اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يلوثه ترامب ونتنياهو وازدراؤهما للسلام‏

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
‏سيمون تيسدال‏ - (الأوبزرفر) 16/1/2025
من هذه البدايات يجب أن تأتي تسوية عادلة ودائمة للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء – ومراجعة الحساب.
                         *   *   *اضافة اعلان
‏وأخيرا! اتفاق وقف إطلاق النار الذي طال التوق إليه بين إسرائيل و"حماس" مقابل الرهائن ‏‏يحدث في نهاية المطاف‏‏. وهو موضع ترحيب. مثل الجليد الرقيق الذي يغطي المياه العميقة، هو هش بشكل مخيف وعرضة للتصدع تحت أدنى ضغط. وقد تأخر كثيرا، وكان مستحقا منذ زمن بشكل مميت. مات عشرات الآلاف من الفلسطينيين، والعديد من الإسرائيليين، منذ أيار (مايو) الماضي، عندما حدد الرئيس الأميركي، جو بايدن، ‏‏معايير‏‏ هذا الاتفاق أول الأمر. وما يزال المدنيون يقتلون في الغارات الجوية الإسرائيلية التي ‏‏اشتدت بالفعل‏‏ منذ أن وقع الجانبان بالأحرف الأولى على الاتفاق في قطر.‏
يشعر الفلسطينيون في غزة وأماكن أخرى بالارتياح بطبيعة الحال لأن هذا القصف الإسرائيلي القاسي سيتوقف قريبا. لكن الاحتفالات تخففها المخاوف بشأن المستقبل، والحزن العميق والغضب على الحاضر والماضي القريب اللذين يظلان مرعبين. ووفقا لأرقام وزارة الصحة في غزة، لقي أكثر من 46.000 شخص حتفهم هناك منذ هجمات "حماس" القاسية في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1.200 شخص. وقد يكون عدد القتلى الفلسطينيين الحقيقي ‏‏أعلى من‏‏ ذلك.‏
‏معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة نازحون. ومعظم منازلهم وأحيائهم أصبحت ركامًا. ويعاني معظمهم من نقص في الطعام والماء. ويشكل الجوع، الذي يقترب من المجاعة، تهديدا يوميا يومي. كما تم تحطيم المستشفيات ونظام الرعاية الصحية. ونشأت مدن الخيام حيث كانت المدن الحقيقية موجودة ذات يوم. العصابات تتجول وتسرق. وربما يكون الأطفال ‏‏هم أكبر الضحايا‏‏. ويعاني أولئك منهم الذين ظلا على قيد الحياة من الصدمة. ولا شك في أن الفشل الذريع للعالم في وقف هذه المذبحة للأبرياء ‏‏لن يُغفر أو ينسى‏‏.‏
‏أما السبب الدقيق في أن التوصل إلى الصفقة استغرق كل هذا الوقت الطويل فهو، مثل الكثير من الأشياء الأخرى، موضوع للخلاف. يتهم الخصوم السياسيون وعائلات الرهائن بنيامين نتنياهو ‏‏بأنه عرقل متابعة‏‏ اتفاق وقف إطلاق النار المحدود مقابل الرهائن الذي أُبرم في تشرين الأول (نوفمبر) 2023، ‏‏من أجل استمرار بقائه في السلطة‏‏. ويلقي آخرون باللوم على "حماس" وقيادتها العنيدة التي قُتلت أو تفرقت في فترة التأخير -وما ترتب على ذلك من مقتل رهائن إسرائيليين في الأسر. وقد أدى نزاع في اللحظة الأخيرة إلى تأخير تصويت مجلس الوزراء الإسرائيلي للموافقة على الصفقة. وحتى الآن، ما تزال الصفقة حتى كتابة هذه السطور غير محسومة بالكامل.‏
