هل شعرت يومًا بالإحباط أو القلق والتوتر عند سماع أصوات يومية معينة، مثل شخص يمضغ بصوت عالٍ، أو ينقر بالقلم، أو حتى يتنفس؟ في حين أن هذه الأصوات قد تبدو غير مؤذية بالنسبة لمعظم الناس، إلا أنها بالنسبة للبعض يمكن أن تثير ردود فعل عاطفية شديدة يصعب السيطرة عليها.
هذه الحالة، المعروفة باسم ميزوفونيا ، والتي يمكن أن تحول الأصوات العادية إلى مصادر للضيق، مما يؤثر على الصحة العاطفية والاجتماعية للشخص.
ما هي الميزوفونيا؟
"ميزوفونيا"، المعروفة عمومًا بـ اضطراب كره الأصوات "، هي حالة تؤدي فيها بعض الأصوات إلى استجابات عاطفية شديدة. قد تبدو هذه الأصوات غير ضارة تمامًا بالنسبة لمعظم الناس، ولكن بالنسبة لشخص مصاب بالميزوفونيا، يمكن أن تكون لا تُحتمل. قد يشعر الشخص المصاب بميزوفونيا بإحساس بالغضب أو الاشمئزاز، ويمكن أن تكون الاستجابة العاطفية شديدة لدرجة أنها تؤدي إلى ردود فعل جسدية مثل التعرق، أو الارتجاف، أو حتى زيادة معدل ضربات القلب"، بحسب خبيرة الأعصاب، الدكتورة شيتال جويل، استشارية الأعصاب في مستشفيات ووكهارت، مومباي سنترال جويل.اضافة اعلان
ووفقًا لدراسة أجريت عام 2022، فإن الميزوفونيا هي اضطراب معقد يشمل عوامل عصبية وسلوكية، وله أسباب متعددة محتملة.
ويتميز هذا الاضطراب برد فعل فسيولوجي وعاطفي مبالغ فيه، ناتج عن عدم تحمل لأصوات معينة. غالبًا ما يُشار إلى هذه الحالة على أنها شكل من أشكال عدم تحمل الأصوات، حيث يظهر الأفراد حساسية مفرطة ونفورًا شديدًا تجاه أنواع معينة من الأصوات.
تشمل المحفزات الأكثر شيوعًا للميزوفونيا أصواتًا مثل المضغ، أو الرشف، أو النقر، أو الكتابة، أو تنظيف الحلق، أو حتى التنفس الثقيل. بالنسبة للأشخاص المتأثرين بهذه الحالة، فهي ليست مجرد إزعاج بسيط، بل تجربة مؤلمة للغاية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على صحتهم العاطفية، وعلاقاتهم، وتفاعلاتهم الاجتماعية.
ما الذي يسبب الميزوفونيا؟
رغم أن السبب الدقيق للميزوفونيا لا يزال غير واضح، تشير الأبحاث إلى أن الحالة قد تكون مرتبطة بزيادة الحساسية في مناطق معالجة الصوت في الدماغ. لدى عامة الناس، تُعالج الأصوات بطريقة محايدة نسبيًا. ولكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الميزوفونيا، قد يفسر دماغهم بعض الأصوات على أنها تهديدات، مما يؤدي إلى استجابة عاطفية قوية. قد تكون هذه الحساسية المفرطة نتيجة روابط عصبية غير طبيعية أو اتصال مفرط النشاط بين الجهاز السمعي والجهاز الحوفي، وهو المنطقة المسؤولة عن العواطف في الدماغ.
"تشير بعض النظريات إلى أن الميزوفونيا قد يكون لها أيضًا مكون عاطفي أو نفسي. يعتقد بعض الباحثين أن الحالة قد تكون ناجمة عن تجارب صادمة في الماضي أو ارتباطات عاطفية بأصوات معينة. بديلًا عن ذلك، قد تكون مرتبطة بالقلق أو اضطرابات الصحة النفسية الأخرى، رغم أن هذه العلاقة لا تزال قيد الدراسة"، كما أوضحت الدكتورة جويل.
من الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة بميزوفونيا؟
ورغم أن الأبحاث حول الميزوفونيا لا تزال قيد التطوير،يمكن لأي شخص أن يعاني من ميزوفونيا، لكنها غالبًا ما تبدأ في مرحلة الطفولة أو المراهقة. وتشير الأبحاث إلى أن الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب غالبًا ما يكون لديهم:
-مشاكل عصبية : تشير الدراسات إلى أن الأشخاص المصابين بميزوفونيا لديهم نشاط غير طبيعي في بعض مناطق الدماغ، مثل اللوزة الدماغية المرتبطة بالتحكم في العواطف، ومستويات عالية من التوتر أو القلق.
-تجارب سابقة : قد تتطور ميزوفونيا نتيجة لتجربة سيئة مع صوت معين، مثل ربط صوت المضغ بموقف محرج أو مزعج.
