يحتفي مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته الرابعة عشرة بالفنان المسرحي والسينمائي الراحل الطيب الصديقي، الذي يُعد أحد رموز الثقافة المغربية، العربية، والأفريقية، هذا التكريم يعكس رؤية المهرجان لتسليط الضوء على الشخصيات الثقافية التي صنعت مجداً فنياً خالداً عربياً وأفريقياً.
وُلد الطيب الصديقي بمدينة الصويرة جنوب المغرب عام 1939، كان رائداً في المسرح العربي، ويُعد أبرز الكتاب المسرحيين العرب في القرن العشرين، لُقب بـ"أب المسرح المغربي"، سافر في السادسة عشرة من عمره إلى فرنسا لاستكمال دراسته، حيث تلقى هناك دورات تدريبية في المسرح قبل أن يعود إلى وطنه لاستئناف نشاطيه الفني والإداري.
شغل الصديقي منصب المدير الفني للمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، ثم مديراً للمسرح البلدي بالدار البيضاء، كان له دور كبير في تأطير الأجيال الجديدة من الفنانين المغاربة.
ساهم الطيب الصديقي في التعريف بالمسرح المغربي وتأسيس هويته من خلال المزج بين الأصالة والحداثة، واشتهر بتوظيف التراثين المغربي والإسلامي في المسرح، قدم العديد من الأعمال الخالدة، أبرزها "مقامات بديع الزمان الهمداني" و"ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب"، كما ترجم واقتبس أكثر من ثلاثين نصاً مسرحياً باللغتين العربية والفرنسية، وأخرج العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والأشرطة الوثائقية، ومثل أيضاً في عدد من الأفلام الأوروبية والعالمية، من بينها فيلم "الرسالة".
عن الطيب الصديقي، يقول الكاتب والسيناريست محمد الغيطي: "لقاؤه كان شرفاً لي خلال مهرجان المسرح التجريبي الذي أقيم بمصر، لأنني كنت من متابعيه وعشاقه باعتباري دارساً لفن المسرح، هو فنان موسوعي شامل أشبه بـ"بيتر بروك" في تجربة المسرح الإنجليزي، أحدث قفزة في المسرح العربي من المسرح الذهني أو الفكري الذي هو مسرح "توفيق الحكيم"، إلى مسرح الفرجة والمتعة وكسر الحائط الرابع، تميز بالمسرح الملحمي متأثراً بتجربة "برتولت بريخت"، أعتبره من الرواد الأوائل الذين أطلقوا نهضة مسرحية عربية طالت كل الأجيال في العالم".
في السياق نفسه، يقول الناقد السينمائي المغربي عبدالكريم واكريم: "حضور مثل هذه اللقاءات، خاصة تلك المتعلقة بالسينما الأفريقية مثل مهرجان الأقصر للسينما، يعتبر فرصة مهمة لتبادل الأفكار والتجارب، والتعرف على المستوى الذي وصلت إليه السينما في القارة، أما بالنسبة لتكريم الراحل الطيب الصديقي، فهو مبادرة ذات أهمية كبيرة، إذ يُعد الصديقي أحد الأسماء البارزة التي تركت بصمة قوية في المسرح والسينما المغربية والعربية والأفريقية، لقد جدد رؤيته في العمل المسرحي، ثم السينمائي، وكان من رواد المسرح الاحتفالي، الصديقي لم يقتصر تأثيره على المسرح فقط، بل أسهم في تكوين أجيال من الممثلين والمجموعات الغنائية الشهيرة مثل "ناس الغيوان" و"جيل جيلالة"، الفترة التي كان الصديقي ينشط فيها تُعتبر من أهم مراحل ازدهار المسرح المغربي، الذي شهد في تلك الحقبة توهجاً كبيراً بفضل إبداعه وإسهامات كبار الرواد الآخرين، مقارنةً بالتراجع الملحوظ الذي يشهده المسرح المغربي في الوقت الحالي".
ويقول أيضاً الفنان سامي مغاوري: "الطيب الصديقي فنان كبير، وتكريمه اليوم يُعد استحقاقاً طبيعياً ومُستحقاً لتاريخه الفني المتميز، هذا التكريم لا يقتصر على شخصه فقط، بل هو تكريم لكل فنان حمل على عاتقه قضايا وطنه وأمته، عرفه الجمهور المصري من خلال دوره البارز في فيلم "الرسالة" وأعماله التي زينت الشاشات العربية، كما يتذكره المسرحيون المصريون جيداً بفضل إبداعاته المسرحية المميزة، إنه تكريم يليق بمسيرته، ويُعبر عن تقدير لكل فنان أصيل منح فنه لخدمة القضايا الكبرى".
وصرحت الفنانة المغربية هدى الإدريسي بخصوص هذا التكريم: "الراحل المسرحي العظيم الطيب الصديقي علامة من علامات المسرح المغربي والسينما المغربية، ممثل عالمي شارك في العديد من الأفلام العالمية، ومن ضمنها فيلم "الرسالة"، كاتب ومخرج لعدد كبير من المسرحيات باللغتين العربية والفرنسية، كان ملهماً لجيله ولكل مهتم وممارس للعمل الفني، أنا مدينة له بمسيرتي المهنية سواء في التمثيل أو الإعلام، ولن أنسى أنه وافق على إجراء حوار معي في بداياتي لقنوات ART".
أما بكر الصديقي، نجل الفنان الراحل، فعبر عن شكره وامتنانه لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية بقوله: "الاهتمام بالذاكرة الجماعية وتكريم الشخصيات التي شكلت معالم الفن يُعد خطوة إيجابية، خاصة عندما يتعلق الأمر برائد من رواد المسرح على المستويات المغاربية والعربية، كل التقدير لإدارة المهرجان التي تسهم في تعزيز الهوية الثقافية وبناء المجتمعات، حيث إن معرفة التاريخ تمكننا من فهم الحاضر وصياغة مستقبل أفضل، وهذا هو النهج الذي تتبناه مؤسسة الطيب الصديقي، التي توجه شكرها لكل من يكرّم ذكرى هذا الفنان الذي حظي بمكانة مرموقة عالمياً، أما في مجال السينما، قدم الطيب الصديقي فيلماً وحيداً بعنوان "الزفت"، الذي حصد جائزة أفضل عمل أول في أيام قرطاج السينمائية عام 1984، إلى جانب أعماله المسرحية العديدة، كما ساهم في السينما من خلال أفلام قصيرة ومشاركات تمثيلية، اشتهر الصديقي بإبداعه في المزج بين التراث المغربي، سواء المكتوب أو الشفهي، وبين الحداثة، وقد نجح في ترسيخ الهوية المغربية من خلال هذا النهج الفني المبتكر، وعلى الرغم من مرور تسع سنوات على رحيله، لا تزال أعماله تُذكر وتُحتفى بها، وتواصل مؤسسته حمل إرثه الثقافي والفني عبر أنشطتها المسرحية، إننا كدولة ذات حضارة وتاريخ عريق نمتلك ثروة فكرية وثقافية غنية، ويجب علينا الحفاظ عليها وصونها للأجيال المقبلة".
*كاتبة وإعلامية مغربية
0 تعليق