الدكتور المهندس مراد الكلالده*
كثر الحديث مؤخراً عن نية الحكومة لفرض رسوم إستخدام لبعض الطرق بالمملكة بغرض تمويل صيانتها، فما السند القانوني لذلك في التشريعات الأردنية. اضافة اعلان
الطرق هي تلك الممرات التي تخدم قطع الأراضي، وغالباً ما تكون معبدة لإستعمال المركبات، وكافية لتمديد الخدمات أو ما يعرف بالمرافق مثل شبكات الكهرباء والإتصالات والمياه والصرف الصحي. ونظراً لأن المدن تنمو، فإنه من الصعب بمكان تأمين تخطيط شامل وكامل للطرق والمرافق لعشرات أو مئات السنين دفعة واحدة، إلا في حالات المدن الجديدة، مما يرتب على الوزارات والبلديات كلف عالية تكابد لتغطيتها من خلال الضرائب والرسوم، لديمومتها. هذه الكلف كبيرة، ويحاول كل طرف النأي بنفسه عنها، مما أدى للإشتباك بين البلديات والوزارات كلٍ يدفع بمسؤولية الصيانة إلى الطرف الآخر. وقد حسم قرار مجلس الوزراء رقم 2593 بتاريخ 20 حزيران 2021، الجدل حيث سمح للبلديات بتعبيد الطرق الواقعة خارج التنظيم والتي تقل سعتها عن 20 متر، كما حدد ديوان تفسير القوانين صلاحية وزارة الأشغال على الطرق التي تقع خارج حدود البلديات والمجالس القروية، إضافة إلى الطرق النافذة داخل حدود البلديات التي لا يقل حرمها عن 20 مترًا. ووفقًا لوزارة الأشغال العامة والإسكان فإن الطريق يُعتبر نافذًا إذا كان يربط بين بلديتين أو كان طريقًا دوليًا، ويتم تحديده بإعتماد الوزير بناءً على تنسيب لجنة الطرق النافذة، فيما تكون البلدية مسؤولة عن تصميم وفتح وتعبيد وصيانة الطرق ضمن حدودها.
وعلى الرغم مما جاء بالقرار، فإن الوزارة تتدخل بالكثير من الطرق الحضرية، ومثال ذلك قيام وزراة الأشغال بتصميم وتنفيذ الطريق التنموي أو ما يعرف بشارع ال 100 وتقاطع عين غزال، وغيره من التقاطعات المهمة التي تقع كلياً أو جزئياً داخل حدود أمانة عمّان الكبرى. وكذلك هو الحال بمشروع الجسر المنوي طرحه كفرصة إستثمارية فوق طريق الملك عبد الله الثاني (شارع المدينة الطبية) بطول (15.6) كيلومتر على الرغم من كونه أحد شوارع التكثيف العمراني المقرة بمخطط عمّان الشمولي 2007، وقد التزمت الأمانة بحقوق تطوير تجاه المستثمرين على طول هذا الطريق الحيوي، ليجدوا انفسهم أمام فكرة تحوله من طريق حضري إستثماري إلى طريق وجسر عبور نافذ.
لقد تحملت الدولة كلف إنشاء الطرق الوطنية والإقليمية التي تصل للحدود وتربط المدن والقرى بعضها ببعض، ووضعت غالبية هذه الطرق تحت إدارة وزارة الأشغال العامة والإسكان، المخولة بموجب قانون الطرق رقم (24) لسنة 1986 وتعديلاته والأنظمة الصادرة بموجبه.
ومع تطور شبكة الطرق وإتساع رقعة المناطق الحضرية وضعف البلديات، زادت المسؤوليات التي تتحملها وزارة الأشغال، فلجأت الى المنح والقروض لتمويل فتح الطرق وبناء الجسور والأنفاق وصيانتها لدرجة دعتها للتفكير بإشراك القطاع الخاص في هذه المجال للتخفيف على الموازنة العامة، على غرار ما هو متبع في العديد من الدول، فهل سيتقبل المواطن الأردني الدفع مقابل الإستعمال، وما السند القانوني لذلك.
الفكرة قديمة جديدة، ولكنها تجذرت بعد تضمينها في تقرير للبنك الدولي بالعام 2019 الذي أوصى بفرض رسوم على الطرق كجزء من الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل البنية التحتية، وأوصى بتطوير (14) طريقاُ منها (12) طريق سريع وطريقين دائريين بطول إجمالي قدره 1379 كيلومتر وما يمثل 18% من إجمالي شبكة الطرق في المملكة. ويحاجج المواطن الأردني من خلال التعليقات المرصودة على وسائل التواصل الإجتماعي بأن هذه الطرق متبرع بها من قبل دول شقيقة وصديقة، فكيف تفرضون رسوم على إستخدامها.
ونرد ليس دفاعاّ عن الحكومة، ولكن من باب المنطق، بأن المنح لا تتضمن كلف الصيانة، وأن كثير من المنح تشترط قيام الحكومة بصيانتها لديمومتها، فمن أين لحكومات مثقلة بالأعباء وإلتزامات الرواتب وفواتير التقاعد والتامين الصحي، والتعليم الإلزامي أن تصرف على صيانة الطرق التي تستعمل للنقل بالعبور بحمولات محورية ثقيلة، ولمركبات عمومية وخاصة تجول بالطرقات لساعات طويلة باليوم، فهل التشريعات الأردنية جاهزة لإستيعاب التغيير القادم.
لقد تشكل لدينا في المئوية الأولى للدولة الأردنية شبكة قوية من الطرق البرية موزعة الى طرق دولية (نافذة) بطول 5000 كيلومتر تقريباً، ورئيسية (وطنية) تربط بين المدن الكبيرة والمحافظات مثل طريق أربد- عمّان، وطرق ثانوية تربط المراكز الحضرية الصغيرة بالمدن الكبرى تقدر أطوالها بحوالي 2000 كيلومتر، وطرق ريفية وزراعية بطول 1500 كيلومتر تقريباً. جميع هذه الطرق هي أصول ثابته يجدر إستثمارها من خلال الشراكة مع القطاع الخاص، فهل يعني ذلك خصخصتها.
الإنطباع العام لدى المواطن الأردني عن الخصخصة ليس إيجابي، حيث لم تحقق خصخصة قطاعات الكهرباء والمياه والإتصالات الفوائد المرجوة منها، بل زادت الأعباء المالية على المواطنين. كما ان البعض يعتقد بوجود شبهات فساد مما حدى بالقصر لتشكيل لجنة ملكية لتقييم خصخصة الشركات الحكومية بالعام 2013 ترأسها الدكتور عمر الرزاز وخلصت الى أن بعض عمليات الخصخصة تمت بدون تخطيط كافٍ مع وجود ضعف بالرقابة والشفافية.
إن التشريعات الأردنية قاصرة بهذا المجال، فلا وجود لما يسمى "ضريبة صيانة الطرق" بالقوانين والأنظمة والتعليمات، كما يدعي بعض الوزراء السابقين، ولكن المادة (29) من قانون الطرق قد اجازت فرض بدلات خدمات مرور على أي طريق، تكون حصيلتها أمانة لدى وزارة المالية لحساب صيانة وتحسين الطرق في المملكة. وإستناداً إلى هذه المادة، صدر نظام رسوم المرور على الطرق لسنة 1977، الذي حدد تفاصيل فرض الرسوم على المركبات. وبالعودة إلى وصولات المقبوضات التي تحررها إدارة ترخيص السواقين والمركبات بمديرية الأمن العام، لم نجد اي ذكر لرسوم صيانة الطرق، وإنما هناك رسوم إقتناء وكثير من الرسوم الإضافية. وعند البحث بالتشريعات ذات العلاقة، مثل قانون السير الأردني رقم (49) لسنة 2008، لم نجد بند واضح وصريح يجيز فرض ضريبة أو رسوم صيانة الطرق، وإنما وجدنا بالبند (20) ما يجيز إستقطاع جزء من الرسوم الإجمالية. وبالبحث في نظام رسوم تراخيص المركبات رقم (103) لسنة 2008، لم نجد مادة تجيز تحصيل "بدل صيانة الطرق" ولهذا فهي لا تظهر على وصل المقبوضات المستلم عند الترخيص.
ومع نية الحكومة البدء بتطبيق نظام الطرق مدفوعة الرسوم على طريق ممر عمّان التنموي (شارع ال 100) في مرحلته الأولى ليتم التوسع لتطبيقه على (14) طريق، منها طريق السلط الدائري (طريق الستين) يبرز السؤال التالي: هل ستكون التشريعات جاهزة بحلول صيف هذا العام، وهل سيتم عكسها على الأنظمة المعمول بها في إدارة ترخيص السواقين والمركبات، أم أنه سيتم إستيفاء الرسوم من قبل المستثمر المشغل للطريق، وإجراء مقاصة مع وزارة المالية لتوضع المبالغ في حساب صيانة وتحسين الطرق، وما الضامن لبقاء هذه المبالغ بالصندوق لصرفها على صيانة الطرق.
على الحكومة أن تكون جاهزة قبل طرح الفرص الإستثمارية، فالتشريعات هي الفيصل والحَكم بين الفرقاء، لكي لا نكرر تجارب مشاريع الإستثمار بالطاقة المتجدة التي تحمل الدولة خسائر جمة.
*مستشار العمارة والتصميم الحضري
0 تعليق