صنفت السينما منذ ظهورها لعدة مدارس حسب العاملين فيها، فمنها المدرسة الروسية منذ العشرينيات، والواقعية الشعرية الفرنسية، والسينما الحرة البريطانية، والمدرسة التعبيرية الألمانية، والسينما الجديدة في البرازيل، ثم ظهرت مدرسة الواقعية الجديدة "Italian Neorealism "في إيطاليا، فكانت الأهم والأبرز في عالم السينما لما لها من امتداد منذ ظهور السينما مع الأخوين لوميير ومميزاتها بخروج تصوير الأفلام في أماكن المفتوحة بدون الاستوديوهات.
المرأة المصرية
وتعتبر الواقعية اتجاه أو مدرسة من مدارس السينما، ففي منتصف القرن التاسع عشر اعتمد الفنان في أوروبا "بداية اكتشاف الواقعية نمطًا جديدا من الفن يمسى الواقعية، وتميزت هذه الحركة الفنية باهتمام غير مسبوق بالموضوعات والمشكلات اليومية، وصنعت تحولات كبيرة فى عالـم الفن الغربي.
وانتقلت المدرسة الواقعية إلى السينما في مصر، فبدأت كاميرا السينما تخرج إلى الشارع وأخذت تهتم بالشخصيات المهمشة في المجتمع وتتناول أحداث حياتهم اليومية، واتخذت المدرسة الواقعية في مصر مرحلتين: الأولى كانت متزامنة مع بدايات السينما في مصر منذ عام 1939، أما الثانية في حركة الواقعية الجديدة والتي تبلورت عام 1967 نتيجة عوامل ثقافية وخطى حركات السينما العالمية، وأصبحت قضايا المجتمع أهم موضوعات السينما.
واقع المرأة المصرية
في رسالتها للماجستير تحت عنوان" واقع المرأة المصرية في أفلام مخرجي سينما الواقعية"؛ بقسم الإذاعة والتليفزيون كلية الإعلام جامعة القاهرة، ناقشت الباحثة وسام خالد صورة المرأة في 7 أفلام في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ورصد العناصر الفنية والدلالات والإسقاطات التي تعبر عن واقعها وقضاياها، والفرق بين الرؤية الفنية للرجل والمرأة في نقل واقع المرأة، وكيف كان هذا النقل معبرًا عن مشكلاتها وقضاياها الاجتماعية النفسية والاقتصادية، خاصة العنف الذي لا تزال تتعرض له بشقيه المعنوي والمادي؛ وهم:" فيلم التخشيبة إخراج عاطف الطيب ، فيلم عفوا أيها القانون تأليف وإخراج إيناس الدغيدي، فيلم الصعاليك تأليف وإخراج داوود عبد السيد ، فيلم أحلام هند وكاميليا تأليف وقصة وسيناريو وإخراج محمد خان، فيلم يوم مر... يوم حلو فكرة وتأليف وإخراج خيري بشارة، فيلم نساء صعاليك إخراج نادية حمزة، فيلم شحاذون ونبلاء سيناريو وحوار وإخراج أسماء البكري".
وخلصت الباحثة لعدد من النتائج؛ من أبرزها:" ساعدت تيارات الواقعية والواقعية الجديدة في السينما على نقل الواقع الاجتماعي من خلال قواعده وسماته المنظمة التي تأثر بها مخرجون عدة على مستوى العالم، فكان لمصر نصيب كبير في مساهمتها في نقل الواقعية تزامنا مع مشاركتها في صناعة السينما، واتضحت جليًا هذه المشاركة من قبل المخرجين والمخرجات، بالإضافة للتركيز بقدر كبير في هذه الحقبة الزمنية على ما تعرضت له المرأة من خلال تناول بعض القضايا التي تتناول جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
ومن أبرز نتائج الدراسة، قدرة هؤلاء المخرجين على توظيف العناصر الفنية في نقل واقع المرأة من خلال الإسقاطات واستخدام الكادرات الواقعية المتنوعة التي ساعدت في صياغة السرد البصري، فضلا عن التصوير الواقعي الذي جاء أغلبه في الشوارع واستغلال عنصر المكان في سياق الأحداث للتعبير عن الطبقات التي تم سردها، والرموز والإسقاطات التي أضفت الصدق والواقعية، وتنوع الموضوعات المثارة في أفلامهم والتي تتماشى مع أي حقبة زمنية أخرى نظرًا لتكرارها، وتصدّر قضية العنف كأبرز القضايا التي تم تناولها في الأفلام سواء العنف المعنوي أو الجسدي من قبل الأقارب أو القانون، وقدرة المخرجين الرجال على نقل واقع المرأة بشكل أكثر عمقا من المخرجات.
وتصدر قضية العنف كأبرز القضايا التي تم تناولها في الأفلام، سواء العنف المعنوي أو الجسدي.
واعتماد بعض الرجال على عمل المرأة ومالها، حتى من الأقارب مما يدل على معاناة المرأة المادية والجسدية في توفير قوت يومها ومن تعولهم بسبب تخاذلهم في حمايتها أو توفير احتياجاتها.
وعدم قدرة المرأة على مواجهة وصد العنف والأذى الذي تتعرض له إلا في حالات محدودة تعود عليها بالسلب، بل كانت تتعرض للعنف من الأقارب أو بعلم أقاربها دون أدنى محاولة للدفاع عنها.
وتصدر ظهور فئة المتزوجات في الأفلام مما يعني الحاجة إلى التركيز على الفئات الأخرى، وظهور فئة الأرامل بشكل أكبر مما كان سابقا في فيلمين، واستمرار قلة تناول المرأة المعيلة في الألفية الجديدة وفقا لنتائج بعض الدراسات.
وجاء ظهور المرأة المطلقة في نموذجين سلبيين: أحدهما بسبب الصفات السلبية المعتاد إلصاقها بالمرأة المطلقة، والآخر بسبب الوضع الاقتصادي لها.
وتساوى ظهور المرأة في الظروف الاقتصادية المختلفة، لكن الاختلاف كان في تناول المخرجين؛ فكانت المرأة ثرية ومتيسرة في أفلام المخرجات باستثناء فيلم أسماء البكري"، بينما كانت فقيرة وتعاني من أزمات اقتصادية في أفلام المخرجين، باستثناء شخصية آمال الطبيبة في فيلم التخشيبة" لعاطف الطيب.
وتكرار صورة المرأة السلبية كفتاة تتردد على بيوت البغاء بسبب قلة الحيلة نتيجة التعرض للعنف من الأسرة أو الظروف الاقتصادية المتدنية.
وتراجع دور التعليم، خاصة مع المرأة التي كانت مجرد آلة للعمل لتوفير متطلباتها، أو جسدا في بيوت البغاء لتلبية حاجاتها، ولكن بشكل سلبي، فأغلب ما تعرضت له المرأة من عنف ومعاناة اقتصادية كان سببه الرئيسي هو تراجع دور التعليم، بالإضافة إلى عدم سيطرة الأهل أو تشجيعهم على التعليم، بل ساعدوا على التسرب منه، مثل عائشة في يوم مر.... يوم حلو"، وتداول الاعتقاد بأن الطفل أو الشخص الذي يملك صنعة أو حرفة أفضل؛ لأنه يكون قادرًا ويعرف كيف يكسب المال، وأن مراحل التعليم ما هي إلا ضياع للوقت، ينظرون فقط للرزق القريب، ولكنهم لا يعلمون عواقب هذا من ضرر نفسي أو عدم توفير سكن إلا بمقابل شيء يتم خسارته، مثل بعض السيدات اللواتي يخسرن شرفهن مقابل المأوى والطعام في بيت إحدى السيدات التي تدير بيتا من بيوت البغاء.
وأخيرًا، فإنن المرأة في عينة الأفلام هي البطلة المحركة للأحداث، باستثناء فيلمين هما الصعاليك" و"شحاذون ونبلاء؛ حيث ظهرت كشخصية ثانوية، لكنها ساعدت في تغيير مفاهيم وتحريك مجرى الأحداث رغم دورها الثانوي.
0 تعليق