شهد قصر الثقافة في الشارقة أمسيات شعرية حافلة ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الحادية والعشرين، حيث استقطبت القاعة جمعاً غفيراً من عشاق الشعر ومتابعي الكلمة الراقية، في أجواء مفعمة بالإبداع والشعر. شهدت الفعاليات حضور سعادة عبد الله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد إبراهيم القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، والشاعر محمد البريكي، مدير بيت الشعر.
امتازت الأمسيات بروحها المتنوعة التي جمعت بين الأصالة والتجديد، حيث تنوعت المشاركات بين قصائد وجدانية ومشاعر الحنين والتأمل في الحياة والكون، بأساليب لغوية راقية ومضامين غنية. وتألقت الأمسية الأولى بمشاركة شعراء من دول عربية وإفريقية قدموا نصوصاً زاخرة بالمشاعر والمعاني، تلتها أمسية أخرى بنفس الحماسة والإقبال الجماهيري الكبير.
وافتتحت الأمسية الشعرية الأولى ضمن فعاليات المهرجان في أجواء مفعمة بالإبداع والتأمل، حيث تناوب على منصة الإلقاء مجموعة من الشعراء البارزين الذين مثلوا مدارس شعرية متنوعة من دول عدة، هم: راشد عيسى (الأردن)، وشيخة المطيري (الإمارات)، وإبراهيم الوافي (السعودية)، وموسى براهيمي (الجزائر)، وجاسم العجه (العراق)، وإبراهيم الفهري (مالي). قدم الأمسية الإعلامي المغربي محمد المنصوري، الذي أضفى بتقديمه لمسة دافئة ومشرقة على الأجواء.
واستهل الشاعر الأردني د. راشد عيسى القراءات بقصيدة "شباك الكناية"، التي حملت بين أبياتها تأملات عميقة عن الحياة والخسارات، متجاوزاً الألم بمشاعر الزهد والثبات. يقول فيها:
ربحْتُ خساراتي فلَم ألتفتْ لها
وحَسْبي من النفس الزكيّة ربْحُها
فلي وردةٌ في صخرة القلبِ لم يزلْ
يطُوفُ على شَوْك التناهيد فَوْحُها
ثم انتقلت الشاعرة الإماراتية شيخة المطيري بجمهور الأمسية إلى عالم شعري يحمل عبق الماضي بروح أنثوية عذبة، حيث نسجت قصيدتها صوراً نابضة بالحنين والتأمل، قائلة:
تنزّل من ظل النخيل غناؤه
فسار به المعنى وطاب حداؤه
وأيقظ في الصحراء سبعاً من الرؤى
فهاجر سرب الماء مذ كان ماؤه
أما الشاعر السعودي إبراهيم الوافي، فقدم قصيدة وجدانية أبهرت الحضور بجمال صورها الشعرية، حيث مزج بين الحلم والواقع في تآلف شاعري بديع:
تمر بنا الأيام لاشيء بيننا
رحلت أنا عنها وعدت لها أنا
هو النخل أهدى البحر يوماً ظلاله
تسلّقته حلماً وناديته دنا
وواصل الشاعر الجزائري موسى براهيمي الحضور الإبداعي بقصيدة تحمل محطات من القلب وذاكرته، عبّر فيها عن الحبيبة كجزء أصيل من روحه:
مُرّي بحيّ القلب ثمة معبرٌ
للأغنيات وسيرة الأشياءِ
أحتاجُ وجهَكِ يا حقيقة كيْ أرى
وجهي المضيّعَ في الظّلال ورائي
ثم جاء الدور على الشاعر العراقي جاسم محمد جاسم، الذي ألقى قصيدته "وعود البُن"، محلقاً بصوته الجهوري في فضاءات التأمل والبحث عن الذات:
آتٍ ولا موعدٌ، ماشٍ ولا جهةُ
أتعبتَ ظلّكَ والأنحاءُ موحشةُ
لأينَ تمضي؟ قناديل الدروبِ غفت
وأين تذهبُ والآفاق مبهمةُ
واختُتمت الأمسية بصوت إفريقي مؤثر للشاعر المالي إبراهيم محمد الفهري، الذي ألقى قصيدته "سليل الرمل" ببوح عفوي وصدق شعوري مؤثر.
