غزة بين تقاسم الكعكة السياسية والغدر الإسرائيلي

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
يبدو أن الحرب على غزة التي دامت لأكثر من 15 شهرا وأهلكت الحرث والنسل، وراح ضحيتها أكثر من 50 ألف قتيل وآلاف المشردين، في بداية الطريق لوضع أوزارها، بعد أن تم التوصل إلى اتفاق ينهي إطلاق النار والإفراج عن الأسرى بين الطرفين، برعاية أمريكية قطرية مصرية، ودخول الهدنة حيز التنفيذ بدءا من يوم الأحد 19 يناير 2025م.

ويتضمن الاتفاق المقرر لهذه الهدنة ثلاث مراحل، تشمل المرحلة الأولى ومدتها 42 يوما وقفا تاما لإطلاق النار، وانسحاب وإعادة تموضع القوات الإسرائيلية خارج النطاقات المأهولة بالسكان، مع تبادل الأسرى ورفات المتوفين، وعودة النازحين في الداخل إلى أماكن سكنهم في قطاع غزة، ودخول المساعدات الإنسانية للقطاع، وتسهيل مغادرة المرضى والجرحى لتلقي العلاج.

وبعد أن أعلنت الأطراف الراعية للاتفاق عن التوصل له، برز أمران وكأنهما يختصران الكلمة الأخيرة للحرب على غزة، الأول غارات شنها سلاح الجو الإسرائيلي على بعض المواقع في غزة، والآخر ما ذهبت إليه الفصائل الفلسطينية حول أن الجهد الدبلوماسي المضني الذي بذلته أطراف الوساطة، مع دولة متوحشة يمثلها بنيامين نتنياهو وقادة جيشه ومخابراته، ثمرة من الصمود التي ستقود إلى التحرير، وهو ما ينافي الحقيقة جملة وتفصيلا، بل أنه يرتقي إلى أن يكون مقامرة بأرواح القتلى والمصابين والمشردين.

إن الطرفين اشتركا في تجاهل تضحيات الإنسان الغزاوي بمعنى الكلمة، وهذا يتضح من الغارات الجوية التي نفذتها تل أبيب، وهي طرف معاد ولا يستغرب منه العداء والتعطش للدم حتى الثواني الأخيرة من الوقت المتاح، لكن أن يكون الفلسطيني سواء كان ضحية أو مشردا، مجرد شعار في خطابات رنانة أطلقتها الفصائل المسلحة من أبناء جلدته، وأن المعركة ستستمر لأجيال ولن تتوقف، فهذا أمر يبعث للتشاؤم والإحباط.

لكن ماذا يعكس موقف الفصائل الفلسطينية، إنه لا يعدو كونه موقف ضعف، أو بمعنى أصح تضعضع، ناتج عن حالة وحدة، بعد أن انكفأت عنها ميليشيا حزب الله الإرهابية في لبنان، عقب تلقيها ضربات عديدة، أصابتها بمقتل من الجانب الإسرائيلي، ما دفعها للانشغال داخليا في أوراقها الخاصة، فيما تقهقرت جبهة المساندة التي فتحها الحزب مناصرة للشعب الفلسطيني، في إطار مفهوم المقاومة، الذي تبين مع الوقت أنها شعار يخدم أجندات خارجية، ليس لفلسطين فيها لا ناقة ولا جمل.

كما أن ما ذكرته حركة حماس على حسابها في منصة تلغرام، حول أن الاتفاق وضع حدا لسفك الدماء والمجازر وحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وأنه يأتي انطلاقا من مسؤوليتها تجاه الشعب المرابط في قطاع غزة، ليس إلا محاولة لذر للرماد في عيون أبناء قطاع غزة، إذ إن الإجرام الإسرائيلي لديه من القدرة والنفس الطويل، للمضي قدما في هذه الحرب سنوات عديدة مقبلة.

وأتى في رواية عحركة حماس أن إسرائيل فشلت في تحقيق أي هدف من أهدافها السرية والمعلنة، وأنها لم تحقق سوى الخراب والدمار والقتل في غزة، وهذه السردية مردود عليها، إذ إن القتل هدف إسرائيلي، والدمار كذلك، والدليل استخدام تدمير قطاع غزة، كوعود أعلنها نتنياهو للرأي العام الإسرائيلي، وقد حققها بالفعل، وهو ما سيعود على شعبيته وشعبية حزبه الحاكم، إضافة إلى التوصل للوعد الأهم، وهو إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وهو الأمر الذي كان بمثابة ورقة يمكن أن تعصف بمستقبله السياسي في إسرائيل، إلا أن الرجل تمكن من إنجازه وتحقيقه، وبالتالي خلال أيام سيصل الأسرى إلى منازلهم.

ولكن مع ذلك، يعيش رئيس الوزراء بنيامين نيتنياهو الآن حالة من الضغط الكبرى، نتيجة أنه وصل في ملف غزة لحالة اللا نصر، وهي عكس الوعود التي أطلقها للرأي العام الإسرائيلي، لا سيما أهالي الأسرى، وهذا ما يجعل مصيره السياسي على المحك، إذ إنه لم يستطع إطلاق أسرى بالقوة النارية التي استخدمها حسب ما ادعى، إنما من خلال طاولة المفاوضات، ولم يدمر حركة حماس التي توعد بنهايتها، وهي التي جلس مندوبوها مقابل وفده في عملية التفاومض.

وامتداداى لذلك، فإن نيتنياهو أصبح في حالة مرتبكة ولا يستطيع إعادة الحرب مرة أخرى، لأنه يخشى دونالد ترامب، القادم للمكتب البيضاوي، والذي تدخل في اللحظات الأخيرة أمام انهيار الاتفاق المبرم، وأعاده لجادة الصواب، وهذا التدخل يرتبط بأسباب ترامب الخاصة، وهو الذي يريد إبعاد ملف النزاع الغزاوي الإسرائيلي عن طريقه، ليأخذ خطوة لإنهاء النزاع الروسي الأوكراني، بصفقة سيتم بلورتها في الأيام الأولى من دخوله البيت الأبيض، ليتفرغ كليا لمحاسبة إيران، التي تعيش هي الأخرى حالة هلع من عودة الرجل الذي مزق اتفاقها النووي مع مجموعة الدول 5+1، في نوفمبر 2013.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق