قطاعات التكنولوجيا: بوابة التحول من النمو إلى التنمية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
د. حمزة العكاليك

عمان- في عالم يتسارع نحو التكنولوجيا والابتكار، أصبحت الدول التي تراهن على القطاعات التكنولوجية الأكثر قدرة على تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والتحول من مرحلة النمو إلى مرحلة التنمية الشاملة. الأردن، بقيادة حكومة جعفر حسان، أدرك هذه الحقيقة مبكراً، ووضع قطاعات التكنولوجيا في صلب رؤية التحديث الاقتصادي، التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد الأردني إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. هذه الرؤية ليست مجرد خطة طموحة، بل هي ضرورة حتمية في ظل التغيرات العالمية السريعة التي تشهدها الأسواق الدولية.اضافة اعلان
تشير التوقعات العالمية إلى أن القطاعات التكنولوجية ستكون المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي خلال العقود المقبلة. فوفقاً لدراسات حديثة (معهد ماكينزي العالمي)، فإن 18 مجالاً تكنولوجياً رئيسياً، مثل الذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية، والأمن السيبراني، ستولد إيرادات تتراوح بين 29 و48 تريليون دولار بحلول العام 2040. هذه الأرقام الضخمة تعكس حجم الفرص التي يمكن أن تستفيد منها الدول التي تستثمر في هذه القطاعات.
الأردن، حيث يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على القطاعات التقليدية مثل السياحة والصناعة، أصبح من الضروري تنويع مصادر الدخل والتركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. فقطاعات التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية، والأمن السيبراني، توفر فرصاً هائلة لخلق وظائف جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز الصادرات.
فالذكاء الاصطناعي يعد مستقبل الصناعات؛ حيث يعد أحد أسرع القطاعات نمواً على مستوى العالم، حيث يتوقع أن يصل معدل النمو السنوي المركب لهذا القطاع إلى 17-25 % خلال السنوات المقبلة. هذا النمو السريع يعكس الحاجة المتزايدة إلى حلول ذكية تعتمد على تحليل البيانات والأتمتة في مختلف الصناعات. في الأردن، من الممكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية لتحسين الكفاءة في القطاعات الحيوية مثل الصحة، والتعليم، والزراعة.
أما فيما يتعلق بخدمات السحابية فهي العمود الفقري للتحول الرقمي، حيث توفر البنية التحتية اللازمة لتخزين البيانات وإدارتها بشكل آمن وفعال. مع معدل نمو سنوي مركب يتراوح بين
12-17 %، أصبحت الخدمات السحابية من أكثر القطاعات الجاذبة للاستثمار. في الأردن، يمكن أن تلعب هذه الخدمات دوراً محورياً في تعزيز البنية التحتية الرقمية، ودعم الشركات الناشئة، وتحسين خدمات الحكومة الإلكترونية.
فمن خلال الاستثمار في الخدمات السحابية، يمكن للأردن أن يصبح مركزاً إقليمياً لتقديم هذه الخدمات، خاصة مع وجود بنية تحتية اتصالات قوية ومجتمع تقني متنامٍ. هذا الأمر سيسهم في جذب الشركات العالمية التي تبحث عن مواقع استراتيجية لتوسيع عملياتها في المنطقة.
وبالنظر الى قطاع الأمن السيبراني، فهو يعد الأساس لحماية المستقبل الرقمي، فمع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، أصبحت الحاجة إلى الأمن السيبراني أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. ويتوقع أن ينمو قطاع الأمن السيبراني بمعدل سنوي مركب يتراوح بين
8-12 %، مع هوامش ربح عالية تصل إلى
15-20 %. في الأردن، يمكن أن يكون هذا القطاع مصدراً رئيسياً للدخل، خاصة مع وجود كفاءات محلية قادرة على تطوير حلول أمنية متقدمة.
من خلال تعزيز الأمن السيبراني، يمكن للأردن أن يحمي بنيته التحتية الرقمية، ويجذب الاستثمارات الأجنبية التي تبحث عن بيئة آمنة لتوسيع أعمالها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يصبح الأردن مركزاً إقليمياً لتدريب الكوادر في مجال الأمن السيبراني، مما يعزز من مكانته كدولة رائدة في هذا المجال.
وفي إطار رؤية التحديث الاقتصادي التي تبنتها حكومة جعفر حسان، لا تقتصر الفرص على قطاعات الذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية والأمن السيبراني فحسب، بل تمتد لتشمل مجموعة واسعة من القطاعات التكنولوجية التي يمكن أن تسهم في تحويل الاقتصاد الأردني إلى اقتصاد معرفي قائم على الابتكار
فالتجارة الإلكترونية من أسرع القطاعات نمواً على مستوى العالم؛ حيث يتوقع أن ينمو هذا القطاع بمعدل سنوي مركب يتراوح بين 7-9 %. في الأردن، يمكن أن تكون التجارة الإلكترونية أداة قوية لتعزيز الصادرات، خاصة في ظل وجود قاعدة صناعية وتجارية قوية. ومن خلال تطوير منصات تجارية محلية وتعزيز البنية التحتية اللوجستية، يمكن للأردن أن يصبح مركزاً إقليمياً للتجارة الإلكترونية. 
ومن الفرص التي يتيحها هذا القطاع تعزيز صادرات المنتجات المحلية إلى الأسواق العالمية وخلق فرص عمل في مجالات التسويق الرقمي وإدارة المنصات الإلكترونية.
أما خدمات بث الفيديو، فمع تزايد الاعتماد على المحتوى الرقمي، أصبحت من أكثر القطاعات نمواً؛ حيث يتوقع أن ينمو هذا القطاع بمعدل سنوي مركب يتراوح بين 6-11 %. في الأردن، يمكن أن يكون هذا القطاع فرصة لتعزيز صناعة الإعلام والترفيه، خاصة مع وجود كفاءات محلية في مجال الإنتاج الإعلامي.
أما القطاع الأكثر ربحية، فهو ألعاب الفيديو التي تعد صناعة مليارية؛ فألعاب الفيديو من أكثر الصناعات ربحية على مستوى العالم؛ حيث يتوقع أن ينمو هذا القطاع بمعدل سنوي مركب يتراوح بين 5-8 %. في الأردن، يمكن أن يكون هذا القطاع فرصة لتعزيز صناعة البرمجيات وتطوير المواهب المحلية في مجال تصميم الألعاب.
إلا أن هذا القطاع يواجه تحديات كالحاجة إلى تطوير مهارات البرمجة والتصميم، وضرورة جذب الاستثمارات في مجال تطوير الألعاب. ومع ذلك، فهو يقدم العديد من الفرص كتعزيز صناعة البرمجيات المحلية وتصدير الألعاب المحلية إلى الأسواق العالمية.
في ظل التغيرات العالمية السريعة، أصبحت التكنولوجيا المفتاح لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والتحول من النمو إلى التنمية. الأردن لديه الفرصة ليكون لاعباً رئيسياً في هذا التحول من خلال التركيز على القطاعات التكنولوجية الواعدة. فمن خلال الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والخدمات السحابية، والأمن السيبراني، والطاقة المتجددة، يمكن للأردن أن يبني اقتصاداً قائماً على المعرفة، ويخلق فرص عمل جديدة، ويحقق التنمية الشاملة التي تنشدها رؤية التحديث الاقتصادي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق