((عمان)): استضاف النادي الثقافي في مقره بالقرم الدّكتور زهير تغلات من الجمهوريّة التّونسيّة الذي قدم محاضرة بعنوان "تجليات الفكر السياسي في مؤلفات سالم بن ذكوان والبرادي والشماخي"، وأدار الجلسة سيف المسكري.
وتناول الباحث التونسي توجهات سالم بن ذكوان والبرادي والشّماخي، حيث أن الاهتمام بالفكر السّياسيّ بدأ يتعزّز شيئا فشيئا، مقارنا علاقتها بالفكر السياسي الحديث، والمتغيرات السياسية في المنطقة.
وأوضح الدكتور زهير تغلات بأن كلّ من يريد إعادة كتابة التّاريخ الاسلاميّ المبكّر في القرن الأوّل الهجريّ يجد نفسه مجبرا على العودة إلى هذه النّصوص في إطار اهتمام الدّراسات التّاريخيّة والأنتروبولوجيّة بما يسمّى بفكر الأقلّيات، وقد كان اهتمام المدرسة التّصحيحيّة الانغلوسكسونيّة بهذا الفكر، لما قد يوفّره من مصادر متقدّمة تحظى بالثّقة، وتعود إلى الإسلام المبكّر، ومن ثمّة كان همّ الاستشراق الجديد البحث عن مصداقيّة الشّواهد الوثائقيّة والأبحاث الأركيولوجيّة، لإعادة قراءة التّاريخ الإسلاميّ قراءة إشكاليّة.
كما تطرق إلى أهمّية المنهجيّة التي أشار إليها بأنها لا تقدّر بثمن في استثمار هذه النّصوص المؤسّسة، مبينا أن في تاريخ علم اجتماع الأديان يطرح سؤال كبير يتعلّق بمسألة الفرق: هل أنّ الفرقة سابقة للتّوحّد أم الأصل هو التّوحّد ثمّ يأتي الانشقاق بعد ذلك، وقد تكثّف هذه المقاربات في السّنين الأخيرة، فاضطلعت به مراكز بحوث ومؤسّسات، ولا جدال في أنّ هذا الجهد المعرفيّ رغم العقبات التي قد تعترضه، سيسهم في جمع شتات المؤلّفات الإباضيّة في المشرق والمغرب. فرصيد التّراث الإباضيّ غزير، وإن تمّ الالتفات إليه بالقدر المطلوب، أسهم في تنوّع الفكر الإسلاميّ وثرائه.
وأوضح الدكتور زهير تغلات بأن سيرة سالم بن ذكوان هي رسالة عقديّة مبكّرة، بدأ يتبلور فيها الفكر السّياسيّ الإباضيّ وهي من المراجع الرّئيسة للفكر السّياسي الإباضي، حيث جاءت مستفيضة ومفصّلة، والجدير بالذّكر أنّ هذا العنصر يمثّل أهمّ عناصر الرّسالة لأنّه يكشف بداية تشكّل الكلام السّياسيّ عند الإباضيّة بما يعنيه من جدل ومنافحة وتمايز منذ الصّدر الأوّل للتّأسيس، موضحا أن الكلام السّياسيّ هو الشّعارات والمقالات والأفكار والنّصوص التي أنتجتها الجماعات السّياسيّة التي بدأت تتشكّل في خضمّ الفتنة الكبرى واستمرّ وجودها بعدها مدّة من الزّمن ثمّ اندثرت أو تطوّرت إلى أحزاب سياسيّة وفرق كلاميّة أكثر نضجا وقدرة على التّأقلم مع الظّروف السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة المتحوّلة.
ويتابع بأن الكلام السّياسيّ الأوّل كما ورد في عيّنات واضحة منه في رسالة سالم بن ذكوان نشأ على انشغال حاد بالقضايا السّياسيّة والاجتماعيّة الحامية التي عرفها المجتمع الإسلاميّ في القرن الهجريّ الأوّل الموافق القرن السّابع الميلاديّ، كما أنّ هذه القضايا عبارة عن أسئلة سياسيّة حارقة ومشاغل اجتماعيّة حيّة ووقائع جسيمة ذات تأثير حاسم في مجريات الحياة الاجتماعيّة تستقطبها جميعا بؤرة واحدة تتمثّل في إشكاليّة السّلطة والحكم وتنظيم المجتمع.
ويعلل تغلات الأنساق العقائديّة المغلقة أنها تنتج بفعل آلياتها الدّاخليّة استراتيجيّات رفض الآخر المختلف، وتجعل التّعايش مرفوضا أصلا أو أمرا متكلّفا مقبولا على مضض بحكم الأمر الواقع، ولكن هشاشته سرعان ما تفضي إلى انطفاء جذوته، فيعمّ التّكفير وتتبعه البراءة، ولكن لا مناص من أن يخوض المجتمع الحديث صراعا لاستبداله بمفهوم حديث ينأى عن الهوويّة الضّيقة، ويكون أوسع انتشارا وأكثر تأثيرا واستيعابا، وهو مفهوم "المواطنة" الذي يقول "بأوّلية الفرد".
مؤكدا على أهمية ترسيخ مفهوم المواطنة في مسار ديمقراطيّ يحقّق الحرّية والعدالة من شأنه أن يسهم في تجاوز مفهوم الولاية والبراءة المحمّل بمعاني البغض والإقصاء والمفاضلة وتضييق الانتماء، نحو أفق أرحب يكفل المساواة لكافة أفراد المجتمع، ويسهم في تغلغل الرّوح الدّيمقراطيّة.وهذا الأفق يقتضي خلق فضاء عام ذو وظيفة استيعابية يكون منبرا للحوار والاقتراحات البنّاءة والتّوافق يستجيب لمبدأ التعدّد ويعقد نقاشا بين المواطنين حول مواضيع تكتسي طابع المصلحة العامّة، فيفضي إلى الاعتراف والتّقريب والتّعايش وفق قيم المواطنة.
0 تعليق