نهج «الوطني» في مواجهة التغير المناخي

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

شمائل الزرعوني*

في ظل التحديات البيئية المتصاعدة التي يشهدها العالم بسبب التغير المناخي، أصبحت هذه القضايا تمثل تهديداً جدياً للاستقرار البيئي والاجتماعي على الصعيدين المحلي والعالمي. وقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ وقت مبكر، خطورة هذه التحديات، ما دفعها إلى تبني سياسات وتشريعات تهدف إلى حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة. وفي قلب هذه الجهود، يلعب المجلس الوطني الاتحادي دوراً محورياً وحاسماً، حيث يسهم في تعزيز التشريعات الرامية إلى مواجهة التغير المناخي وتبنيها للفلسفات الأساسية المتعارف عليها دولياً والتي تعكس عمق التحليل والاستراتيجية في معالجة القضايا البيئية.
يعد دستور الإمارات، الذي يعكس التزاماً عميقاً بحماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، الإطار الأساسي الذي يحكم هذه الجهود. المادة (23) من الدستور تنص بوضوح على أن الثروات والموارد الطبيعية في كل إمارة تُعد ملكية عامة، ما يضع على عاتق المجتمع مسؤولية كبيرة في الحفاظ عليها واستغلالها بما يخدم التنمية الوطنية.
هذا النص الدستوري ليس مجرد إعلان قانوني، بل يعكس فلسفة أعمق ترتكز على فكرة العدل بين الأجيال، حيث يتحمل الجيل الحالي مسؤولية تأمين مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة.
على الساحة الدولية، لم تقتصر الإمارات على الالتزام المحلي، بل اتخذت خطوات ريادية في صياغة ودعم اتفاقيات دولية تعزز التعاون العالمي لحماية البيئة، مثل اتفاقية قانون البحار 1982، واتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون 1985، واتفاقية ريو دي جانيرو للتنوع البيولوجي 1992. هذه الاتفاقيات تعكس رؤية الإمارات لعالم مترابط، حيث تتطلب حماية البيئة جهوداً دولية جماعية.
إقليمياً، قادت الإمارات مبادرات بيئية مهمة عبر اتفاقية الكويت 1978، التي تسعى لحماية البيئة البحرية في الخليج العربي، ما يعكس إدراكها لأهمية التعاون الإقليمي لحماية الموارد البيئية المشتركة. على المستوى الوطني، يمثل القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999، المعدل بالقانون رقم 11 لسنة 2006، نموذجاً للتشريعات الشاملة لحماية البيئة في الإمارات، حيث يضع إطاراً قانونياً متكاملاً يعالج المشكلات البيئية ويهدف إلى تحسين وتجديد الموارد البيئية باستمرار، ويعكس فلسفة شمولية في السياسات البيئية للدولة.
استند المجلس الوطني الاتحادي في مناقشته لقانون حماية البيئة إلى ثلاث فلسفات أساسية تعكس عمق التحليل والتفكير الاستراتيجي في معالجة القضايا البيئية. أولاً، العدل بين الأجيال وتنمية البيئة، حيث أولى المجلس اهتماماً خاصاً بتحقيق توازن بين حماية البيئة وتنميتها المستدامة. هذا المحور يتجاوز مجرد مكافحة التلوث ليشمل تعزيز التنمية المستدامة، ما يضمن إدارة الموارد البيئية بشكل يتيح تلبية احتياجات الحاضر دون الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها المستقبلية.
يشمل ذلك تأكيد الحقوق البيئية للأجيال المقبلة من خلال ضمان تجدد واستدامة الموارد البيئية، والحد من تأثير المشاريع الاقتصادية في البيئة.
ثانياً، حق الإنسان في بيئة سليمة وواجبه نحوها، حيث يدمج القانون الحق الأساي للإنسان في العيش في بيئة صحية مع تأكيد المسؤولية الفردية والمؤسسية في الحفاظ على البيئة.
يستند هذا إلى مواثيق دولية مثل إعلان استوكهولم لعام 1972، ويعزز من مفهوم التبادل بين الحقوق والواجبات البيئية. يُلزم الأفراد والمؤسسات ليس فقط بالتمتع ببيئة صحية ولكن أيضاً بالمساهمة في تحسينها وحمايتها من التلوث والتدهور، ما يعزز من قيمة البيئة كتراث مشترك.
ثالثاً، وحدة البيئة وتكامل نظام الحماية، حيث يعكس القانون فهماً عميقاً للتكامل بين جميع عناصر البيئة، مثل الماء والهواء والتربة.
يتناول القانون حماية كل من هذه القطاعات بشكل متكامل ضمن نظام تشريعي شامل، ما يعزز فعالية حماية البيئة ويمنع تدهورها من خلال معالجة التفاعلات بين هذه العناصر. يهدف هذا النهج إلى إنشاء نظام متكامل يعالج التلوث وتأثيراته عبر جميع القطاعات البيئية، ما يعكس إدراكاً للبيئة كوحدة مترابطة تتطلب حماية شاملة.
تتميز التشريعات البيئية في الإمارات بالقوة والشمولية، ما يعكس التزام الدولة بحماية البيئة وتحقيق الاستدامة. ومع ذلك، توجد فرص كبيرة لتعزيز فعالية هذه التشريعات من خلال تقوية آليات التنفيذ والرقابة، وزيادة الوعي البيئي على جميع مستويات المجتمع. التزام الجهات الفاعلة والقطاعات المختلفة سيكون حجر الزاوية في تحويل هذه التشريعات إلى واقع ملموس يسهم في تحقيق الأهداف البيئية الطموحة للدولة.
ومن خلال الاستثمار المستمر في التكنولوجيا الخضراء والابتكار، يمكن للإمارات أن تحافظ على ريادتها كنموذج في التشريعات البيئية والتنمية المستدامة، بشرط تنسيق الجهود بين الجهات الحكومية والخاصة ودعم المجتمع المدني.
وتبقى الحكومة ركيزة أساسية في تطوير السياسات التي تستشرف المستقبل لضمان بيئة مستدامة، ما يتطلب تنفيذاً فعلياً ورقابة مستمرة لضمان الامتثال، لضمان مستقبل مستدام وازدهار ليس للإمارات فقط بل للعالم أجمع.
* باحثة في المجلس الوطني الاتحادي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق