيجية عسكرية متماسكة.
غموض وتضارب
ويشير الكاتب بوضوح إلى أن التخبط لا يقتصر فقط على الميدان، بل يمتد ليشمل المستويين السياسي والعسكري، حيث يتساءل: “ما الذي يحدث خلف الكواليس؟ ولماذا يتسبب الجيش بهذه المجازفة المكلفة لجنوده؟”.
ويؤكد أتالي أن عدم وجود رؤية واضحة وغياب المساءلة من أبرز مظاهر هذا التخبط، قائلاً: “بعد 15 شهراً من بدء الحرب، أثبت الاحتلال لنفسه ولعدوه في غزة، ورغم ما حققه من إنجازات عسكرية، أنه فشل في وضع اللمسة النهائية، وإكمال المهمة”.
حرب استنزاف غير مستدامة
ويصف الكاتب الوضع الراهن بأنه أشبه بـ”رقصة تانغو”، حيث يتقدم الجيش الإسرائيلي خطوة للأمام، ثم يتراجع خطوتين للوراء.
ويشير إلى أن “الجيش الإسرائيلي يتسبب بسفك دماء جنوده في المعارك مع حماس، لأنه تبين أنه من الواضح لكل إسرائيلي عاقل أن هذه الاستراتيجية ليست مستدامة”.
ويبرز هذا النمط القتالي الذي يقوم على الاقتحام المتكرر والانسحاب دون حسم، كأحد مظاهر الفشل التكتيكي والاستراتيجي، إذ يعلق أتالي قائلاً: “ليس معقولاً أن يكرر الجيش إخلاءاته للمناطق الفلسطينية في قطاع غزة، ويزعم أنه تم تنظيفها من المسلحين، ثم يفاجأ الجميع بأنهم عادوا إليها مجدداً”.
انتهاكات وأزمة قيادة
إلى جانب الإخفاق العسكري؛ تتكشف في هذا النهج انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني، حيث يواصل الاحتلال سياسة العقاب الجماعي من خلال التدمير الواسع للمناطق السكنية، وإعادة قصف المناطق التي سبق أن ادعى تطهيرها عسكرياً، ما يضع علامات استفهام حول مدى التزام الاحتلال بالقوانين الدولية التي تحظر استخدام القوة المفرطة والعشوائية في النزاعات.
ويكشف تحليل الكاتب عميحاي أتالي أن الحرب الإسرائيلية على غزة تعاني من تخبط واضح في الأهداف والاستراتيجيات، حيث أكد الكاتب: “الجيش في هذه الأثناء، يتصرف بشكل يتعارض تماماً مع مبادئه المعلنة”، مشيراً إلى غياب رؤية واضحة تحدد أهداف العمليات العسكرية أو تحدد سبل تحقيقها.
هذا الفشل الاستراتيجي، مقروناً بالثمن البشري الباهظ، يضع الاحتلال في موقف حرج أمام جمهوره، خاصة مع استمرار تكرار العمليات العسكرية دون نتائج ملموسة، ما يعكس عجزاً في القيادة العسكرية والسياسية عن وضع حد للخسائر المتصاعدة، أو رسم سياسة ميدانية تحقق أهدافاً حقيقية على الأرض.
0 تعليق