وعلى هامش الأمسية، أقيم حفل توقيع ديوان "كي أنسج الفجر" للشاعر الدكتور طلال الجنيبي، الذي حظي بإقبال واسع من الجمهور، مما أضاف بُعداً ثقافياً رفيعاً للأمسية.
الأمسية الثانية
وفي أمسية أخرى من أمسيات مهرجان الشارقة للشعر العربي، تجدد اللقاء مع الكلمة الشعرية في قصر الثقافة، حيث تألق نخبة من الشعراء من مختلف أنحاء الوطن العربي، وهم: أحمد بخيت (مصر)، ونجاة الظاهري (الإمارات)، وقاسم الشمري (العراق)، وشقراء مدخلي (السعودية)، والواثق يونس (السودان)، وحسن إدريس (ليبيا). قدّم الأمسية الشاعر عمر أبو الهيجاء، الذي قاد الحضور برؤية شاعرية في تقديمه للشعراء ومشاركاتهم.
قراءات شعرية مشحونة بالعاطفة
استهل الشاعر المصري أحمد بخيت الأمسية بقراءة مختارات من قصائده، مثل "ما يوجع النون" و"الحواس" و"الهدهد"، حيث امتازت قصائده بشحنة عاطفية قوية وصور لغوية آسرة. يقول في إحدى قصائده:
لا أُفق لي إنَّني الراؤون.. والأفقُ
صَمتُ الجبال التي في ظلّها صعقوا
لمّا أَضاءوا نجومًا، في غُضونِ دُجًى
أَجَّلت موعد إِشراقي، ليأْتلقوا
وانتقلت الشاعرة الإماراتية نجاة الظاهري بجمهور الأمسية إلى مشاهد حياتية يومية أضفت عليها لمسة من البساطة العميقة والروح الإنسانية، حيث تناولت موضوعات مألوفة بأسلوب فني متميز. تقول:
ككل المساكين قد لا أنام
وأمضي إلى عملي في الصباح
وأطعم في الدرب بعض الطيور
أعالج في الدرب بعض الجراح
أما الشاعر العراقي قاسم الشمري، فقد أبدع في تقديم ثلاث قصائد رسمت خطاً سردياً لحياة الإنسان، بدءاً من الابن، مروراً بالحبيبة، وانتهاءً بالأب الذي وافته المنية. في قصيدته "هكذا اكتملت"، يقول:
يا نَخلةَ الدار حيثُ الدارُ خاويةٌ
قبل اندلاعك أطلالاً بغيرِ عمدْ
يا رجفةَ القلبِ يا ابن الشيبِ يا سبباً
به اكتملتُ و نبضاً في العروقِ صعدْ
وأطلت الشاعرة السعودية شقراء مدخلي بإحساسها المرهف ولغتها الغنائية الحالمة التي اتسمت بالجرأة والوجدانية. تقول في إحدى قصائدها:
لم أحسن الحب لكني منحت دمي
للغاديات و هبت الغيب بوصلتي
في خافقي طائر الإنشاد يخبرني
أني ارتقيت لأن الشعر أجنحتي
واستحوذ الشاعر السوداني الواثق يونس على انتباه الجمهور بمشاعر وطنية عميقة، حيث ألقى قصيدته "أول الذات آخر الوطن"، ومن أبياتها:
قلبي أُصيب بداء العابرينَ فَكم
أفنى لُحونًا لمن نادته مُطربها
أما ختام الأمسية فكان مع الشاعر الليبي حسن إدريس الذي ألقى قصيدته "يقص عليّ الليل بعض اكتئابه"، حيث تماهى فيها مع الليل كحالة إنسانية متعددة الأبعاد. يقول:
عجيبٌ سواد الليل يدري بأنني
كثيرا أنادي كي أمر ببابه
ويدرك أني كنت في كل ظلمة
أكافح جدا في سبيل اقترابه
تكريم الشعراء
في ختام الأمسية، قام عبد الله العويس ومحمد القصير، بحضور محمد البريكي، بتسليم شهادات تقديرية للشعراء المشاركين ومقدّم الأمسية تكريماً لإبداعاتهم. كما شهد الختام حفل توقيع ديوان "سفير من قلب أمي" للشاعر السوري حسين العبد الله، أحد المكرّمين في هذه الدورة من المهرجان، وسط إقبال كبير من الحضور لاقتناء الديوان.
0 تعليق