-عوامل وراثية : أظهرت بعض الدراسات أن هذا الاضطراب قد يكون له مكون وراثي، حيث يعاني أفراد الأسرة الواحدة أحيانًا من أعراض مشابهة، وأيضا سمات
شخصية حساسة، مثل الانطوائية أو التفكير الزائد.
-الحساسية المفرطة : يميل الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب إلى أن يكونوا أكثر حساسية للأصوات بشكل عام. وأيضا سمات
شخصية حساسة، مثل الانطوائية أو التفكير الزائد. وحتى حالات عصبية أخرى مثل اضطراب الوسواس القهري أو القلق الاجتماعي.
أما الأصوات التي تؤدي إلى رد فعل سلبي تختلف من شخص لآخر، لكنها غالبًا ما تشمل:
-أصوات الفم: مثل مضغ الطعام، شرب السوائل، أو التنفس بصوت عالٍ.
-الأصوات المتكررة: مثل قرقعة القلم، النقر بالأصابع، أو تكرار كلمات أو عبارات معينة.
-أصوات البيئة: مثل نقر الساعة، أصوات المكيف، أو صوت المروحة.
التأثير العاطفي والاجتماعي
العيش مع الميزوفونيا يمكن أن يكون تجربة معزولة. الأصوات التي تسبب الضيق قد لا تزعج الآخرين بالطريقة نفسها، مما يؤدي إلى شعور بالإحباط وسوء الفهم.
قالت الدكتورة جويل: "يمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى تجنب الأشخاص للمواقف الاجتماعية التي قد تحدث فيها هذه المحفزات، مثل وجبات العائلة، أو -وسائل النقل العامة، أو حتى أماكن العمل. وهذا التجنب قد يؤدي بدوره إلى العزلة الاجتماعية والقلق، مع تزايد الخوف من مواجهة هذه الأصوات".
وبالنسبة للكثيرين، تصبح الميزوفونيا معركة داخلية، حيث يؤدي التوقع بسماع صوت محفز إلى زيادة القلق حتى قبل سماع الصوت. يمكن أن يجعل هذا الدوران المستمر من القلق والضيق العاطفي المواقف اليومية مرهقة للغاية، مما يقلل من جودة حياة
كيف يتم التعامل مع ميزوفونيا؟
رغم أن الميزوفونيا قد تكون تحديًا كبيرًا، إلا أن هناك استراتيجيات عديدة يمكن أن تساعد الأفراد على إدارة استجاباتهم العاطفية وتقليل تأثير الحالة على حياتهم:
-سماعات الرأس لإخفاء الصوت : من أكثر الاستراتيجيات شيوعًا استخدام تقنيات إخفاء الصوت. يجد العديد من الأشخاص الراحة في استخدام أجهزة الضوضاء البيضاء، أو الموسيقى المهدئة، أو سماعات الأذن لتغطية الأصوات المحفزة. يمكن أن يساعد ذلك في تقليل التأثير العاطفي للأصوات، مما يتيح للأفراد البقاء هادئين ومركزين.
-العلاج السلوكي المعرفي (CBT) : ، خيار علاجي فعال للأشخاص الذين يعانون من الميزوفونيا. يساعد هذا العلاج المرضى على التعرف على الأفكار والمعتقدات التي تحرك استجاباتهم العاطفية. من خلال إعادة صياغة ردود أفعالهم تجاه المحفزات وتعلم تقنيات الاسترخاء، يتمكن العديد من الأفراد من إدارة ردود أفعالهم بشكل أكثر فعالية.
-إزالة الحساسية: التعرض التدريجي للأصوات المحفزة في بيئة آمنة ومضبوطة يمكن أن يساعد في تقليل الحساسية بمرور الوقت. عملية إزالة الحساسية هذه، التي غالبًا ما تتم بإرشاد معالج، تساعد الأفراد على بناء القدرة على التحمل وتقليل استجابتهم العاطفية تجاه الأصوات.
واختتمت الدكتورة جويل بالقول: "رغم أن الميزوفونيا لم يتم الاعتراف بها رسميًا كاضطراب مستقل في العديد من الأدلة التشخيصية، فإن زيادة الوعي تمهد الطريق لفهم أفضل وخيارات علاج أكثر فعالية. بالنسبة للمصابين، من الضروري البحث عن الدعم واستكشاف آليات التعامل لتحسين جودة حياتهم. من خلال تعزيز الوعي والتعاطف، يمكن للمجتمع أن يخلق بيئة أكثر تفهمًا للأفراد الذين يواجهون تحديات الميزوفونيا".
ومن الجدير بالذكر أن ميزوفونيا ليست مجرد انزعاج عابر من بعض الأصوات، بل هي اضطراب حقيقي يؤثر على حياة المصابين به بشكل كبير. من المهم أن ندرك أن الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب يحتاجون إلى تفهم ودعم، بدلاً من السخرية من حساسيتهم.، ومن المهم طلب المساعدة من مختص نفسي قد يكون خطوة فعّالة لتحسين جودة الحياة.
0 تعليق