في كل ثلاثة أشهر، تُطلق التكنولوجيا تحديثا جديدا يغير قواعد اللعبة. في المقابل، تظل مناهجنا التعليمية عالقة في دورة طويلة تحتاج الى ما يقارب الثلاث سنوات لتحديث محتواها. أي أنه مع كل 12 تحديثا وتطورا في التكنولوجيا يتحدث محتوى نظام التعليم مرة واحدة فقط. هذا التفاوت بين السرعتين خلق فجوة واضحة تهدد مستقبل الشباب، وتدفعنا للتساؤل: هل نظامنا التعليمي ما يزال مناسبا لعصر التكنولوجيا المتسارعة؟ وهل يمكن للتعليم المدمج والتدريب المهني المستمر أن يكونا الحل؟اضافة اعلان
فلنواجه الحقيقة: ما الذي يحتاجه سوق العمل اليوم؟ المهارات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، البرمجة، التحليل الرقمي، والعمل باستخدام أدوات مثل "Tableau" و"Python". لكن ماذا يتعلم طلابنا؟ في كثير من الأحيان، مواد نظرية قديمة قد تكون غير ذات صلة بسوق العمل.
التطور السريع في التكنولوجيا جعل سوق العمل يطالب بمهارات حديثة ومتقدمة. لكن ماذا يحدث عندما يخرج الشباب إلى هذا السوق حاملين شهادات لا تتماشى مع متطلباته؟ الإجابة واضحة: الكثير منهم يواجه صعوبة في الحصول على وظيفة، رغم تفوقهم الأكاديمي.
وفقا لدراسة أجرتها منظمة العمل الدولية، يشعر 60 % من الشباب العرب بأن تعليمهم لم يُعدهم بشكل كاف لمتطلبات سوق العمل. أحمد، خريج تقنية معلومات من إحدى الجامعات الأردنية، يقول: "تخرجت بتفوق، لكن لم أجد وظيفة لأن المهارات التي تعلمتها أصبحت قديمة، ولم تواكب تطورات التكنولوجيا."
في مواجهة هذا الواقع، برزت جامعة الحسين التقنية كنموذج للتغيير. الجامعة تعتمد نظام التعليم المدمج الذي يجمع بين الدراسة الأكاديمية والتطبيق العملي.
نور، طالبة هندسة ميكانيكية، هي واحدة من الأمثلة الناجحة. خلال دراستها، عملت على مشروع للطاقة الشمسية مع شركة محلية، مما أهلها للحصول على وظيفة فور تخرجها. ووفقا لتقرير الجامعة لعام 2024، فإن 100 % من خريجيها يجدون وظائف خلال أقل من ستة أشهر، مقارنة بـ55 % فقط من خريجي الجامعات التقليدية.
وإذا كان تحديث المناهج يحتاج سنوات، فإن التدريب المهني المستمر يُعد البديل الأمثل. مؤسسة التدريب المهني الأردنية تقدم برامج قصيرة المدى لتأهيل الشباب في مجالات مثل البرمجة، التسويق الرقمي، والطاقة المتجددة.
رامي، شاب يعمل في متجر إلكترونيات، انضم لدورة قصيرة في تصميم المواقع الإلكترونية. النتيجة؟ استطاع إنشاء موقع لمتجره، مما زاد مبيعاته بنسبة 60 %. اما تجربة رنا، التي تعلمت التسويق عبر "إنستغرام" في دورة تدريبية قصيرة، زادت من دخلها بنسبة 40 %.
قصص نجاح محلية: تغييرات ملموسة
• في محافظة الكرك، تم تدريب 20 شابا على صيانة الأجهزة الطبية ضمن مبادرة محلية. النتيجة؟ 15 منهم حصلوا على وظائف في مستشفيات محلية خلال ستة أشهر فقط.
• سعاد، خريجة إدارة أعمال من عمان، تعلمت استخدام أدوات تحليل البيانات الحديثة مثل "Power BI" عبر دورة تدريبية، وأصبحت الآن تعمل في إحدى أكبر شركات الاستشارات.
رغم هذه الأمثلة الملهمة، يبقى السؤال الحاسم: لماذا لا يتم توسيع نطاق هذه المبادرات لتشمل جميع المؤسسات التعليمية؟ ولماذا لا تتخذ خطوات جادة لتحديث المناهج بشكل سنوي لمواكبة التغيرات السريعة في التكنولوجيا وسوق العمل؟
الحلول ليست بعيدة المنال، وهي تتطلب إرادة وتخطيطا:
تحديث المناهج بشكل مستمر: يجب أن يتم إشراك خبراء من سوق العمل وأصحاب الشركات في عملية تصميم المناهج لتكون أكثر توافقا مع المهارات المطلوبة ولكي تصبح حديثة ومواكبة لتلك المهارات المطلوبة.
تبني التعليم المدمج: يمكن تعميم النماذج الناجحة مثل تجربة جامعة الحسين التقنية التي تجمع بين التعليم الأكاديمي والتدريب العملي وأيضا تشجيع الشباب على الالتحاق بالدورات المهنية التي تقدمها مؤسسات عدة مثل غرفة صناعة عمان ومؤسسة التدريب المهني وغيرها من مؤسسات حكومية وخاصة.
تعزيز التدريب المهني: عبر توفير منح حكومية لدعم الشباب الباحثين عن تطوير مهاراتهم في مجالات حديثة تكنولوجية تغطي متطلبات سوق العمل أو تقديم حوافز للشركات التي تساهم في تدريب الكوادر. هذه الحوافز قد تكون على شكل إعفاءات ضريبية.
هذه الخطوات ليست مجرد حلول مؤقتة، بل استثمار طويل الأمد في مستقبل الشباب واقتصاد الوطن.
وفي ضوء هذا الواقع، يبرز تساؤل جوهري: هل أصبح التعليم التقليدي عائقا أمام طموحات الشباب بدلا من أن يكون وسيلة لتحقيقها؟ إذا لم يستطع هذا النظام إعدادهم لمتطلبات سوق العمل المتسارعة، فما جدواه؟
الشباب الأردني بحاجة إلى نظام تعليمي يواكب التحولات التكنولوجية، ويمنحهم الأدوات اللازمة لقيادة المستقبل بدلا من أن يكونوا عالقين في ملاحقته. التدريب المهني والتعليم المدمج لم يعودا خيارا إضافيا، بل أصبحا ضرورة حتمية. فكما أن الاستثمار في التكنولوجيا مهم، فإن الاستثمار في الإنسان هو الأساس الحقيقي للتغيير والتقدم. فالإنسان هو من يصنع التغيير.
0 تعليق