لجنة التحكيم تشيد بالمسرحيين العمانيين الذين رسموا صورة بهية لعمان ومسرحييها
حصلت مسرحية «البخّارة» لـ«أوبرا تونس، قطب المسرح» على جائزة صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وذلك في حفل ختام مهرجان المسرح العربي الخامس عشر، برعاية صاحب السمو السيد ذي يزن بن طارق آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، بتنظيم من الهيئة العربية للمسرح، ووزارة الثقافة والرياضة والشباب والجمعية العمانية للمسرح.
وكان العرض الفائز من تأليف: صادق الطرابلسي وإلياس الرابحي، وإخراج صادق الطرابلسي. وتقدم المسرحية حكاية اجتماعية عميقة تعكس واقع الإنسان المعاصر، في مواجهة آثار التلوث البيئي والاجتماعي، مستحضرة تفاصيل الحياة اليومية في بيئة خانقة تتلاشى فيها الأحلام، وتتصاعد فيها الصراعات.
وأعلنت الهيئة العربية للمسرح أن «القاهرة» ستكون هي الوجهة القادمة للمهرجان الذي يجوب أقطار المنطقة العربية، وكانت مسقط هذا العام هي حاضنة المسرح العربي، بعروض بلغت 15 عرضا في المسار الأول، و 4 عروض في المسار الثاني، إضافة إلى ندوات وورش عمل متنوعة.
مسرح متجدد
وألقى الفنان اللبناني رفيق علي أحمد رئيس لجنة التحكيم بيانا أشاد فيه بالمناخ الحر والإيجابي الذي وفرته الهيئة لعمل اللجنة التي تحمل على عاتقها تحقيق أهداف المهرجان في مسرح جديد ومتجدد، مسرح محترف، مسرح يحقق حلمنا جميعًا في مسرح عضوي ومشتبك مع قضايا أمتنا والإنسانية جمعاء».
وحول العروض قال رئيس لجنة التحكيم: «قدمت العروض جميعًا رؤى جديدة وجماليات تنحو نحو توظيف التكنولوجيات الجديدة والرقمنة، كما شهد المهرجان وجود ستة عروض من أصل خمسة عشر عرضًا في المهرجان بتوقيع ست مبدعات عربيات ومن أجيال مختلفة، وطرحت أعمالهن قضايا معاصرة تعيشها مجتمعاتنا وتلمست مكامن الأمل والألم، وتحيي اللجنة هذه الجهود الإبداعية الفارقة».
المسرحيات الختامية
وقدمت فرقة شادن للرقص المعاصر العرض قبل الأخير من عروض المهرجان ضمن العروض المتنافسة على جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في مهرجان المسرح العربي الخامس عشر، وهو من إخراج شادن أبو العسل.
يطرح العرض قوة الجسد كأداة تعبير ومقاومة، مستعرضًا صراعًا إنسانيًّا أزليًّا بين القمع والطموح نحو الحرية. وتميز العرض بشخصياته الرمزية الأربع التي حملت أدوارها معاني عميقة ضمن سياق رمزي مليء بالتأويل.
الناقد جمال قرمي في قراءته للعرض المسرحي الفلسطيني «ريش»، تناول العديد من النقاط التي تبرز عمق العرض وحساسيته الفنية، مشيرًا إلى أن رؤيته كممارس للعرض المسرحي جعلته يحب هذا العمل. واصفًا العرض بأنه يمثل«سلطة الصمت» في مواجهة الكلمة، حيث يرى في ذلك إيديولوجية الصمت الذي يعكس ما نعيشه في حياتنا اليومية. فالجسد في هذا العرض يتخذ مكانة رمزية، فيما الكلمات تأخذ دورًا ثانويًّا في المجتمعات التي تعاني من القمع، ليصبح الجسد مساحة للمقاومة وأداة يستخدمها الفنان للتعبير عن قضايا وجودية وإنسانية.
«ريش» في نظر قرمي هي صرخة الروح المستلبة، حيث أن الجسد يتحول إلى سلاح للحرية في مواجهة التسلط وقيوده. ويعكس العرض مستويات عالية من الالتزام، ويعبر عن الواقع من خلال مزج الحركة المسرحية مع الرقص. كما أن العرض يعري مفهوم التحرر ويضيء قدرة الإنسان على المقاومة والتمرد.
وعن شخصية المرأة التي أدتها ماشا سمعان رأى قرمي أنها تظهر في العرض كتجسيد للتمرد والتحرر، فتفتح آفاقا جديدة وتتنقل عبر اللونين الأزرق والوردي، ليعتلي هيكلها الأنثوي في دور ذكوري، واختزال السلطة المطلقة التي تسيطر على المستلبين. بينما تظهر المرأة الدمية التي أدتها هيا خورية في حالة من الامتثال، حتى تصل إلى حالة التماهي الكامل مع القوى المسيطرة.
أما شخصية الرجل المستلب التي أداها عنان أبو جابر، فيعكس تفاعله مع الدمية تلك الحالة المشتركة بين المستلبين والمستبدين حسب قرمي. وهي تأتي كجزء من الصورة الرمزية التي يعكسها العرض، حيث تسلط الضوء على العلاقة بين الحرية والقبول بالواقع المفروض.
وعلى صعيد السينوغرافيا، يرى قرمي أن هذه العنصر يمثل نقطة محورية لدعم الحكاية وتعميق التأثير العاطفي، حيث يكون الفضاء المسرحي بين القيود والانفتاح، متقشفا ومفتوحا، وتسيطر عليه البساطة التي تمنح المشاهد الفرصة للتأمل. التصميم شبه الخالي من العناصر الداخلية يعكس السجن الداخلي الذي تعيشه الشخصيات.
أما فيما يخص الإضاءة، فهي تمثل لغة بصرية ذات طبقات متعددة، إذ يسيطر اللون الأزرق على مشاهد السلطة، بينما يشير اللون الأحمر إلى التحول والصراع والغضب. كما أن الإضاءة الخافتة والهادفة تُستخدم لعزل الشخصيات وتركيز الانتباه على التفاصيل الحركية.
أما الديكور، فيتمحور حول الكرسي الذي يصبح رمزًا للقيد والاستلاب كما يشير قرمي، فيما يضفي المرسى المرتفع هيمنة على العرض. بينما يمثل عنصر الريش رمزية للهشاشة، مما يضيف عمقا آخر لفهم الشخصية والصراع الداخلي.
ولعبت الأزياء دورا مهما في تحديد هويات الشخصيات وديناميكيات علاقاتهم، لتكتمل بذلك رمزية العرض الذي يبحث عن كينونة الإنسان الحر. ويختتم قرمي بالإشارة إلى أن العرض يمثل نوعًا من الرقص المعاصر الذي يفتح الأفق لأسئلة التحرر والوجود.
إجمالاً، يعتبر جمال قرمي أن «ريش» هو عرض مسرحي يبحث في جوهر الإنسان وحريته، ويعكس بعمق الصراع الداخلي الذي يعيشه الأفراد في مجتمعاتهم القمعية، وتظهر فيه رمزية قوية ومؤثرة في جميع جوانب العرض.
وكان موعد ختام العروض المسرحية للمهرجان بعرض دولة الكويت الذي حمل عنوان «غصة عبور»، تأليف تغريد الداود، وإخراج محمد الأنصاري، وتدور أحداثها حول مجموعة من الأشخاص المغتربين العالقين على جسر مشاة هش رابط بين منفذين، لكل شخصية منهم تاريخ عميق يربطه بهذا الجسر، فتوقفوا عليه كالغصة التي تقف في سقف الحلق.
رسائل كثيرة بعثها العرض المسرحي، حوارات مشبعة بالوجع، وأخرى مليئة بالكوميديا السوداء، وشخوص تقمصوا الأدوار بتمكن ومثالية، وأفكار متداخلة تغذي العرض وتبهر الجمهور، وجال السؤال الذي تردد كثيرا على خشبة المسرح، وربما في أذهان الجمهور، ما هو الوطن؟ وكيف يعيش الإنسان في دوامة البحث عن الوطن، أن يجرد شاعر من كلماته ويسلب حبر قلمه النابض بحب الوطن، فيتبدل من شخص إلى آخر، طاويا غياهب ذاته في دوامة الغربة، تلك التي فرقت بين رجل وأسرته، فكان لزاما عليه أن يبقى مغتربا لما يصل إلى 30 عاما ليؤمِّن حياة كريمة لأبنائه القاطنين في الوطن، وهو المحروم من العيش فيه، تماما كحرمان أم أنجبت طفلها في الغربة بعد أن هجرها الرجل الذي حاربت أهلها لتكون برفقته، وبقيت عالقة تتجرع مرارة الألم والحرمان، فلا هي لوطنها تعود، ولا هي تملك لطفلها وطنا.
الغربة بمفهومها الواضح والصريح، والمبطن الخفي هي أبرز ما كانت المسرحية تتناوله بعمق فكري، وكتابة مسرحية متمكنة، ولم يكن الوطن إلا شعور عميق بالمكان أو الأشخاص أو العاطفة، فهو بكل أشكاله ومعانيه المختلفة بين شخص وآخر ما هو إلا شعور صادق بالأمان والاطمئنان والاستقرار، الشعور أنك في حماه تجد كل التفاصيل التي تؤهل لعيش الحياة المطمئنة السعيدة.
وتميز عرض «غصة عبور» باختياره للأزياء، وألوانها ذات الدلالات المرتبطة بكل شخصية، كما كان عمل الديكور بكل تفاصيله ومعانيه، وإمكانية تحريك «الجسر» بين الحين والآخر بما يتواءم وحوارات الأداء، وبطبيعة الحال كانت الإضاءة متماشية مع كل مشهد.
أدّى بطولة المسرحية كل من: الفنانة سماح، والفنان عبدالله التركماني، والفنان عبدالعزيز بهبهاني، والفنان عامر خليل أبو كبير، والفنان أحمد صايد الرشيدي، وآخرين.
0 تعليق