‏كان وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، قد تفاخر هذا الأسبوع بأنه عرقل الاتفاق سابقًا، والذي يعتقد أنه خيانة. وقال بن غفير متفاخرًا: "لقد نجحنا في العام الماضي من خلال قوتنا السياسية في منع إتمام هذه الصفقة". ولديه، هو وزميله المتشدد، ‏‏وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش‏‏، الكثير ليُسألا عنه. وعلى الرغم من معارضتهما، يقال أن نتنياهو يمتلك الدعم الكافي لتمرير الاتفاق.‏
يصطف العديد من الفاعلين للمطالبة بإسناد الفضل إليهم في الصفقة، ويأتي دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتخب، في المقدمة. وحسب ما قيل، مارس مبعوثه، ستيف ويتكوف، ‏‏ضغوطا شديدة‏‏ على إسرائيل لتقديم تنازلات بشأن الجوانب الرئيسية للاتفاق، مثل انسحابات القوات من المنطقة على طول الحدود بين غزة ومصر. وحذر ترامب "حماس" من أن "‏‏الجحيم كله سيندلع‏‏" إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل توليه منصبه يوم الاثنين. وفي المقابل، على الرغم من فشله الكارثي المستمر في كبح جماح نتنياهو، يرى بايدن أن الاتفاق هو ريشة في قبعة إرثه هو. وفي الوقت نفسه، ضغطت دول الخليج العربي وتركيا على "حماس". ويستحق الوسطاء القطريون والمصريون الثناء على مثابرتهم.‏
‏ومع ذلك، كم هو غريب، وكم هو مقزز، أن ترامب، العدو اللدود للحقوق الفلسطينية، يجلس في فلوريدا متبجحا ويتظاهر بأنه صانع سلام. ومن غير المرجح أن يستمر هذا التظاهر طويلاً. الآن بعد أن نفذ نتنياهو ما طلبه ترامب، سيتوقع هو وحلفاؤه المتطرفون الدينيون القوميون دعمًا أميركيا للسيطرة المستقبلية على غزة وضم الضفة الغربية. وقد يسعى نتنياهو أيضًا إلى الحصول على دعم لمشروعه الثمين -تدمير منشآت إيران المفترضة ‏‏لصنع الأسلحة النووية‏‏.‏
كما أن لدى عائلات الرهائن الإسرائيليين المتبقين وأنصارها سبب ‏‏للاحتفال الصامت‏‏ –الصامت لأنه لم يتضح بعد كم من الرهائن ما يزالون على قيد الحياة، كم عددهم بالضبط ومن هم الذين سيتم إطلاق سراحهم يوم الأحد في المرحلة الأولى من الصفقة، على افتراض عدم حدوث انتكاسات مفاجئة. وسيتم بعد ذلك التدقيق عن كثب في الحالة العقلية والجسدية للرهائن، ورواياتهم عن محنتهم والمعاملة التي تلقوها من خاطفيهم –وهو ما يمكن أن يعيد إشعال الغضب الشعبي ضد "حماس"، وبالتالي تعريض الهدنة للخطر.‏
‏إذا كان ثمة شيء واحد مؤكد، فهو أن هذا الاتفاق المعقد قد ينهار في أي لحظة. ويتوقع المعلقون الإسرائيليون مسبقًا أن الحرب قد ‏‏تستأنف‏‏ بعد المرحلة الأولى التي تستمر ستة أسابيع. ولتجنب هذا الاحتمال المأساوي القاتم، يجب التنسيق والمزامنة بنجاح بين وقف كامل للصراع المسلح؛ وإطلاق سراح الرهائن بدقة؛ والإفراج المتبادل عن الأسرى الفلسطينيين الأمنيين؛ والانسحاب الجزئي التدريجي للقوات الإسرائيلية؛ والاستئناف الكامل لتسليم المساعدات الدولية الشاملة على نطاق واسع ومن دون عوائق؛ وعودة المدنيين المشردين إلى شمال غزة. ويمكن أن ينكسر أي من هذه الأجزاء المتحركة، مما يؤدي إلى تحطيم هذا الصرح الواهي بأكمله وانهياره على الجليد.‏
لم يتم تناول الحكم المستقبلي طويل الأجل لغزة في هذه الصفقة –في ما يرجع أساسًا إلى عدم وجود اتفاق. وفي حديثه هذا الأسبوع، تحدث وزير الخارجية الأميركي المغادر، أنتوني بلينكن، عن صياغة "واقع جديد" في شرق أوسط متكامل. وفي غزة، ‏‏اقترح‏‏ البيت الأبيض إدارة مؤقتة تديرها سلطة فلسطينية معادة الإصلاح، متحدة مع الضفة الغربية، يؤمنها ويتعهدها الشركاء الإقليميون ويتولون تمويل إعادة الإعمار.‏
‏وقال ‏‏بلينكن‏‏ إنه في هذا السيناريو، لن يسمح لـ"حماس" بأن تحتفظ مرة أخرى بالسلطة ولن يسمح لإسرائيل باحتلال أجزاء من غزة عسكريًا أو ضمها بشكل دائم. وقال أن من شأن هذا أن يمكّن من فتح "مسار نحو عيش الإسرائيليين والفلسطينيين جنبًا إلى جنب، في دولهم الخاصة، بتدابير متساوية من الأمن والحرية والفرص والكرامة".‏
‏في اللحظات الأخيرة، لم يتراجع بلينكن ولم يتردد. قال أن الأعمال الإسرائيلية في غزة جندت مقاتلين جددًا لـ"حماس" بقدر الذين قتلتهم هذه الأعمال. ولم يكن معظم الإسرائيليين يعرفون ما هي الأشياء "التي تجرِّد من الإنسانية" التي تمارسها حكومتهم وجيشهم باسمهم. سوف يكون من شأن المزيد من الاحتلال والضم أن يضمن حربًا دائمة. ولن ‏‏تجد إسرائيل‏‏ الأمان بهذه الطريقة. وحذر بلينكن: "يجب على الإسرائيليين أن يقرروا ماهية العلاقة التي يريدونها مع الفلسطينيين. هذه العلاقة لا يمكن أن تكون الوهم بأن الفلسطينيين سيقبلون بأن يكونوا ’لا-شعب‘ ومن دون حقوق وطنية".‏
هذه الحقائق الداخلية لعنة على القيادة الإسرائيلية الحالية ونتنياهو على وجه الخصوص، الذي يعارض بشدة حل الدولتين. ومع ذلك، ربما تكون المسألة أكاديمية إلى حد كبير. الآن، يتجه بلينكن وبايدن إلى باب الخروج. ولم يقدم ترامب أي التزامات مماثلة، وليست لديه مثل هذه الرؤية لتسوية عادلة ودائمة. يرى ترامب الفلسطينيين كخاسرين -ولا مكان في عالمه القاسي والملتوي لمثل هؤلاء الناس. بالنسبة له، يُعتبر إنهاء حرب الشرق الأوسط فرصة تجارية.‏
‏يبقى وقف إطلاق النار في غزة شيئًا مرحبًا به. دعونا نأمل أن يصمد. ولكن من الصعب تخيل سلام دائم طالما بقي نتنياهو ‏‏في السلطة‏‏. إذا -وعندما- تنتهي هذه الحرب بشكل نهائي، يجب أن تكون هناك انتخابات ومراجعة للحسابات في إسرائيل وفي المحاكم الدولية. وبالنسبة لنتنياهو، ‏‏الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب‏‏، لن ينتهي الأمر أبدًا إلى أن يقف في قفص الاتهام في لاهاي ويساءل على الأشياء الفظيعة والرهيبة التي قام بها.‏
*سايمون تيسدال Simon Tisdall: معلق الشؤون الخارجية في "الأوبزرفر"‏. وهو كاتب عمود ومحرر مساعد في صحيفة "الغارديان" البريطانية. انضم إلى الصحيفة في العام 1979، وشغل مناصب متعددة، منها محرر الشؤون الخارجية ومحررها في الولايات المتحدة ومراسل البيت الأبيض. كما عمل محررًا للشؤون الخارجية في صحيفة "الأوبزرفر" من 1996 إلى 1998. يُعرف تيسدال بكتاباته الناقدة للسياسات الدولية، بما في ذلك انتقاده لتورط بريطانيا في الصراع اليمني. كما أشاد بسياسة أنجيلا ميركل في استقبال المهاجرين.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: This Gaza ceasefire deal is tainted by Trump, Netanyahu and their disregard for peace
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق