كيف نواجه الابتزاز الإلكتروني؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تجلى اهتمام قناة المملكة الإخبارية بموضوع "الجرائم الإلكترونية" من خلال حلقة مميزة من برنامج "صوت المملكة" الذي يقدمه الصديق الإعلامي عامر الرجوب؛ حيث سلطت الضوء على التحديات التي يفرضها هذا النوع من الجرائم، لا سيما جرائم الابتزاز الإلكتروني، وهو نقاش يستحق التوسع لتوضيح الأطر القانونية لهذه الجريمة ومخاطرها المتزايدة، خاصة في ظل تضاعف الجرائم الإلكترونية في البيئة الرقمية الأردنية خلال العقد الأخير بمعدل يفوق عشرة أضعاف.اضافة اعلان
وعلى الرغم من الأهمية البالغة لهذا الموضوع، فإن "قانون العقوبات" الأردني لم يعرّف بشكل صريح مفهوم الابتزاز، بل اكتفى بالإشارة إليه في المادة 415 بعد تعديلها في العام 2017، أما "قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لسنة 2015"، فقد خلا من النص بشكل واضح على جريمة الابتزاز الإلكتروني، إلا أن القانون الجديد رقم 17 لسنة 2023 عالج هذه الفجوة التشريعية، وخصص المادتين 18 و20 لتجريم أفعال الابتزاز الإلكتروني سواء أكان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
المادة 18 من القانون نصت على معاقبة كل من يقوم بتهديد شخص أو ابتزازه باستخدام وسائل تقنية المعلومات بعقوبات تتراوح بين الحبس لمدة سنة وغرامة مالية تصل إلى ستة آلاف دينار، وأما المادة 20، فركزت على معاقبة من يقوم بنشر مواد حساسة، مثل صور أو تسجيلات شخصية، بقصد التشهير أو الإساءة، بعقوبات أكثر شدة تصل إلى خمسين ألف دينار.
وبالطبع، لا تقتصر خطورة هذه الجريمة على الجوانب القانونية، بل تتعداها إلى الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية؛ إذ تسبب هذه الجرائم صدمات نفسية عميقة للضحايا، وقد تؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار، كما أنها تعرض الضحية للنبذ الاجتماعي وتكبدها خسائر مالية نتيجة الرضوخ للمطالب المالية للمبتز.
أما المجتمع العربي، المعروف بتمسكه بالعادات والقيم، فيعاني بشكل أكبر من هذه الظاهرة؛ حيث يُنظر إلى الضحية كوصمة عار، مما يجعل الإبلاغ عن هذه الجرائم محدوداً جداً، ورغم أن هذه المشكلة ليست مقتصرة على الدول العربية، فإن العوامل الثقافية والاجتماعية تضاعف من تعقيداتها.
أما في الأردن، فتشير الإحصائيات إلى أن عدد قضايا الابتزاز الإلكتروني بلغ أكثر من 700 قضية خلال أول أسبوعين من عام 2022 فقط، وفي المقابل، تجاوزت هذه القضايا حاجز 9000 حالة خلال عام 2021، وعلى الصعيد العالمي، أوضح تقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) لعام 2021 أنه تم تسجيل أكثر من 18,000 شكوى تتعلق بالابتزاز الجنسي في الولايات المتحدة، كما أن تقرير الإنتربول لعام 2021 أظهر أن أكثر من %60 من الجهات المختصة بمكافحة الجرائم صنفت جرائم الابتزاز من بين أخطر التهديدات الرقمية، إلى جانب جرائم أخرى مثل برامج انتزاع الفدية والتصيد الاحتيالي.
شخصياً أرى أن من الضروري أن يراجع المشرّع الأردني قانون الجرائم الإلكترونية بشكل مستمر، لمعالجة هذه الجرائم بما فيها الابتزاز بشكل أكثر شمولية، كونه يأخذ أشكالاً متعددة كما يجب تعزيز حملات التوعية المجتمعية لحث الضحايا على الإبلاغ عن هذه الجرائم دون خوف من العار الاجتماعي، وتعزيز التوعية المجتمعية من خلال القانونيين والإعلاميين والأكاديميين ومؤسسات المجتمع المدني.
كما أن التقنيات الحديثة يجب أن تكون جزءاً من الحل، وذلك من خلال استخدام أنظمة ذكاء اصطناعي للكشف عن التهديدات الرقمية بشكل استباقي، فضلاً عن كون التعاون الدولي لمكافحة الجرائم الإلكترونية أصبح ضرورة ملحة لضمان بيئة رقمية أكثر أماناً للجميع، بما يعزز من الثقافة القانونية ويرفع الوعي المجتمعي الذي هو السلاح الأقوى في مواجهة الابتزاز الإلكتروني الذي يهدد ليس فقط الأفراد بل المجتمعات بأسرها؛ فالابتزاز الإلكتروني هو جريمة عابرة للحدود، وتطورها السريع يجعل من الصعب ملاحقتها بالطرق التقليدية، لذلك، فإن تبني نهج شامل يجمع بين التشريعات المتطورة، والتقنيات الحديثة، وحملات التوعية الواسعة، هو السبيل الأمثل للحد من انتشارها وتقليل تأثيراتها السلبية.
وكما أشرت، يجب تعزيز دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في بناء وعي شامل حول الاستخدام الآمن للإنترنت ومخاطر الابتزاز الإلكتروني؛ إذ يمكن أن تتضمن هذه الجهود إنشاء برامج تعليمية متخصصة في المدارس والجامعات، وتقديم نصائح دورية عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حول كيفية التعامل مع التهديدات الرقمية.
على المستوى الأسري، يتحمل الآباء دوراً محورياً في توعية أبنائهم بالمخاطر المرتبطة بالتواصل الإلكتروني، وتعليمهم كيفية حماية خصوصياتهم ومعلوماتهم الشخصية، وإن بناء ثقافة الثقة داخل الأسرة يشجع الشباب على الإبلاغ عن أي محاولات للابتزاز أو التهديد دون خوف أو تردد.
وبالتالي فمواجهة الابتزاز الإلكتروني تتطلب تضافر الجهود بين الأفراد، والمجتمع، والمؤسسات الحكومية والخاصة، لضمان بيئة رقمية آمنة تعزز من ثقة المستخدمين في استخدام التكنولوجيا، وتحد من المخاطر التي تهدد أمنهم واستقرارهم النفسي والاجتماعي؛ فالمعركة مع الابتزاز الإلكتروني ليست معركة فردية، بل هي مسؤولية جماعية تستلزم التعاون والعمل المشترك لتحقيق الحماية المنشودة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق